تربية

منهجية الإمام البنا في التربية

يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: { وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}، إذ أن كل فرد مسلم مسؤول مسؤولية كاملة وتامة عن نفسه أمام الله عز وجل، مسؤول عن حاله وعمله، وما أدى من واجبات تجاه نفسه وأمته.

وفى هذه الدراسة المطوّلة، التى أعدّها فريق «إخوان ويكي»، يرصدون كيف كان الإمام الشهيد، حسن البنا، على علم متين بمفهوم التربية الفردية في الإسلام، والوسائل المعينة للأخ على ذلك، ومن ثم أثر تلك التربية الفردية على مجد الأمة الإسلامية وعزتها وكرامتها.

لماذا اهتم البنا بتربية الأخ في جماعة الإخوان؟

  • أدرك رحمه الله تعالى أن التربية الفردية هي الحل الجذري لكل مشاكل الواقع المرير الذي يعيشه المسلمون.
  • وأن هذه التربية هي التي تبني الرجال الأقوياء الذين إن مرت بهم المحن والابتلاءات صمدوا وثبتوا ثبوت الجبال الراسخات.
  • وأن هذه التربية الفردية هي الغربال الذي ينقي صفوف الجماعة من ذوي النفوس الضعيفة والهمم الوضيعة، الذين لا يرقون لتحمل عظم المسؤولية في نشر الدعوة وتحمل أمانة هذا الدين.
  • من أجل كل هذه الأسباب؛ وضع الإمام البنا في أولى أولوياته أمر التربية الفردية للمنتمين لجماعته جماعة الإخوان المسلمين، أخًا كان أو أختًا أو حتى ناشئة.

كيف اهتم البنا بتربية الأخ في جماعته؟

لقد بدأ الإمام رحمة الله تعالى عليه بنفسه أولًا معطيًا بذلك القدوة لعشرات الآلاف من أفراد جماعته، ثم دعا إليها باقي إخوانه حين وضع ركنًا من أركان البيعة، سماه «ركن العمل»، والذي يبدأ بالفرد المسلم الذي يربي نفسه تربية فردية منهجية، لينتهي الحال بهذا الفرد إلى الخلافة الإسلامية، ومن ثم إلى أستاذية العالم.

ومراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق:

1 – إصلاح نفسه؛ حتى يكون: قوي الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، قادرًا على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهدًا لنفسه، حريصًا على وقته، منظمًا في شؤونه، نافعًا لغيره.

2- تكوين بيت مسلم، بأن يحمل أهله على احترام فكرته، والمحافظة على آداب الإسلام في مظاهر الحياة المنزلية، وحسن اختيار الزوجة، وتوقيفها على حقها وواجبها، وحسن تربية الأولاد والخدم، وتنشئتهم على مبادئ الإسلام.

3- إرشاد المجتمع، بنشر دعوة الخير فيه، ومحاربة الرذائل والمنكرات، وتشجيع الفضائل، والأمر بالمعروف، والمبادرة إلى فعل الخير، وكسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية، وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائمًا.

4 – تحرير الوطن بتخليصه من كل سلطان أجنبي، غير إسلامي: سياسي، أو اقتصادي، أو روحي.

5 – إصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق، وبذلك تؤدي مهمتها كخادم للأمة، وأجير عندها، وعامل على مصلحتها، والحكومة إسلامية ما كان أعضاؤها مسلمين مؤدين لفرائض الإسلام غير مجاهرين بعصيان، وكانت منفذة لأحكام الإسلام وتعاليمه.

ومن صفاتها: الشعور بالتبعية، والشفقة على الرعية، والعدالة بين الناس، والعفة عن المال العام، والاقتصاد فيه.

ومن واجباتها: صيانة الأمن، وإنفاذ القانون، ونشر التعليم، وإعداد القوة، وحفظ الصحة، ورعاية المنافع العامة، وتنمية الثروة، وحراسة المال، وتقوى الأخلاق، ونشر الدعوة.

ومن حقها- متى أدت واجبها-: الولاء والطاعة, والمساعدة بالنفس والأموال.

فإذا قصرت: فالنصح والإرشاد، ثم الخلع والإبعاد، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

6 – إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية, بتحرير أوطانها وإحياء مجدها وتقريب ثقافتها وجمع كلمتها، حتى يؤدي ذلك كله إلى إعادة الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة.

7 – ثم أستاذية العالم بنشر دعوة الإسلام في ربوعه.

اهتمامه بالتربية الفردية للأخ في إطار الجماعة (نظام الأسرة)

ومن عبقرية الإمام البنا في مجال التربية الفردية إيجاده المحضن الاجتماعي الذي يستوعب الأخ تربويًا؛ ليكمل ما ينقصه من تربويات وهو ما يسمى بنظام الأسرة.

يقول الدكتور على عبد الحليم محمود:

أولًا: التربية وفق نظام الأسرة هي التربية وحدها دون سواها، لما فى نظام الأسرة من حكمة ودقة وتربية على يد شيخ، أو معلم هو النقيب، وبرنامج نابع من الكتاب والسنة، خاضع لجدول زمني مدروس.

ثانيًا: التربية وفق نظام الأسرة لا تتعارض أبدًا مع عالمية الدعوة؛ لأن عالمية الدعوة إنما نبعت من عالمية الإسلام، وعالمية منهجه ونظامه، وليست العالمية من صنع الجماعة، حتى نقول إنها وصلت إليها بوسيلة الأسرة وإن عليها أن تغير هذه الوسيلة.

ثالثها: التربية وفق نظام الأسرة هدف متضمن فى وسيلة؛ لأن إعداد الفرد إعدادًا إسلاميًا متكاملًا، وإنضاج روحه وفكره وعقيدته وسلوكه- عمل له من الاستمرارية ما يجعله هدفًا أبديًا، وإن كانت الأسرة تمثل وسيلة له إلا أن ارتباطهما جعل نظام الأسر ذا استمرارية محتومة.

رابعًا: طالما أن التربية عن طريق نظام الأسر هى التى تمكن إعداد الفرد إعدادًا إسلاميًا متكاملًا، فهي مستمرة حتى وإن قامت حكومة إسلامية كاملة؛ لأن التربية عن طريق الأسرة تمد الحكومة بحاجاتها من العناصر البشرية التي أعدت إعدادًا جيدًا، وستظل أي حكومة فى حاجة مستمرة إلى العناصر الصالحة.

خامسًا: على فرض قيام حكومة إسلامية كاملة تسيطر على التعليم، وعلى وسائل الإعلام، فإنها عن طريق التعليم والإعلام لن تستطيع أن تربي الأفراد؛ تلك التربية المتكاملة التى تغرس فى النفوس الفضائل والجدية والإحساس بالتبعة؛ لظروف كثيرة تتصل بعملية التعليم وبوسائل الإعلام ومدى فاعليتها، فالأسرة ومنهجها ونظامها ضرورة لتربية الأفراد وإعدادهم الإعداد الإسلامي المطلوب.

هدف الأسرة الأول هو: العمل على تكوين الشخصية الإسلامية المتكاملة عند الفرد وتربيتها وتنميتها وفق آداب الإسلام وقيمه.

وأهم جوانب تلك الشخصية، الجانب العقدي والجانب التعبدي، والجانب الخلقي والجانب الثقافي.

ولذلك، فإن لهذه التربية خصائصها، التي من أهمها:

1- أنها ربانية.

2- ثابتة الأسس.

3- موافقة للفطرة.

4- شاملة لكل جوانب الحياة باعتدال.

5- موحدة للطاقات البشرية.

6- متفائلة، إيجابية، فعالة، تقوم على الأساس العقائدي والتعبدي والتشريعي.

كل ذلك لتحقق ثمرتها وهي: تحقيق الكرامة الإنسانية؛ لتقيم الحضارة الإسلامية.

أهمية الأسرة كمحضن تربوي

1- التعارف:

هو أول هذه الأركان؛ فتعارفوا وتحابوا بروح الله، واستشعروا معنى الأخوة الصحيحة الكاملة فيما بينكم، واجتهدوا ألا يعكر صفو علاقتكم شيء: {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10].

2- التفاهم:

هو الركن الثاني من أركان هذا النظام التربوي وفيه تتم محاسبة النفس، ثم ينصح الأخ أخاه متى رأى فيه عيبًا، وليقبل الأخ نصح أخيه بسرور وفرح، ولا يخبر أحدًا بالعيب إلا أخاه مسئول الأسرة، إذا عجز عن الإصلاح، ثم لا يزال بعد ذلك على حبه لأخيه، وتقديره له ومودته له، وليحذر المنصوح من العناد والتصلب، وتغيير القلب على أخيه الناصح.

3- التكافل:

هو الركن الثالث، فتكافلوا وليحمل بعضكم بعضًا، وذلك صريح الإيمان، ولب الأخوة، وليتعهد بعضكم بعضًا بالسؤال والبر، وليبادر إلى مساعدته ما وجد إلى ذلك سبيلًا، وتصوروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن يمشي أحدكم في حاجة أخيه، خير له من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرًا».

اهتمام البنا بالتربية الفردية للمرأة والنشء

لم تكن جهود الإمام البنا في لجنة التربية قائمة على الرجال، فقط ولكن أيضًا شمل باهتمامه الأخت المسلمة، وكذلك الناشئة. ومن ذلك ما ذكره في رسالة المرأة المسلمة، حيث قال:

1- إرشادهن إلى طرق التربية الإسلامية الصحيحة النافعة التي تضمن لأبنائهن النمو الجسمي والعقلي، وتجنبهم الإسراف الصحي، والنقص العقلي.

2- التعريف بالفضائل والآداب، المزكية للنفس والموجهة للخير، والكمال، وتعريفها بما لها من حقوق وما عليها من واجبات.

3- العمل على صبغ البيت بالصبغة الإسلامية، ببث تعاليم القرآن الكريم، والسنة المطهرة وسيرة أمهات المؤمنين وفضليات النساء ممن حفل بهن التاريخ الإسلامي المجيد.

4- محاربة البدع والخرافات والأباطيل والترهات والأفكار الخاطئة والعادات السيئة التي تنتشر وتروج بينهن.

5- نشر الثقافة والمعارف التي تنير عقولهم وتوسع مداركهن.

6- الاهتمام بالشئون المنزلية لتجعل من البيت مكانًا سعيدًا يضم أسرة هانئة على أساس فاضل سليم.

7- المساهمة في المشروعات الإنتاجية النافعة بالقدر الذي يتناسب مع ظروفهن وجهودهن في محيطهن.