هل يخاطر أردوغان بعلاقاته مع السعودية بضربة قاتلة لــ«ابن سلمان»؟

منذ بدء أزمة الإعلان عن اختفاء الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في مقر قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية، يوم الثلاثاء 02 أكتوبر الجاري، حرص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على التزام الصمت؛ أملًا في تدارك الجانب السعودي خطأه والاعتراف بالجريمة والبدء في تحقيقات جادة وشفافة؛ حرصًا منه على الحفاظ على علاقة طيبة مع المملكة العربية السعودية، التي تمثل إحدى القوى الإقليمية في المنطقة ذات النفوذ والتأثير الواسع.

وعندما أنكر الجانب السعودي الجريمة، مدعيًا أن خاشقجي غادر مقر القنصلية، خاب أمل أردوغان في نهج سعودي شفاف وحريص على تحقيق العدالة، فاعتمد على سياسة التسريبات المتتابعة والمفزعة في ذات الوقت من مصادر في حكومته وأجهزته الأمنية بصورة احترافية أبهرت العالم؛ والتي كشفت حجم الوحشية المفرطة التي تعامل بها القتلة السعوديون مع صحفي معارض، فكانت التسريبات مصحوبة بقرائن تدين كبار المسئولين في الحكومة السعودية، وعلى رأسهم ولي العهد محمد بن سلمان.

وحتى هذا الوقت، كان الرئيس التركي حريصًا على الضغط على الجانب السعودي من أجل التجاوب بشفافية مع الجريمة الوحشية، لكن أمله خاب مجددًا مع إعلان النائب العام السعودي، مساء السبت الماضي 20 أكتوبر، أن خاشقجي “توفي في شجار” داخل القنصلية، ورغم أن ذلك يمثل اعترافًا سعوديًّا بالجريمة، إلا أن النظام السعودي كان حريصًا أشد الحرص على النأي بولي العهد؛ تجنبًا لمساءلته ومحاكمته دوليًّا على هذه الجريمة الوحشية بالزعم أنه لم يكن يدري عن الجريمة شيئًا!.

لكن أردوغان اكتفى عند هذا الحد من الروايات السعودية المفبركة، التي اعتمدت على سلسلة من الأكاذيب، نهاية بتقديم 18 كبش فداءٍ، أملا في تجنب المتورط الأكبر محمد بن سلمان المحاكمة المأمولة، فأعلن الرئيس التركي، أمس الأحد 21 أكتوبر، أنَّه سيزيح الستار بالكامل في خلال 48 ساعة عمّا يصفه المتحدث باسمه الآن بالتستُّر السعودي. وقال في خطابٍ متلفز: «سنكشف تفاصيل ما حدث، سنُعرِّي كامل التفاصيل».

لكن بعد الفشل الواضح للرواية السعودية الأخيرة، بدأ أردوغان يرسل إشاراتٍ مختلفة جدا. إذ تطالب وسائل الإعلام الموالية للحكومة الآن باعتراف السعوديين بأنَّ شخصيات كبيرة في البلاط الملكي أَمَرَت بالاغتيال، وذلك في ظل حديث مسئولين أتراك- لم يكشفوا عن هُوياتهم عن- أنَّ بإمكانهم إظهار تسجيلات صوتية وأدلة أخرى على عملية القتل.

بل ويطالب بعضهم حتى بمحاسبة ولي العهد، وتجريده من سلطته أو عزله من منصبه كوريثٍ للعرش. وقام أردوغان أيضا بإشارة واضحة في هذا الاتجاه أمس الأحد. فقال: «والآن، ماذا يقول العالم عن من؟»، في إشارة واضحة إلى ولي العهد. وأضاف: «سننظر في كل ذلك». وتابع مُتحدِّثًا عن الأسئلة العالقة حول عملية القتل: «كل هذا لا بد أن يُوضَّح بكل التفاصيل». وتعهَّد بإجابة تلك الأسئلة في خطابٍ مُتلفز أمام البرلمان في غضون يومين. وقال: «يوم الثلاثاء، سأخبركم عن هذا بطريقة مختلفة جدا في خطابي أمام المجموعة البرلمانية، سأخوض في التفاصيل».

نحو الضربة القاتلة

وفي ظل الغضب الدولي إزاء مقتل خاشقجي، والذي يتركز بشكل متزايد على احتمالية تورط حاكم السعودية الفعلي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ترى صحيفة “The New York Times” الأمريكية أنَّ أردوغان يستشعر وجود فرصة لتوجيه ضربة قاتلة لولي العهد السعودي الذي يبدو مع تركيا “ودودًا في العلن عدوًا لدودًا في الخفاء”.

أسهم في توفير هذه الفرصة للرئيس التركي عدة عوامل: أولها وضعية خاشقجي باعتباره مقيمًا في الولايات المتحدة وكاتبا في صحيفة The Washington Post الأمريكية. وثانيا التعامل الأخرق من السعوديين مع الفضيحة. وثالثا تزايد الغضب العالمي من وحشية الجريمة، والضغط المتصاعد من أجل تحقيقات شفافة تفضي إلى كشف الحقيقة وفضح المتورطين الفعليين والآمرين بالجريمة.

وتعليقًا على هذه الفرصة السانحة، ترى الصحيفة الأمريكية أن الرئيس التركي قد يخاطر باستعداء دولة تُعتبر من أغنى الدول وأكثرها نفوذا في المنطقة. لكنَّه قد يكون خلُص إلى أنَّ فرصة توجيه ضربة في إطار صراع إقليمي أشمل أمرٌ جدير بالمخاطرة.

تفسير ذلك أن ولي العهد السعودي يمثل الركيزة الأساسية لتحالفٍ من دول الشرق الأوسط المعادية لأردوغان وحلفائه الإسلاميين الذين يؤمنون بالانتخابات، في إشارة إلى “تحالف الثورات المضادة”، الذي يضم السعودية والإمارات ومصر والبحرين وحفتر في شرق ليبيا، وبالطبع الكيان الصهيوني والرعاية الأمريكية لهذا التحالف، في ظل هيمنة اليمين المتطرف على البيت الأبيض برئاسة دونالد ترامب وبومبيو وكوشنر.

وقال مايكل ستيفنز، الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز أبحاث في لندن، إنَّ رد الفعل العنيف على مقتل خاشقجي «هو أكبر حدث في المنطقة منذ الربيع العربي». وأصر المسئولون السعوديون على أنَّ ولي العهد لم يكن على علم بما حدث لخاشقجي، ولم يحصل على إجابات عن القضية لأكثر من أسبوعين.

قتل خاشقجي.. يا لها من هدية سعيدة لأردوغان

ويعلق ستيفنز على تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، يوم الأحد، في مقابلة على قناة Fox News: «من الواضح أنَّ خطأ فادحًا وقع»، وأضاف في رسالة إلى عائلة خاشقجي: «نقدم تعازينا لهم. ونشعر بآلامهم». بالقول إنه إذا كان السعوديون يأملون أن يؤدي تفسيرهم الجديد إلى الحد من ثورة الغضب، فقد خاب ظنهم بالتأكيد.

ويستدل على ذلك بتراجع الرئيس ترامب عن دعمه للرواية السعودية، حيث قال في البداية إنَّ المزاعم السعودية تتسم بالمصداقية، مُتشكِّكًا على نحوٍ متزايد.

وقال ستيفن كوك، المتخصص في شئون تركيا والسعودية في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي: «كان من الأفضل لهم القول إنَّ الكولونيل ماستارد هو من فعلها في المكتبة باستخدام الشمعدان، مَن قد يرغب في تصديق هذه القصة؟»، وقال إنَّ أردوغان كان ليبدو سخيفا في نظر قاعدته الجماهيرية الداخلية التي تؤيده إن قَبِل بهذه القصة، خاصةً بعد التسريبات الكثيرة للصحف المؤيدة للحكومة حول عملية القتل. والآن يمكن لأردوغان أن يطالب بتحقيق العدالة في قضية خاشقجي. ويقول كوك: «يا لها من هدية سعيدة قدَّمها محمد بن سلمان لأردوغان».

فهل يوجه الرئيس التركي- في خطابه المرتقب غدا- “الضربة القاضية” لابن سلمان؟ بحسب محللين فإن ذلك ربما يفضي إلى إضعاف مؤثر لتحالف الثورات المضادة، وهم بالطبع كانوا متورطين في محاولة الانقلاب الفاشلة على أردوغان منتصف يوليو 2016م.

فهل يرد أردوغان صفعة محاولة الانقلاب الفاشلة بضربة قاضية لأحد ركائز هذا التحالف الاستبدادي؟