بقلم/ عزة مختار
لقد تداخلت على الناس عقائد ومفاهيم كنت أحسبها من الثوابت، وكنت أحسب أن المفاهيم المغلوطة تتعلق فقط ببعض العبادات والسنن الناتجة عن الغفلة والهجوم الإعلامي الفاسد ومحاولاته المستميتة في تشويه ثوابت المسلمين.
ولذلك يجب أولًا أن نُعَلِّم الناس من أين يستقون علوم عقائدهم، ومن أين يستمدون الثوابت والتي هي عقيدة السلف، وللسلف منهج في تلقي عقيدتهم ومصادر متفق عليها والواجب علينا أن نتبعها لتلقي عقيدتنا كي تصح ويصح العمل بمقتضاها!
أولًا/ كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم
إن المصدر الأساسي لهذه العقيدة هو كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- رتب الله عليهما الإيمان في مثل قول الله تبارك وتعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]، وتحكيم الرسول -صلى الله عليه وسلم- إنما هو تحكيم لما جاء به من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال الله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران:7] لا يتبعون المتشابه، ولا يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، كما قال ربنا تبارك وتعالى عن المنافقين: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ} [البقرة:85]:
الكتاب والسنة هما مصدر العقيدة، فكتاب الله {لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصّلت:42] وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- هي التطبيق العملي لذلك الكتاب، ومن ثم فإننا نأخذ عقيدتنا من الكتاب والسنة، فإن أعظم مصدر للعقيدة هو الكتاب، ولو تأملنا كتاب الله تعالى لوجدنا فيه القضايا العقدية المتعددة، سواء ما يتعلق بتوحيد الربوبية، أو الألوهية، أو الأسماء والصفات، أو الإيمان بالقضاء والقدر أو الإيمان باليوم الآخر، أو بالرسل وعلى رأسهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، ففي هذا القرآن ما يشفي الصدور، ويعمر القلوب، ويغذي النفوس بعقيدة صالحة، ثم بعد ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولقد هيأ الله لهذه الأمة من يمحص سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ويميز صحيحها من ضعيفها؛ فجاءتنا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا/ الاعتماد على فهم الصحابة
اعتصامنا بالكتاب والسنة لا يكفي بمجرده، بل لا بد من أمر آخر، ألا وهو الاعتماد على فهم الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم-؛ لأنهم هم الذين شاهدوا التنزيل، وهم الذين بلغوا الوحي، والقرآن الكريم إنما وصلنا عن طريق الصحابة، وكذلك سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصلتنا عن طريق الصحابة، فهم أعلم منا بالكتاب والسنة، فإذا اختلفنا في فهم نص من نصوص الكتاب والسنة؛ فإن الواجب علينا أن ننظر إلى فهم أولئك الصحب الكرام -رضي الله عنهم أجمعين-؛ ولهذا كان الصحابة -رضي الله عنهم- قد اختصوا بصفات عظيمة منها: شدة حرصهم على الحديث النبوي واهتمامهم في تفسيره، فهذا أحدهم يقول وهو يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لقد سمعته أذناي، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم”، وهذا أبو هريرة -الصحابي المكثر رضي الله عنه- قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- لما سأله: “من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟” فقال له: “لقد ظننت يا أبا هريرة! ألا يسألني عن هذا أحد قبلك؛ لما رأيت من حرصك على الحديث، ثم قال: أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه”.
كذلك أيضًا: كان الصحابة أهل علم وفقه، كانوا يسألون رسول الله، وكانت عائشة لا تستشكل شيئًا إلا سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنه وراجعته فيه، وأنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: “كنا نكون عند النبي صلى الله عليه وسلم فنسمع منه الحديث، فإذا قمنا تذكرناه فيما بيننا حتى نحفظه”. إذًا: كانوا حريصين على سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحفظها وتبليغها، أما تبليغ القرآن فقد تكفل الله بحفظه، وقد كانوا حفظة له مبلغين، ثم حفظ الله هذا القرآن بجمعه وكتابته في عهد أبي بكر، ثم في عهد عثمان -رضي الله عنهم- ثم إن هؤلاء الصحابة دعا لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما دعا لأبي هريرة وكما دعا لابن عباس. ثم إن هؤلاء الصحابة كانوا يحتاطون كثيرًا في تحديثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وللغزالي -رحمه الله- كلام في هذا النهج، فيقول إن هناك أصولًا يجب أن نسلم بها وهي:
الأول/ أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو أعلم الخلق بصلاح أحوال العباد في معاشهم وفي معادهم.الثاني/ أنه صلى الله عليه وسلم بلغ كل ما أوحي إليه من صلاح العباد في معاشهم ومعادهم ولم يكتم من ذلك شيئًا وأنه كان أحرص الخلق على صلاح الخلق وإرشادهم إلى صلاح المعاش والمعاد.
الثالث: إن أعرف الناس بمعاني كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحراهم بالوقوف على كلمته وإدراك أسراره الذين لازموه وعاينوا التنزيل وعرفوا التأويل وهم أصحابه.
الرابع/ -وهذا كله من كلام الغزالي- أن الصحابة طَوَال عصرهم إلى آخر أعمارهم ما دعوا الخلق إلى التأويل، ولو كان من الدين لأقبلوا عليه ليلًا ونهارًا ودعوا أولادهم وأهليهم إليه.
ثم يقول الغزالي: “فنعلم بالقطع من هذه الأصول أن الحق ما قالوه، والصواب ما رأوه”
ثالثًا/ الإجماع
المصدر الثالث بعد الكتاب والسنة على ضوء فهم السلف الصالح: الإجماع، أي: ما أجمع عليه المسلمون وما أجمع عليه السلف الصالح خاصة، وهو نوع من إرجاع التشريع لعلماء الأمة ومجتهديها، وليس في يد الحاكم أو أهل الثقة، وهذا بالطبع لا يكون إلا في حالة تحرر عقول هؤلاء العلماء والمجتهدين وخروجهم من ربقة الحكام المستبدين، فلطالما كان الفقه الإسلامي متحررا من دائرة الحكام قبل سقوط الخلافة الإسلامية.
وقد أجمع المسلمون على مسائل كثيرة وهي مسائل واضحة ومحددة وقد ذكرها العلماء –رحمهم الله تعالى – فما أجمع عليه العلماء فلا يجوز لأحد خلافه مهما كان؛ لأن إجماع هؤلاء العلماء إنما هو إجماع مبني على الكتاب والسنة، أي إجماع مبني على دليل فلا يجوز لأحد أن يخالفه بعد حدوث ذلك الإجماع وهذا شامل لأصول الدين وفروعه.
رابعًا/ العقل والفطرة
وليس مقصودًا بالعقل غريزة الإنسان المتقلبة، وإنما النظر في آيات الله بقلب واع وتقديم النقل على العقل إذا تعارضا ولا يمكن أن يتعارضا والله -سبحانه وتعالى- ضرب لنا الأمثال وأمرنا بالاعتبار بالأمم من قبلنا؛ لأن أولئك الأمم قد جرى لهم ما جرى لما خالفوا أمر الله وأمر رسولهم صلى الله عليه وسلم، ونحن أيضًا إذا فعلنا مثل فعلهم وخالفنا أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فسيجري علينا مثل ما جرى لهم.
كذلك أيضا بين الله سبحانه وتعالى أدلة البعث بعد الموت بأدلة عقلية وأمثلة مضروبة توضح للإنسان تمام التوضيح أن الله سبحانه وتعالى قادر على البعث وأنه يبعث من في القبور وأن الناس لابد أن تكون لهم رجعة يقفون فيها بين يدي ربهم تبارك وتعالى {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:78/ 79] ومثله أدلة الربوبية والألوهية وصحة النبوة وغيرها.
وكل العباد مفطورون على الإيمان الصحيح كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه” ومعنى الفطرة هنا هي: “فطرة الإسلام” فلو تُرك الصغير وفطرته لكان من المؤمنين المسلمين، أما إذا وجد من يؤثر فيه فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أبويه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه كما هو معروف، وهذه قضية مهمة جدا لأن الله سبحانه وتعالى فطر عباده على فهم الأمور بأبسط الدلائل.
والأعرابي استدل على وجود الله سبحانه وتعالى بدلائل الفطرة لأن الفطرة تدل على أنه هذا الكون لا بد له من خالق فقال: “البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فأرض ذات فجاج وسماء ذات أبراج وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على الحكيم الخبير”.
الفطرة تدل على أن الإنسان يطلب ربه سبحان وتعالى في العلو فما احتاج الإنسان إلى ربه في أمر من أموره إلا ورفع بصره إلى السماء وتلك الفطرة هي التي فطر الله سبحانه وتعالى عباده عليها، بل إن الفطرة تدل على توحيد الألوهية، لأن الإنسان إذا آمن بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق وحده، وهو الرازق وحده، وهو الذي يحيي وهو الذي يميت، وإليه يرجع الأمر كله وبيده الأمر كله سبحانه وتعالى، إذا اعتقد ذلك فلا بد أن ينتهي به الأمر أن هذا الإله الخالق الرازق المحيي المميت هو الذي يجب أن يعبد وحده لا شريك له فلا تخضع القلوب إلا له محبة وإنابة وذلا وخوفا وخشية وتوكلا وغير ذلك من أنواع العبادة، ولا تهفو القلوب بهذه العبادات إلا لله وحده لا شريك له، فكيف يعبد أو يخاف أو يحب محبة عبادة، أو يتوكل على مخلوق لا يملك هو لنفسه نفعًا ولا ضرًا.
تلك هي مجمل المصادر التي يجب على المسلمين أن يتلقوا منها عقيدتهم.