“إسرائيل” والانتخابات الفلسطينية.. لسانٌ يكذب ويدٌ تعبث!

آخر ما ترجوه “إسرائيل” هو نجاح الفلسطينيين في إعادة الحياة السياسية لمسارها الصحيح بتجديد الشرعيات، وتجاوز الانقسام، ونجاح انتخابات تشريعية مرتقبة.

لا تكتفي “إسرائيل” عادةً بوضع العصي في الدواليب؛ بل تمارس أشكالاً مسبقة ومتزامنة في أي انتخابات فلسطينية تعتقل وتطارد فيها المرشحين، وتعطّل العملية الانتخابية في القدس والضفة المحتلة.

تخوّف “إسرائيل” من إجراء الانتخابات الفلسطينية يعود لفقدانها واقع الانقسام الفلسطيني المفيد لها، وتعزيز دور فتح وحماس في الشارع الفلسطيني بميلاد قيادات جديدة، واستعادة دور السلطة الفلسطينية السياسي والدولي متجاوزة مرحلة أوسلو.

مراعاةً للمزاج الدولي والأوروبي مع إدارة “بايدن” الذي يدفع باتجاه تجديدات الشرعيات الفلسطينية تعلن “إسرائيل” إعلاميّاً فقط عدم تدخلها، لكنها واقعياً تفعّل أدوات عديدة للتدخل السلبي.

اهتمام إسرائيلي

المشهد السياسي الإسرائيلي العاجز عن تشكيل حكومة جديدة بعد أربعة انتخابات للكنيست خلال عامين ينعكس بالضرورة على مشهد سياسي فلسطيني قيد التشكيل.

يؤكد طلال عوكل -المحلل السياسي- أن “إسرائيل” التي تعيش أزمة حكم وأزمة ديمقراطية تخشى من نجاح الفلسطينيين في تعزيز عملهم الديمقراطي في انتخاباتهم القادمة.

أقل ما نصف به الموقف الإسرائيلي بالانتخابات الفلسطينية المرتقبة بأنه “غير مرتاح” لإعادة بناء الشراكة الفلسطينية وإنهاء الانقسام الذي شكل للاحتلال إستراتيجية مفيدة في النيل من صمود الفلسطيني.

ويضيف عوكل لـ”المركز الفلسطيني للإعلام”: “حكومة إسرائيل الحالية غير مستقرة وهي ماضية نحو تشكيل حكومة جديدة. عادةً حكومة إسرائيل تفشِل الانتخابات الفلسطينية وتضغط على مؤسسات السلطة والمرشحين الفلسطينيين”.

وكانت وسائل إعلام إسرائيلية تناقلت قبل أيام نبأ طلب رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلغاء الانتخابات التشريعية إذا شاركت فيها حماس، لكن عباس رفض طلب “الشاباك” حسب الإعلام الإسرائيلي.

وأطلت -الجمعة الماضية- صحيفة إسرائيلية بالحديث عن موقف “إسرائيل” من الانتخابات الفلسطينية، مدعيةً أن هناك قرارا إسرائيليا بعدم التدخل، متخوفة في الوقت ذاته من تقوية حماس في الضفة.

 قبول “إسرائيل” بعقد انتخابات فلسطينية لا يأتي إيماناً منها بميلاد شريك لها في الحوار السياسي؛ وإنما محاولة للتكيف مع الرأي العام الدولي، ومحاولة لتحييد الدور العربي داخل فلسطين المحتلة 48 الذي يشارك بفعالية في انتخابات “الكنيست”.

ويقرأ محمد مصلح -الخبير في الشؤون الإسرائيلية- موقف “إسرائيل” من الانتخابات الفلسطينية من ثلاث نوافذ؛ أولها السياسة المحلية، ثم الإقليمية، وثالثاً السياسة الدولية.

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام”: “إذا نجح نتنياهو في تشكيل حكومة جديدة فلذلك تداعيات، وإذا فشل هناك تداعيات مختلفة. السياسة الأمريكية في التعامل مع الملف الفلسطيني مرتبطة بحكومة إسرائيل المقبلة”.

تخاطب السلطة الفلسطينية المجتمع الدولي مؤكدةً أنها ملتزمة بما وقعت عليه سابقاً من اتفاقيات سياسية، وهناك حوار بين فتح وحماس والفصائل حول تقاسم ملفات وأدوار سياسية في الخطاب السياسي المقبل.

وتسعى إدارة “بايدن” -حسب رؤية المحلل مصلح- إلى تدويل مسار العمل السياسي مع “إسرائيل” والفلسطينيين في ملفات أهمها المحكمة الجنائية الدولية وإيران والتسوية لتغيير معالم السياسة الإسرائيلية عقب مرحلة “ترمب”.

صدام متوقع

أكثر ما يهم نتنياهو في نتائج انتخاباتهم الأربعة الماضية أن يبقى فوق سدة الرئاسة وينجو من المحاكمة بتهم الفساد والرشوة، لكن القاعدة تقول “الثابت الوحيد في السياسة هو المتغيّر”، وبقاؤه ليس أبدياً.

ويرى المحلل عوكل أن “نتنياهو” موقعه الآن ضعيف، ولا ينال رضا إدارة “بايدن” بعد أن ذهب بعيداً في العلاقة والعمل مع “ترمب”، وأنتج واقعا يخالف حل الدولتين مع الفلسطينيين الذي تدعمه إدارة “بايدن”.

بالمطلق كانت السياسة الإسرائيلية ضد ميلاد قائمة انتخابية مشتركة بين فتح وحماس؛ فكلتا الحركتين كانت ترى فيها رافعة، لكن “إسرائيل” لا تريد مخرجاً للفلسطينيين بعد نتائج انتخاباتهم التشريعية.

ويقول المحلل مصلح: “إذا بقي اليمين فوق رئاسة إسرائيل سيصطدم مع إدارة بايدن، كما حدث أيام أوباما وانعكس على العلاقة مع ترمب، سيجند اليمين اللوبي في أمريكا ضد بايدن إذا نجحت حماس بنسبة كبيرة”.

صعود قيادة جديدة في حكومة الاحتلال بعد انتخابات الكنيست الأخيرة إذا لم نتجه لانتخابات خامسة سيكون أمام مرحلة جديدة يخاطب فيها المجتمع الدولي في ملف الفلسطينيين؛ فإما أن يفتح قناة حوار أو يواصل نهج “نتنياهو”.

ميلاد أزمة

تجاوز الفلسطينيين ليوم الانتخابات لا يعني تسليم “إسرائيل” بنتائجهم الشرعية؛ فمثة خيارات عديدة منها إنتاج أزمة سياسية لمؤسسات السلطة تعطّل عملها الشرعي.

ويؤكد المحلل مصلح أن نتنياهو يريد من حماس اتخاذ خطوات متراجعة إذا تقدمت نتائجها في الضفة وإدخال السلطة الفلسطينية في أزمة بين أكبر فصيلين فلسطينيين.

تعثّر المشهد الفلسطيني بأزمات ومضايقات تعيق سير الحياة السياسية الفلسطينية قد يرمي من جهة “إسرائيل” لتجديد عمر الانقسام، وتبقى غزة على حالها والضفة في حال مختلف، وهذا سيناريو إسرائيلي آخر مرتقب.

ويتابع المحلل مصلح: “إسرائيل ساءت علاقتها مع السلطة، لكن تصعيد السلطة سياسي ولا يتبنى العنف، والاحتلال لا يخاطر بأوراق غير مضمونة في السياسة. تشكيل حكومة وحدة فلسطينية وقبول كل الفصائل بحل الدولتين قد يقطع ذريعة العالم لرفض حماس”.

مهمة مستمرة

وأياً كان السيناريو المقبل فثمة مهمة إسرائيلية مستمرة لا تتخلى عنها في التعامل مع قادة العمل الوطني والحزبي والمؤسسات الفلسطينية تتركز في تعطيل عملها.

ويستخدم الاحتلال أدوات متنوّعة في تعطيل عمل وتجديد المؤسسات الشرعية والقانونية الفلسطينية، على رأسها ملاحقة واعتقال المرشحين الفلسطينيين ومنعهم من ممارسة أعمالهم وتنقلهم في الضفة وغزة والقدس المحتلة.

ويقول مصطفى الصواف -المحلل السياسي- لمراسلنا: إن الاحتلال اعتقل قبل أيام 3 قيادات من حماس، ويواصل مهمة الاعتقال المتكرر أسبوعيًّا لشخصيات مرشحة لقيادة المجتمع الفلسطيني.

وشهدت نتائج انتخابات 2006م عمليات اعتقال جماعية ومتواصلة لعشرات النواب فازوا في المجلس التشريعي، وظلوا رهن الاعتقال سنوات طويلة بهدف تعطيل عملهم التشريعي.

وتحاول “إسرائيل” منع 370 ألف مقدسي من المشاركة في الانتخابات مخالفةً اتفاق أوسلو الذي أكد حقهم في التصويت من خلال مراكز البريد في المدينة المحتلة.

ويلفت المحلل الصواف إلى أن استمرار الاحتلال في تعطيل الانتخابات في القدس المحتلة ونصب العقبات أمام مرشحين فلسطينيين خاصّة من حماس يعيق تقدمهم لشرح برامجهم والفوز بالانتخابات.

الحل الاضطراري في كل السيناريوهات لإبطال مفعول التدخل الإسرائيلي هو مواصلة الفلسطينيين قدماً التقدم لإنهاء الانقسام، والاتفاق على برامج سياسية يتقاسمون فيها الأدوار في الشأن الداخلي والخارجي، ويجددون خطابهم السياسي الدولي.

اقرأ المزيد
https://palinfo.com/289359
جميع الحقوق محفوظة – المركز الفلسطيني للإعلام