من الحكم العطائية :إن رغبتك البدايات زهدتك النهايات

{إن رغبتك البدايات، زهدتك النهايات؛
إن دعاك إليها ظاهر، نهاك عنها باطن}.

قال ابن عطاء الله السكندري:
{إن رغبتك البدايات، زهدتك النهايات؛
إن دعاك إليها ظاهر، نهاك عنها باطن}.

يقول ابن عجيبة في إيقاظ الهمم:

وأما إن توليت الولاية التي لا تدوم، فكن فيها على حذر ولا تغتر بحلاوة بدايتها، فإن نهايتها مرارة كما أبان ذلك بقوله:

“إن رغبتك البدايات زهدتك النهايات”

قلت: الولاية التي لا تدوم كعز بمال أو جاه أو عشيرة أو غير ذلك من عز الدنيا، أولها حلو لمتعة النفس ووجود حظها فيها، وآخرها مرّ لفقد تلك الولاية ولو بالموت ولما يعقبه من الذل والهوان، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: “نعمت المرضعة، وبئست الفاطمة”.

فإن رغّبتك في هذه الولاية التي تفنى حلاوة بدايتها، زهّدتك فيها مرارة نهايتها. فإن غرتك بظاهر بهجتها فاعتبر بباطن حسرتها، إن رغبتك فيها حلاوة إقبالها زهدتك فيها مرارة إدبارها.

قال الشيخ أبو على الثقفي رضي الله عنه: أف لأشغال الدنيا إذا أقبلت، وأف من حسرتها إذا أدبرت، والعاقل لا يركن إلى شيء إذا أقبل كان فتنة، وإذا أدبر كان حسرة؛ وأنشدوا في ذلك:
ومن يحمد الدنيا لشيء يسره … فسوف لعمري عن قريب يلومها
إذا أدبرت كانت على المرء حسرة … وإن أقبلت كانت كثيراً همومها

.. فمن وقف مع ظاهر الدنيا نادته هواتف باطنها: إنما نحن غرة فلا تغتر، وهذا معنى قوله:
“إن دعاك إليها ظاهر، نهاك عنها باطن”

قلت: ظاهرها خضرة حلوة وباطنها خبيثة مرة. قال عليه الصلاة والسلام: “الدنيا خضرة حلوة، وإن مما ينبت الربيع يقتل أو يلمّ حبطا” الحديث.
فأخبر عليه الصلاة والسلام أن ظاهر الدنيا خضرة حلوة وباطنها سم قاتل.

وقد شبه بعض الحكماء الدنيا بسبعة أشياء:
•شبهها بالماء المالح يغرق ولا يروي ويضر ولا ينفع، قلت: وكذلك الدنيا تغرق صاحبها في حبها ويموت عطشاناً منها.
•وشبهها بظل الغمام يغر ويخذل، قلت: وهو الذي يغطي بعض المواضع فإذا أشرقت الشمس تقشع عنه.
•وشبهها بالبرق الخاطف يعني في سرعة الذهاب والاضطراب.
•وبسحاب الصيف يضر ولا ينفع.
•وبزهر الربيع يغر بزهوته ثم يصفر فتراه هشيماً.
•وبأحلام النائم يرى السرور في منامه فإذا استيقظ لم يجد في يده شيئاً إلا الحسرة.
•وبالعسل المشوب بالسم الزعاف يغر ويقتل. اه‍‍

قال حفيده: فتأملت هذه الحروف السبعة سبعين سنة ثم زدت فيها حرفاً واحداً، فشبهتها بالغول التي تهلك من أجابها وتترك من أعرض عنها. اه‍‍
نقلها ابن عباد رضي الله عنه، فانظره.

(انتهى باختصار من إيقاظ الهمم)