الدعوة إلى الله ليست موسمية

الشمس لا تقف؛ بل تجري لمستقر لها، والقمر كل ليلة له منزل لا يغيب عنه ولا يتخلف، والليل يذهب ويأتي النهار، والخريف يمضي ويأتي الربيع، والأفلاك لا تتوقف عن المسير، وحركة الكون دائمة حتى تقوم الساعة؛ كذلك حال الداعية مع دعوته؛ بل والمسلم مع دينه، لا ينقطع العبد عن الطاعة، ولا يتوقف أتباع الرسل عن الدعوة، بل هم في عمل دائم متواصل إلى أن تنقطع بهم الحياة، أو يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.

والدعوة إلى الله تعالى لا ترتبط بحقبة زمانية، ولا بمنطقة مكانية، ولا بنوعية بشرية، ليست موسمية وإنما دائمية، ليست وقتية وإنما أبدية حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

نعم، قد تنشط الدعوة حينًا، وقد يكسل حاملوها حينًا آخر، لكنها مع ذلك مستمرة وماضية في طريقها، يحملها الكبير والصغير، والرجل والمرأة، والحر والأسير، وذو العاهة والسليم، لا ترتبط بحالة ولا بإنسان، ولا خطبة أو مقال، بل قد تكون كلمة عابرة أصدق وأنفع للدعوة من محاضرة مطولة، وقد يأتي موقف عصيب يخدم الدعوة من حيث لا يدري أصحابها، ويفتح لها أبوابًا ما كانت لتفتح لولا تقدير الله تعالى لها.

ففي رحلة الطائف يفتح الله تعالى لرسوله قلب عداس فينكب على قدمي النبي صلى الله عليه وسلم مقبلًا لهما، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من الطائف راجعًا إلى مكة، حين يئس من خير ثقيف، حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي، فمر به النفر من الجن الذين ذكرهم الله تبارك وتعالى، وهم فيما ذكر لي سبعة نفر من جن أهل نصيبين، فاستمعوا له، فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين، قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا (1).

فهذه حادثة؛ وإن لم تكن في بداية خير إلا أن الله ختمها بخير عظيم، وفتح مبين لرسوله صلى الله عليه وسلم أذهب عنه الهم الذي يحمله والجَهد الذي بذله في سبيل الله، ليكلل الله تعالى عمله ورحلته بهذا النجاح العظيم.

وقد تأتي مناسبة دينية فيقبل الدعاة فيها بإعداد وجد واجتهاد، يستغلون أوقاتها وأحوالها لخدمة قضيتهم ونصرة دعوتهم، فالحج – على سبيل المثال – مناسبة كبرى، وفرصة هامة للدعوة إلى الله وتبصير المسلمين بأمور دينهم؛ حيث تحتشد الملايين من بقاع المعمورة في هذا الموسم، بدافع التعبد لله تعالى، وهم أحوج ما يكونون إلى من يوصل إليهم الخير والبر والإحسان والمعروف الديني والدنيوي.

وكان عليه الصلاة والسلام يَعرض نفسه على القبائل في مواسم الحج وأسواقها، ويدعوا فيها إلى الله عز وجل.

فعن جابر، قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين، يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة، وفي المواسم بمنى، يقول: من يؤويني؟ من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي، وله الجنة؟ حتى إن الرجل ليخرج من اليمن، أو من مصر -كذا قال- فيأتيه قومه، فيقولون: احذر غلام قريش، لا يفتنك، ويمشي بين رجالهم، وهم يشيرون إليه بالأصابع، حتى بعثنا الله له من يثرب، فآويناه، وصدقناه، فيخرج الرجل منا فيؤمن به، ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين، يظهرون الإسلام، ثم ائتمروا جميعًا، فقلنا: حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف؟

فرحل إليه منا سبعون رجلًا حتى قدموا عليه في الموسم، فواعدناه شعب العقبة، فاجتمعنا عنده من رجل ورجلين حتى توافينا، فقلنا: يا رسول الله، علام نبايعك، قال: «تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأن تقولوا في الله، لا تخافون في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني، فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم، وأزواجكم، وأبناءكم، ولكم الجنة».

قال: فقمنا إليه فبايعناه، وأخذ بيده أسعد بن زرارة، وهو من أصغرهم، فقال: رويدًا يا أهل يثرب، فإنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك، وأجركم على الله، وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبينة، فبينوا ذلك، فهو أعذر لكم عند الله، قالوا: أمط عنا يا أسعد، فوالله لا ندع هذه البيعة أبدًا، ولا نسلبها أبدًا، قال: فقمنا إليه فبايعناه، فأخذ علينا، وشرط، ويعطينا على ذلك الجنة (2).

يعرض نفسه على أنه رسول الله مبلغ عن الله يحمل دين الله، لم يكن يعرض على الناس أن يحملوا هم نفسه ولا هم ملكه وشرفه، ولم يكن ليحدثهم عن الدنيا ومناصبها وثرواتها وشهواتها، ولم يكن يعدهم بالأوسمة والنياشين، ولا بالملك والجاه، وإنما جنة الله تعالى لمن آمن بالله وصدق برسوله صلى الله عليه وسلم، والنار لمن تخلف عن ركبه وعارض أمره.

ولم يكن صلى الله عليه وسلم يسمع بقادم إلى مكة من العرب له اسم وشرف؛ إلا تصدى له، فدعاه إلى الله، وعرض عليه ما عنده.

في جد واجتهاد، وصبر وعزيمة تفل الحديد يتحرك النبي صلى الله عليه وسلم بدعوته، مستغلًا قدوم الحجيج إليه في مكة، وقد كان ثمرة هذا كبيرة، فلقد أسلم وفد من الأنصار وكانت بداية الانطلاقة الكبرى والفتح المبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته.

فبدأ صلى الله عليه وسلم بعرض نفسه على القبائل في السنة الرابعة للبعثة، واستمر في عرض الدعوة على القبائل في مواسم الحج مستفيدًا من تجمعهم، حيث تأتي القبائل إلى مكة للحج وتحصيل المنافع من تجارة وغيرها، وفي كل موسم يجدد الدعوة لهم، فكان يأتيهم قبيلة قبيلة يعرض عليهم الإسلام، ويقول: «يا بني فلان، إني رسول الله إليكم، يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا بي، وتصدقوا بي، وتمنعوني، حتى أبين عن الله ما بعثني به» (3).

وكانت قريش تستقبل القبائل والقادمين بسب رسول الله وتوهين أمره حتى لا يقبلوا دعوته للإسلام، وكان عمه أبو لهب يتبعه ويلاحقه ويرد عليه ويصرف الناس عنه.

ومن تلك القبائل التي دعاها النبي صلى الله عليه وسلم: بنو عامر بن صعصعة، ومحارب بن خصفة، وفزارة، وغسان، ومرة، وحنيفة، وسليم، وعبس، وبنو نصر، وكندة، وكلب، والحارث بن كعب، وعذرة.

وكان صلى الله عليه وسلم حكيمًا يخرج إلى القبائل في ظلام الليل، بعيدًا عن عيون مشركي مكة المعادين للدعوة، رائعًا في عرضه للدعوة، حيث يمهد لذلك كما فعل مع بني كلب فبدأ بقوله: «يا بني عبد الله، إن الله قد أحسن اسم أبيكم» (4).

ومع أنه صلى الله عليه وسلم كان يجد الصدود والإعراض، إلا أنه يصبر ويحتسب الأجر والثواب عند الله، ويحمل لذلك همًا عظيمًا وقلبًا رحيمًا يظهر من خلال ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال: «لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال فناداني ملك الجبال، وسلم علي، ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا» (5).

وفي موسم حج عام أحد عشر للبعثة التقى الرسول صلى الله عليه وسلم بنفر من شباب يثرب من قبيلة الخزرج، وكانوا من العقلاء فاستجابوا لدعوته ودخلوا في الإسلام، وحملوه معهم إلى المدينة.

واستجاب له بعض الأفراد ممن دعاهم أمثال: طفيل بن عمرو الدوسي، وضماد الأزدي من أهل اليمن، ممن رجعوا بالدعوة إلى أقوامهم.

 وهكذا يجد الإسلام دين الحق طريقه إلى القلوب السليمة، ويبقى أصحاب القلوب المظلمة على ضلالهم وكفرهم وعنادهم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (6).

وفي حجة الوداع، وفي أكبر جمع وأعظم ظرفي زمان ومكان، يقول صلى الله عليه وسلم: «نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، ربّ حامل فقه لمن هو أفقه منه» (7).

وفي حجة الوداع نصح أمته غاية النصح، وبلغها البلاغ المبين، وقد استمر علماء الإسلام ودعاته الصادقون على مر العصور في استثمار هذا الموسـم العظيم، مستفيدين منه ما وسعهم في إيقاظ القلوب، وإنارة البصائر، وعرض الإسلام النقي، والتحذير من مخاطر الشرك وشوائب البدع والمنكرات.

وهكذا كانت رسالته صلى الله عليه وسلم لم يترك الدعوة من بداية البعثة حتى لقي ربه تبارك وتعالى، دعا إلى ربه تعالى بالليل والنهار، دعا إلى ربه في شبابه وشيخوخته، دعا إلى ربه في صحته وسقمه، دعا إلى ربه سرًا وجهرًا، دعا إلى ربه في مكة وغيرها، دعا إلى ربه حتى دعاه ربه إلى لقائه.

فلم يعد لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عذر في ترك الدعوة إلى الله أو التكاسل فيها، أو التخاذل عنها.

ينشط البعض في رمضان لأن الطاقات جاهزة والأوضاع مساعدة، والأجواء تفوح بعبير الإيمان، والتربة صالحة لاستقبال الدعاة وقبول دعوتهم، ولكن ماذا بعد رمضان؟ لماذا يتوقف البعض ويكسل ويفتر عن العمل لدين الله.

صحيح أن لكل عمل إقبال وادبار، ولكل عامل شرة، ولكل شرة فترة، نحن بشر تتقلب بنا الأحداث من حين لآخر، وتتنازعنا الهموم والغموم، ولكن مع ذلك لا ينبغي أن تطغى هذه الأشياء علينا، أو أن تعطلنا عن المسير في طريقنا، مهما بلغت الأحداث ومهما طغت الأمور.

فإذا كان عمل الخير مضاعفًا وقويًا في شهر رمضان؛ فيجب إدراك أن الدعوة إلى الله تعالى ينبغي أن تتحول إلى منهج حياة تصاحب الداعية في كل صولاته وجولاته، وفي كل حركاته وسكناته؛ فكما أنه لا يجوز له أن يتخلى عن أي فريضة، فكذلك لا يجوز له أن ينفك عن الدعوة في أي وقت وفي أي مكان.

وربما يكون هناك بعض العوامل التي تساعد على تنامي النشاط الدعوي خلال شهر رمضان مثل:

– استعداد الناس وتهيؤهم لهذه الفرصة العظيمة، وأقصد بالاستعداد هنا الاستعداد النفسي والإيماني؛ فالنفوس في رمضان تكون أكثر تقبلًا للنصيحة، وأكثر إقبالًا على الطاعة من غيره من الأيام، ثم نجد الناس يقلصون ساعات عملهم وربما يؤجلون أشياء كثيرة ويفرغون رمضان للطاعة فقط؛ وهو ما لا يمكن القيام به في غير رمضان.

– تصفيد الشياطين في رمضان، وعدم نشاطها كما في الأيام العادية له دوره أيضا في هذه الظاهرة.

– الطاعة الجماعية والتنافس بين الناس في الخير يحمس بعض المقصرين في الأيام العادية ويأخذ بأيديهم للطاعة.

– الاستعداد الدعوي المنظم من قبل بعض الجماعات والمنظمات، وإدارة المساجد بالقراء ذوي الصوت الحسن، والخطباء المميزين، وغير ذلك من المحفزات على الطاعة والتكاثر على المساجد.

– لا نريد أن نقصر الطاعة على الذهاب للمسجد فقط؛ فمفهوم الطاعة والعبادة أشمل بكثير من الذهاب للمسجد والتزاحم على الصلاة، مع اقتناعنا بأهمية ذلك.

وهذه بعض النصائح العامة التي نراها لعلاج هذه الظاهرة:

1- حرص الدعاة على الاستمرار والتواجد بين الناس بعد رمضان كما كانوا في رمضان.

2- الارتباط “بالرمضانيين”، أي الذين يأتون للمسجد خلال شهر رمضان فقط، والاهتمام بهم بصورة فردية ومباشرة، والأخذ بأيديهم للطاعة بعد رمضان.

3- التأكيد على أهمية الثبات على الطاعة والاستمرار عليها.

4- ربط الناس بروح الطاعة والعبادة، وليس بوقتها؛ فرب رمضان هو رب غيره من الشهور.

5- عمل برامج ولقاءات مسجدية منظمة بنفس الروح والاهتمام الذي يوجد خلال شهر رمضان.

6- تنمية روح شمولية العبادة لدى الناس، وأن يكون لهم نية صالحة في كل عمل يقومون به، حتى ولو كان عملًا دنيويًا حتى يكون لهم فيه أجر، فالإنسان وجد لاستخلاف الأرض وعمارتها، وليس للعبادة فقط.

7- توعية الناس من مصائد الشيطان ومكائده، خاصة بعد أيام الطاعة والعبادة، ومحاولته إفسادها على الناس.

8- تنظيم قوافل دعوية منظمة لبعض الأماكن التي يقل فيها عدد الدعاة لتوعية الناس ودعوته للاستمرار على طاعة.

9- عمل بعض البرامج وأوراد المحاسبة وتوزيعها على الناس في المسجد والعمل، يراعى فيها المحافظة على بعض النوافل بعد رمضان؛ مثل: الاستمرار على تلاوة القرآن وصلاة القيام وصيام التطوع والصدقة، مع مراعاة أن ذلك يكون بنسبة أقل مما كان يحدث في رمضان.

10- الاستفادة من الأفراد المحافظين على الصلاة وتفعيلهم في دعوة المقصرين، والأخذ بأيديهم للطاعة (8).

قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]، فالدعوة إلى الله أحسن كلمة تقال في الأرض، وتصعد في مقدمة الكلم الطيب إلى السماء مع العمل الصالح الذي يصدق الكلمة، ومن الاستسلام لله الذي تتوارى معه الذات، فتصبح الدعوة خالصةً لله، ليس للداعية فيها شأن إلا التبليغ، إن النهوض بواجب الدعوة أمر شاق ولكنه شأن عظيم.

وهذا الحسن البصري يرصد نفسه لبعث همم الناس وشرح معنى الإصلاح، فيتلو على أهل البصرة هذه الآية العظيمة ثم يقول: هو المؤمن أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحًا في إجابته، فهذا حبيب الله، هذا ولي الله (9).

إن المتابع للأعمال الدعوية القائمة الآن يلاحظ ضعف وانعدام التخطيط في العمل الدعوي؛ مما أسهم في إضاعة الكثير من جهود الدعاة وأضعف ثمار أعمالهم الدعوية وجعل كثيرًا من البرامج تنفذ لمجرد التنفيذ فقط، ولتكون أرقامًا تضاف إلى أعداد البرامج المنفذة.

لذا فإن أي عمل لكي يكتب له النجاح – بإذن الله تعالى – لا بد له من خطة ودراسة توضح أهدافه ومقاصده، لأن من أهم أسباب نجاح الأعمال التخطيط المسبق لها، والدعوة إلى الله من أهم وأشرف الأعمال، لذا لا بد من خطة تتحقق من خلالها الأهداف الدعوية، وتكون داعمًا للاستمرارية والدائمية.

إن مقام الدعوة إلى الله تعالى في الإسلام عظيم، بل هي أساس من أسس انتشارهِ، وركن من أركان قيامه، قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: ١٠٨]، فلولا الدعوة إلى الله لما قام دين، ولا انتشر إسلام، وبالدعوة إلى الله تعالى يُعبَد الله وحده، ويهتدي الناس، فيتعلمون أمور دينهم، من توحيد ربهم، وعبادته، وأحكامه من حلال وحرام، ويتعلمون حدود ما أنزل الله، وبالدعوة إلى الله تعالى تستقيم معاملات الناس، من بيع وشراء، وعقود، ونكاح، وتصلح أحوالهم الاجتماعية والأسرية، وبالدعوة إلى الله تعالى تتحسن أخلاق الناس، وتقل خلافاتهم، وتزول أحقادهم وضغائنهم، ويقل أذى بعضهم لبعض، وإذا ما قامت الدعوة على وجهها الصحيح، واستجاب الناس لها، تحقق للدعاة وللمدعوين سعادة الدنيا والآخرة، وإذا استجاب الناس للدعوة، وعملوا بالشريعة، حُفظت الأموال، وعصمت الدماء، وصينت الأعراض، فأمن الناس على أنفسهم، واطمأنوا على أموالهم وأعراضهم، وانتشر الخير، وانقطع الفساد، وكل ذلك لا يتم إلا بالدعوة إلى الله عز وجل، لذلك كان للدعوة في الإسلام، الحُظوة الكبرى، والقِدْح المعلاّ، والفضل العظيم، وكانت وظيفة الأنبياء الأولى، فالدعوة إلى الله، شرف عظيم، ومقام رفيع، وإمامة للناس، وهداية للخلق، فضلًا عما ينتظر الداعين في الآخرة من أجر عظيم، ومقام كريم (10).

***

____________

(1) انظر: سيرة ابن هشام (1/ 422).

(2) أخرجه أحمد (14456).

(3) سيرة ابن هشام (1/ 423).

(4) دلائل النبوة للبيهقي (2/ 418).

(5) أخرجه البخاري (3231)، ومسلم (1795).

(6) عرض الدعوة الإسلامية على القبائل/ موقع مقالات إسلام ويب.

(7) أخرجه الترمذي (2658).

(8) حصاد الدعوة بعد رمضان/ مجلة المجتمع.

(9) مفتاح دار السعادة (1/ 153).

(10) أهمية الدعوة إلى الله تعالى/ موقع الألوكة.