الشيخ رائد صلاح يكتب: احذروا الانحراف بإطار ديني

الانحراف قد يكون فرديًا أو جماعيًا، وقد يكون جماعيًا شعبويًا أو جماعيًا حزبيًا، وقد يكون فوضويًا أو منظمًا، وقد يكون انحرافًا فكريًا أو سياسيًا أو أخلاقيًا أو تربويًا أو إعلاميًا، وأخطر انحراف في كل هذه الانحرافات هو الانحراف الجماعي الحزبي المنظم الذي يؤطر بإطار الدين، لأن هذا الانحراف المؤطر بإطار الدين سواء كان فكريًا أو سياسيًا أو أخلاقيًا أو تربويًا أو إعلاميًا فإنه مع مرور الأيام قد يتحول في نظر مبتدعيه ومروّجيه وأتباعه إلى جزء من الدين- وفق حساباتهم-، وعندها قد يتحول إلى مذهب باسم الدين، وقد يلتف حوله من يتخذونه عقيدة لهم وعبادة ومنهج حياة باسم الدين، رغم أن الدين القيّم منه براء، وقد ينفصل أتباع هذا الانحراف المؤطر بإطار الدين، عن الدين القيّم ويطلقون على مذهب انحرافهم اسمًا جديدًا يميزهم عن غيرهم وهم يظنون واهمين أنهم يحسنون صنعًا. وهكذا يتحولون إلى فرقة ضالة تُضاف إلى قائمة الفرق الضالة التي عرفها التاريخ الإسلامي العربي والحضارة الإسلامية العربية، وهكذا يتحولون إلى عبء ثقيل ستعاني منه الأمة في كل أبعادها الإسلامي العروبي الفلسطيني. ومن مظاهر فتنة هذا المذهب المنحرف المؤطر بإطار الدين والذي قد يتحول إلى فرقة ضالة، أنه سيجد له من ينظّر له ويدافع عنه ويجرّح منتقديه انتصارًا له باسم الدين، وقد يجد له من يكتب عنه المجلدات ليتحول في وقت واحد إلى فتنة فكرية وسياسية وأخلاقية وتربوية وإعلامية، ومن يقرأ تاريخنا وحضارتنا بتدبر سيجد عشرات الأمثلة على ما أقول وهاكم بعضها:

1- (ذو الخويصرة) عاش في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع منه وكلّمه، وخالط الصحابة رضي الله عنهم، لكنه انحرف، وبلغ به انحرافه أن قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: (إنها قسمة ما أريد بها وجه الله) فكان أن خرج من ظهره ومن تحت عباءته الخوارج الذين كانوا شرًا مستطيرًا باسم الإسلام على الأمّة الإسلامية، وهذا يعني أن خطرهم كان شديدًا لأنهم أطّروا انحرافهم بإطار الدين، وراحوا يدّعون أنهم هم وحدهم أتباع الإسلام الصادقون، وما سواهم كفار، مباحو الدماء والأعراض والأموال، فكانوا وبالًا فظيعًا على الأمة الإسلامية باسم الدين.

2- (واصل بن عطاء) كان تلميذًا نجيبًا في حلقات العلم التي أقامها الحسن البصري، فحدث جدال ذات يوم بينه وبين شيخه الحسن البصري حول مسألة من المسائل، فاعتزل مجلس الحسن البصري، انتصارًا وتعصبًا لرأيه، ثم راح يروّج لرأيه، ويجمع حوله التلاميذ، حتى تحول فكره إلى مذهب دخيل على الإسلام عرف باسم (المعتزلة)، فكان أصل هذا الاسم لأن واصل بن عطاء اعتزل مجلس الشيخ الحسن البصري. وهكذا أرهق هذا المذهب الأمة الإسلامية على صعيد علمائها وعوامها باسم الدين. وهكذا شطح هذا المذهب وافترق بفكره وفقهه عن أهل السنة والجماعة باسم الدين.

3- (الجهم بن صفوان) كان في بداية حياته من علماء أهل السنة والجماعة، ثم تعثر في سيره العلمي عندما تحدث عن أسماء الله تعالى وصفاته وأفعاله الحسنى، حتى تحول تعثره إلى انحراف خطير عقدي، وراح يروّج لفكره الخطير المنحرف، وراح يجمع من حوله التلاميذ، حتى تحوّل فكره المنحرف إلى مذهب منحرف عُرف باسم (الجهمية)، وراح يدعو إلى هذا المذهب المنحرف الخطير باسم الدين، لدرجة أنه تطاول على عقيدة التوحيد باسم الدين، وتطاول بخاصة على أسماء الله تعالى وصفاته وأفعاله الحسنى باسم الدين، وكاد أن يفتن المسلمين في عقيدتهم لولا أن تصدى له علماء السنة والجماعة ودحضوا فكره المنحرف وأقاموا عليه الحجة.

4- (حسن الصباح) ومن قبله (حمدان قرمط) اللذان خدعا عوام المسلمين ودعواهم إلى مذهب ضال مضل باسم الدين عُرف هذا المذهب باسم (القرامطة)، وكان نكبة على الأمة الإسلامية أباح دماءها وأعراضها وأموالها، لدرجة أن هذا المذهب الضال المضل باسم الدين أباح لنفسه سرقة الحجر الأسود ثم قام بنقله إلى البحرين، وأباح لنفسه قتل الحجاج وهم يطوفون حول الكعبة، وأباح لنفسه إعطاء الولاء لأعداء الإسلام وواصل مع هؤلاء الأعداء التآمر لإسقاط الخلافة الإسلامية، وقد تسبب بقتل الكثير من علماء المسلمين وسلاطينهم وقياداتهم.

5- ثم ظهرت الكثير من الفرق الضالة ذات الأسماء المختلفة باسم الدين كالحشاشين، والمرجئة، والمعطلة، وكانت هذه الفرق بالعشرات، ومن رؤساء هذه الفرق من ادّعى أنه قام نصرة لآل البيت وكذب في ذلك، ومنهم من ادّعى أنه هو المهدي المنتظر وكذب في ذلك، ومنهم من ادّعى النبوة وكذب في ذلك، وجامع هذه الفرق الضالة المضلة كان باسم الدين سواء كانت، باطنية أو مكشوفة، وجامع هذه الفرق المنحرفة أن وجودها كان وبالًا وفتنة ورهقًا في مسيرة تاريخنا وحضارتنا.

6- ثم تواصلت هذه الظاهرة حتى الآن، وها نحن نرى شواهد لها بين ظهرانينا ونحن في عام 2022، فها هي فرق باطنية كانت في بداية أمرها انحراف فرد باسم الدين ثم تحوّل هذا الانحراف إلى مذهب منحرف باسم الدين، وبات في واد والإسلام في واد آخر، وقد بلغ الأمر ببعض منحرفي هذه الأيام أن خرج علينا من يروّج لكتاب بعنوان (الكتاب الأخضر) باسم الدين كبديل- وفق حساباته- عن مصادر الإسلام الأساس، وهي القرآن والسنة، وقد نرى انحرافات خطيرة في قادمات الأيام بإطار ديني تحمل ما هو أخطر وما هو أعجب من كل الانحرافات السابقة!!

7- لماذا كل ذلك؟ لأن كل أصحاب هذه المذاهب المنحرفة بإطار ديني قد أصابتهم لوثة الغرور، وباتوا يظنون أن لا أحد على وجه الأرض أفهم ولا أعلم ولا أعقل منهم!! مما يعني أن لوثة الغرور هذه قد تسببت لهم بالشعور بالعظمة، وباتوا يظنون أنهم بشر فوق البشر، وأنهم معصومون، ولا يقبلون النقد ولا التصحيح ولا حتى النقاش. ومن انتقدهم ودعا إلى تصحيحهم ونقاشهم فهو متهم. وكل هذا الانحراف ارتكبوه بإطار ديني، وكأنهم باتوا يتمتعون بحماية مقدسة!!

8- لكل ذلك أنصح أبناء المشروع الإسلامي في الداخل الفلسطيني بخاصة، سواء كانوا أفرادًا أو جماعات بغض النظر عن أسمائهم وعن مسميات اجتهاداتهم، وأنصح أبناء المشروع الإسلامي في كل الأرض أن احذروا أن تتورطوا في أي انحراف وأن تؤطروه بإطار ديني، سواء كان انحرافًا فكريًا أو سياسيًا أو أخلاقيًا أو تربويًا أو إعلاميًا، لأن أخشى ما أخشاه أن يتحول انحراف أحدكم أو بعضكم بإطار ديني إلى مذهب منحرف باسم الإسلام، وعندها هي الطامة الكبرى!!