اللوطية السياسية بين الطهارة والتطهير

د. عز الدين الكومي يكتب: الإقصائيون وحلم اجتثاث الإخوان

يقول أحد أصحاب الفكر  الإقصائي الاستئصالي من الذين لا هم لهم إلا التطبيل للنظام الانقلابي، والتحريض على قتل الأبرياء ومحاربتهم في أوطانهم، على الرغم من ادعائهم المتكرر: أنهم دعاة دولة مدنية  علمانية ليبرالية، وغير ذلك من الشعارات الجوفاء.. يقول “ياسر رزق” أحد أبواق النظام الانقلابي الذى كان من أصحاب الحظوة والشهرة قبل أن يلقي به النظام في سلة المهملات ليذهب إلى مزبلة التاريخ و يحاول اليوم  تدوير نفسه كخادم للنظام الانقلابي وأنه من أخلص لاعقي بيادته.. يقول _ فُض فوه _في مقال له نشر قريباً: “مطلوب رؤية شاملة للدولة بكل مؤسساتها، تحدد التعامل الواجب لاجتثاث جماعة الإخوان، ووضعها فى نعشها لتدفن فى مقابر التاريخ بغير قيامة ولا بعث . جماعة الإخوان المسلمين هى فكرة مهزومة تقترب من الرحيل، لتلقى مصيرها المحتوم، تعفنا وتحللا وموتا بغير قيامة..!لكن المحك فى صحة ما أقول هو منع أي أحد من أن ينعش صدرها ، أو يعطيها زفرات أنفاس، أو يضعها تحت جهاز التنفس الصناعي ، فيرجئ موتها المحتوم” .

ثم يفخر بفجره وعداوته التى ظهرت من سموم قلمه، قائلاً : “هذا هو ما كتبته بالنص فى مقال نشرته هنا منذ عام تحت عنوان : «اجتثاث الإخوان»،  ما قلته اعتقدت فى صحته حينذاك، والآن أؤمن أكثر بأنه صحيح تماماً”.

وكأن تاريخ قوم لوط يعيد نفسه ولكن بصورة أخرى، فإن قوم لوط لما كذبوا رسولهم لوطا عليه السلام وأرادوا إخراجه والتنكيل به هو وآله .. اتهموهم بتهمة هي في الحقيقة شرف للبشرية كلها، لكنها عندهم أعظم تهمة وجريمة !! .

لأن نفوسهم الخبيثة لا تعرف الطُهر ولا تعرف الشرف؛ فلقد قالوا بلا خجل ولا وجل، مخالفين للفطرة الإنسانية بل الفطرة الحيوانية (كما حكاه الله تعالى عنهم) : “فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ” (النمل 56).

فكان التهديد بالطرد والاجتثاث _كما يطالب هذا الأفاك _  لسيدنا لوط عليه السلام ومن آمنوا معه من أهل القرية بسبب استمرارهم في دعوتهم الإصلاحية !! .

 وهكذا اتخذوا قرارهم مستندين في حيثياته إلى : (إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)!!

 لا شيء غير أنهم يتطهرون !! هذه هي جريمتهم فحسب .

عجيب أمر هؤلاء حقاً !! ومتى كان الطهر ذنباً وجريمة يستحق صاحبه أن يُخرج من بلده ؟!

إنها نَغَمة أهل الباطل في كل زمان ومكان، حينما يهاجمون أهل الحق، وينكلون بهم  لإبعادهم من الساحة لتخلو لباطلهم فيبيض فيها ويفرّخ !!

وهكذا يكون الوضع عندما تختل الموازين، فيصير الصادق كاذبا، والكاذب صادقا، والخائن أمينا، والأمين خائنا، والمصلح مفسدا، والمفسد مصلحاً .

وإلا فلماذا  التنكيل  بمرشد الإخوان – الشيخ السبعيني – الدكتور محمد بديع الذى صنفته الموسوعة العلمية العربية التي أصدرتها الهيئة العامة للاستعلامات (المصرية) في عام 1999 كواحد من “أعظم مائة عالم عربي”؟ .

و التنكيل كذلك ببقية إخوانه من أمثال الدكتور محمود عزت والدكتور عبدالرحمن البر والمهندس خيرت الشاطر والدكتور البلتاجى والدكتور باسم عودة والدكتور أسامة ياسين وغيرهم مئات من العلماء في التخصصات المختلفة ؟ وعشرات الآلاف غيرهم في غياهب السجون والمعتقلات  إلا لأنهم أطهار في  أوساط خبيثة . أطهار اليد والفكر واللسان .

(وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد).

بل إيمانهم بالله تعالى _ عند منكوسي الفطرة هؤلاء_ هو جريمتهم الثابتة  المتلبسين بها ، وجرمهم الذى لايغتفر هو الكفر بالمشاريع الصهيونية وفضيحة القرن -صفقة القرن-  التى هي من أعظم الموبقات .

ومن جرائمهم كذلك _ حسب نظرية قوم لوط_ : إصلاح المجتمعات وحملها على طاعة الله  تعالى !! .

لذلك يرى الطغاة ومن يساندونهم من قوى الشر العالمية والإقليمية والمحلية أن جماعة الإخوان منذ تأسيسها وحتى الآن هي الخطر الحقيقي لمشروعاتهم  التدميرية؛ لذلك فقد واجهت ولاتزال تواجه حملات شرسة تحمل نفس شعار قوم لوط ” إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ” ولكن بصيغ جديدة  تناسب الواقع  كتصنيفها كجماعة إرهابية مثلا _ وهي من هذه التهمة براء _ حتى يسهل شيطنتها وإقصاؤها وإبعادها بقانونهم الباطل ومايترتب على ذلك من قتل وسجن واعتقال ومطاردة وتشريد ومصادرة أموال وحرمان من  المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وغير ذلك من  الإجراءات الظالمة الغاشمة؛ لأنهم  يرون أن جماعة الإخوان المسلمين هي العائق أمام فرض أجنداتهم، ونشر رذائلهم، وأنها  السد المنيع أمام مخططاتهم الشيطانية .

 لذلك يجيشون من أجلها  الجيوش الإعلامية والثقافية والتعليمية لشيطنتهم، وإلصاق تهم العمالة والخيانة وعدم الوطنية بهم، وقذفهم بتهمة التطهر من رجس الخضوع والخنوع والانبطاح والتسليم للمشاريع الانهزامية .

ولكن جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها قد سلكت هذا المسلك الإصلاحي الطاهر ولا تزال تسلكه، وستظل تسلكه بإذن الله تعالى، مهما أغضب ذلك الطغاة وأهل الباطل، ولو أدى الأمر إلى إخراجهم من قريتهم كما يتخيل ذلك صاحب القلم المسموم ياسر رزق ومن سار على نهجه المعوج .

وبالرغم من وحشية الأنظمة القمعية المستبدة في التعامل مع الجماعة منذ ظهورها قبل قرابة قرن من الزمان فإننا نرى أن النتيجة حتما هي نصرة الحق وأهله، وإزهاق الباطل وحزبه، وهزيمة حزب الشيطان ، كما قرر الله عز وجل ذلك في وعده الإلهي القاطع ” (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)  الإسراء .

من حقك أن تختلف أو تتفق مع الإخوان؛ فالإخوان ليسوا ملائكة، وليسوا معصومين من الخطأ، فهم يجتهدون فى ممارساتهم للعمل السياسي والحزبي والبرلماني والنقابي فيصيبون ويخطئون ، لكن لابد أن تقر وتعترف بأن الإخوان _ بفضل الله ورحمته _ لم يتورطوا في شبهة فساد مالي أو خلقي واحدة كما فعل غيرهم من الطغاة الظالمين الفاسدين .

فقد كان من الإخوان المسلمين وزراء ومحافظون ونقابيون وأعضاء برلمان فلم يثبت فسادهم ولاخيانتهم، بل برأتهم تقارير المؤسسات الرسمية للدولة المصرية حتى بعد الانقلاب ، ومن يدعى غير ذلك فعليه بالدليل !!

لكن الكاتب المأجور وأمثاله من أصحاب الفكر الإستئصالي يعتبرون الطهارة والشرف من ألد أعدائهم .

ولا نملك في النهاية إلا أن نقول : حسبنا الله ونعم الوكيل .