مسرح الرعب ………. قصة قصيرة

مسرح الرعب ………. قصة قصيرة

أراد السيد العظيم بتلك الأرض العامرة أن يقيم حديقة غناء تكون آية فيها , جلب عماله فأبدعوا وأتوا فيها بكل فن عجيب ثم كتبوا عليها حديقة الفضيلة لا يدخلها إلا الشرفاء. احتشدوا على بوابتها . نظر إليهم من مجلسه المهيب بشرفته المطلة عليها. كلهم متشابهون . بهيو الطلعة ، وضاء الوجوه , أذكياء الرائحة ، أُنَـقاء الملبس . حقا متشابهون.
أسرع إليهم رسول منه . السيد يأمركم أن تذهبوا للمسرح فى الطرف النائي. هناك ستجدون عامله ليفهمكم ماعليكم أن تفعلوه . العامل على بوابة المسرح كان عبدا أسودا غليظا لا يبشر بخير. خاف بعضهم فرجع. كان عليهم على ما أخبرهم أن يتخيروا دورا ليلعبوه على المسرح . “لكن احذروا المسرح و أشخاصه وهمية لكن أفعاله حقيقية” .لن يوجد تمثيل .انطلقوا إلى غرفة الملابس . على كل ثوب ورقة كتب عليها الدور الذي يؤديه من يرتديه. بعضهم ارتدى الملابس المبهرجة ذات الأوسمة والأنواط أو فساتين السهرات المرصعة بالدرر و الماسات دون أن يقرأ الدور وبعضهم قرأ على عجل .كثيرٌ ممن تردد وأطال القراءة نزع المتعجلون من أمامهم الأثواب الفاخرة . الأدوات كالأثواب حقيقية . ثمَ سيوف وسياط وكؤوس خمر و عوازل لمنع الحمل و تماثيل لآلهة اغريقية. البعض يخشى العواقب ويأبى أن يوقع على ورقة الدور متخليا عن حلم الحديقة.

هو اختار أن يكون السلطان المتجبروهى أحبت أن ترتدي ثوب الراقصة الفاتنة . هو اختار أن يكون ضابطا أنيقا في يده السوط وهى اختارت ألا تمارس البغاء جهرا بل وراء الكواليس ليحكى الراوي عنها .أما الأخرى فلم تبالِ بالعلن فقد كان ثوبها هو الأثمن وحليها الأغلى ودورها هو الأطول ووجهها كان الأجمل . ستكون بطلة المسرحية بلا منازع ولن تبالي بأدوار الحب مع أعظم شخصيات المسرحية . الجمهور لا يبالي فالمسرح و الأشخاص وهميون وإن بدت الأفعال حقيقية .
أما تلك المتوارية فأشفقت على نفسها من معظم الأدوار النسائية ، حتى دور الزوجة السليطة لم يرق لها .اختارت أن تكون شجرة فى جانب المسرح يستظل بها الممثلون عندما تتوهج الإضاءة العنيفة فوقهم فارتدت حلتها ورسمت هيئتها.
رفض أن يكون الجلاد فاختار دور السكير . يبكى بفزع عندما يتجرع طعم الخمر لكن لاعودة عن الدور . كان يراهم يستظلون بالشجرة بينما تتلظى رأسها . فيصعد أعلاها ويظلها بكلتا يديه.
آخرٌ فاته وقت الانسحاب فاختار دور عامل النظافة . الضابط يركله في جيئته و ذهابه . البغى تصفعه وتدفعه من طريقها . الجميع يهينه . السكير يقبل رأسه والشجرة تظلله.

سوط الجلاد و الضابط أدمى الممثلين وصرخاتهم كانت حقيقية . رجل الدين مايزال يخرج ليعظ الجميع ناظرا نحو السماء فلا يرى الدم على خشبة المسرح ولا ينسى أن يدعو للسلطان . السلطان يشير نحو أحدهم فيندفع الضابط نحوه بسوطه و قيوده الحديدية و يدفعه نحو الجلاد.
كان الجميع مستغرقون في أدوارهم عندما دق جرس النهاية و أسدلت الستارة.
رفعت الستارة وبدلا من أن يهب الممثلون لتحية الجمهور الصامت دخل عليهم عامل المسرح كمارد أسود مهيب فيه قوة عشرة من الثيران . صرخ فيهم أن اثبتوا فشُلت أطرافهم. دلى كلاليب من الحديد وحبال شائكة وصلبان ملتهبة وصناديق صنعت من قضبان حديدية . على كلابين تعلقت بطلة المسرحية من ثدييها العاريين الداميين . السلطان تدلى بطوق من الحديد الساخن في رقبته وهى تدخن كأنه يشويها . الضابط و الجلاد صلبهما بمسامير حديدية وأوكل من يسوطهما فيمزق لحومهما . رجل الدين يحاول الهروب خلسة من خشبة المسرح فيدركه الحارس و يلقيه في قفص حديدي ضيق يغلق بابه على أصابعه فيرتج المسرح بصرخاته . الحارس يقول له لن تخرج حتى تكون بومة تأكل و تغوط من فمها.
الجميع يصرخ طالبا النجاة “ماأردنا إلا حديقة الفضيلة” . الحارس يدعو عامل النظافة ويفتح بين يديه صكا ضخما يمتلك به الحديقة الموعودة . خذ معك المرأة الشجرة .قالها الحارس ثم ينظر للسكير قائلا:اتبعهما . يعلو صوت الآخرون اعتراضا . “السكير فى حديقة الفضيلة “. يشعل الحارس النار فى ستائر المسرح فيزيد لهبها و الدخان من كربهم العظيم . يعلو صراخهم.”أطلقنا كالسكير” .
يزلزل قلوبهم صوت الحارس الأسود كمارد فيقمعهم ” لستم سواء, كان عارفا وكنتم جهلاء”
يقف جمهور المسرح إجلالا للمشهد فقد شكلت النار إطارا عظيما حول مشهد المأساة الختامي الذي تحول لصرخة بغير صوت.