مركز أبحاث أمريكي: انقلاب عدن تخطيط إماراتي لصالح إيران.. والرياض ستقبل بالتسوية

يبدو الاقتتال داخل التحالف العربي في اليمن أشبه ما يكون بحرب أهلية داخل الحرب الأهلية، ولا تعد الاختلافات بين زعيم التحالف (المملكة العربية السعودية)، وبين شريكها الأصغر (الإمارات العربية المتحدة)، في اليمن، جديدة على كل حال.

وفي بعض النواحي تبدو أحداث نهاية الأسبوع الماضي وكأنها الأحدث في الصراع بينهما؛ حيث شهدت مدينة عدن اشتباكات بين كيانين مدعومين من دولة الإمارات؛ هما المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات الحزام الأمني وبين القوات الحكومية اليمنية التي تدعمها السعودية والخاضعة اسميًّا لقيادة الرئيس “عبد ربه منصور هادي”.

وأسفرت الاشتباكات عن استيلاء القوات المدعومة من الإمارات على القصر الرئاسي والعديد من القواعد العسكرية.

مركز أبحاث “جيوبوليتيكال فيوتشرز” الأمريكي كتب عن الصراع اليمني السعودي في اليمن ومستقبل الحرب التي يشنها ما يعرف بالتحالف العربي ضد الحوثيين، وقال المركز: ما يبقى مختلفا في هذه الجولة من الصراع هو السياق الذي جاءت فيه. وفي مايو الماضي، توسطت الأمم المتحدة في وقف لإطلاق النار تطلب من المتمردين الحوثيين الانسحاب من مدينة الحديدة الساحلية الرئيسية، على الرغم من أن الغارات الجوية التي شنها التحالف العربي على أهداف الحوثيين هناك في يونيو أثارت الشكوك حول تأكيدات الأمم المتحدة أن الانسحاب وقع بالفعل وقبل 4 أيام من هذه الضربات، زعم مسؤول يمني أن الإمارات كانت تخطط لانقلاب عسكري ضد “هادي”. وكانت هذه الادعاءات ذات مصداقية بالنظر إلى تهديد المجلس الانتقالي الجنوبي بالإطاحة بـ”هادي” في أكتوبر الماضي، والآن تم التحقق من صحتها تماما بعد الاستيلاء على القصر الرئاسي في عدن مطلع الأسبوع الماضي.

انسحاب استراتيجي

ومنذ يونيو الماضي، بدأت القوات العسكرية التابعة للإمارات في الانسحاب من اليمن ببطء. وقامت القوات الإماراتية بتنفيذ ما وصفته بأنه “انسحاب استراتيجي” من مدينة الحديدة كجزء من عملية السلام التي قادتها الأمم المتحدة، كما قامت بالتراجع تكتيكيا في مدن أخرى بما في ذلك عدن.

وبحلول 2 يوليو أكدت المصادر انسحاب 80% من القوات الإماراتية من محيط مدينة الحديدة إضافة إلى انسحابها بشكل كامل من مأرب، كما أفادت مصادر إماراتية بأن الإمارات قلصت وجودها في قاعدة عصب الإريترية بنسبة 75% (عصب هو المكان الذي تدرب فيه الإمارات الجنود وتشن الغارات الجوية على اليمن انطلاقا منه)، وفي 6 يوليو، تم نقل السيطرة على مقر القوات الإماراتية في المخا إلى السعودية.

خلال عمليات الانسحاب هذه، أصدر المسؤولون الإماراتيون مرارًا تصريحات يصرون فيها على أن جيش البلاد سيواصل المشاركة في التحالف العربي وسيحترم التزامه بمواجهة التأثير الإيراني في شبه الجزيرة العربية.

وقال 3 دبلوماسيين غربيين تحدثوا إلى “رويترز”: إن انسحاب الإمارات كان في الواقع متعلقًا بالتوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وإيران والذي بدأ عندما تعرضت 4 ناقلات للهجوم في ميناء إماراتي في مايو الماضي؛ ما عزز من رغبة الإمارات في إعادة أكبر عدد ممكن من القوات إلى سواحلها.

لكن في منتصف يوليو الماضي، ظهرت تقارير تفيد بأن الإمارات تعيد انتشارها في اليمن، وهي تقارير أكدها وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية “أنور قرقاش” مطلع أغسطس الجاري.

وإذا كانت القوات الإماراتية تنتشر مجددا بالفعل، فقد يشير ذلك إلى أن عمليات السحب السابقة كانت في الواقع تكتيكية. لكن التفاصيل المتعلقة بإعادة الانتشار هذه ضئيلة، وتشير تقارير أخرى إلى أن الانسحاب مستمر، ويرسم هذا التضارب صورة مشوشة إلى حد ما حول موقف الإمارات في اليمن.

رهانات الإمارات

لكن الأمر المؤكد هو أن نظرة الإمارات للحرب في اليمن – وإمكانية كسبها – قد تغيرت. ولم تعد الإمارات تشعر بالراحة تجاه إنفاق هذا الكم الكبير من الموارد التي تستهلكها الحرب، خاصة أن التوترات في مضيق هرمز تهدد التجارة البحرية للبلاد، لكن هذه التهديدات نفسها تجعل اهتمام الإمارات بالسيطرة على الساحل الجنوبي لليمن أكثر إلحاحًا.

ومن هذه الزاوية، يأخد الاقتتال الأخير في عدن أهمية أكبر؛ ففي حين تبدو الإمارات راغبة ومستعدة لتقليص وجدودها في معظم أنحاء البلاد، بما في ذلك خطوط المواجهة الرئيسية مع الحوثيين، فإنها تحرص في الوقت نفسه على مضاعفة سيطرتها على جنوب اليمن.

ومن هنا جاء الاجتماع المزعوم حول القضايا البحرية بين المسؤولين الإماراتيين والإيرانيين في يوليو الماضي. وعلى المستوى الرسمي، ناقش البلدان حقوق الصيادين في العبور إلى مياه بعضهم لأغراض تجارية.

لكن توقيت الاجتماع، في أعقاب التقارير التي تفيد بأن القوات الإماراتية كانت تعيد انتشارها في اليمن وقبل أسبوع فقط من هجوم المجلس الانتقالي الجنوبي على الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، يجعل النسخة الرسمية من التصريحات الإماراتية مشكوكا فيها إلى حد كبير.

ومن الممكن أن تكون الإمارات وإيران قد توصلتا إلى اتفاق لمراعاة مصالح بعضهما البعض في اليمن. وتعد مصالح البلدين متكاملة حيث يتمركز الحوثيون المدعومون من إيران اليوم شمال مدينة الحديدة مع الاحتفاظ بالسيطرة على العاصمة صنعاء، في حين تتركز مصالح الإمارات في الجنوب.

وإذا كانت دولة الإمارات تعيد توجيه قواتها بعيدًا عن الساحات الساخنة مثل الحديدة إلى الجنوب، فإنها لن تهدد الحوثيين، وفي الواقع، سيكون هناك عدد أقل من القوات الإماراتية المتاحة لمحاربتهم.

لدى الإمارات أسباب أخرى لإعادة النظر في التزامها بالحرب في اليمن. فبعد مقتل الصحفي “جمال خاشقجي”، أصبح الجمهور الأمريكي أكثر اهتمامًا بسلوك السعودية على المسرح العالمي، خاصة دور الرياض في الحرب الأهلية في اليمن.

الكونجرس الأمريكي

وقد حاول مجلسا الكونجرس الأمريكي إصدار تشريعات للحد من الدعم الأمريكي للسعودية في الحرب، لكن الرئيس “دونالد ترامب” استخدم حق النقض ضد بعض هذه القوانين. ومع ذلك، يبقى الخلاف حول الأمر مشتعلا، وفي حين تبدو الولايات المتحدة أقل رغبة في غض الطرف عن النزاع في اليمن، فإن الحرب تصبح أكثر صعوبة على التحالف العربي بقيادة السعودية.

يترك هذا السعودية وحدها مع دعم إماراتي أقل في ظل وجود الحوثيين متمركزين عند عتبتها الجنوبية مزودين بقدرات على استهداف الموانئ والمطارات السعودية بالصواريخ الموجهة والطائرات بدون طيار.

وعلى مدار سنوات الحرب في اليمن، اعتمدت السعودية على القوات البرية لدولة الإمارات واكتفت بمهام الدعم الجوي، وهي استراتيجية هدفت للحد من الخسائر السعودية، وبالتالي تقليل معارضة الرأي العام السعودي للحرب.

وإذا انسحبت الإمارات إلى الجنوب، فستضطر السعودية إما إلى إرسال المزيد من القوات البرية إلى مستنقع الحرب أو الوصول إلى نوع من التفهم مع الحوثيين. وكان هدف إيران من دعم الحوثيين طوال الوقت هو تكبيل يد السعودية، لذلك فإن حصر الرياض في ذلك الموقف سوف يسعد إيران أيضا.

المشكلة الواضحة في هذه النظرية هي أن المجلس الانتقالي الجنوبي ليس صديقا لإيران. وحتى بعد السيطرة على عدن، قال قائد المجلس إنه لا يزال ملتزما بالتحالف مع السعودية. ومع ذلك، سيكون من السهل بالنسبة للإمارات وحلفائها تقديم هذه الأنواع من الالتزامات من موقع السلطة مع سيطرتهم على الجنوب.

وتريد الإمارات أن تلعب وفق شروطها الخاصة، والتي من المحتمل أن تتضمن في هذه المرحلة الدفع من أجل التوصل إلى تسوية سياسية من شأنها تخفيف الضغط على قواتها البشرية ومواردها. ولا يوجد وقت أفضل للوصول إلى هذه التسوية من الآن مع سيطرة الإمارات على الساحل الجنوبي لليمن والطرق البحرية المحيطة به.

تسوية سياسية

تجعل عمليات الانسحاب وإعادة الانتشار الإماراتي في اليمن، واجتماعاتها مع طهران، والاقتتال الداخلي في عدن، تجعل من المرجح أن يقسم الحل السياسي للحرب في اليمن البلاد إلى قسمين.

ولإدارة الاستياء من الحرب على الجبهة الداخلية، من المرجح أن تحتاج السعودية للتوصل إلى اتفاق مع الحوثيين. لكن حتى لو تم التوصل إلى تسوية سياسية، فلن تتمكن السعودية من تحويل انتباهها عن حدودها الجنوبية ما سيقيد من نشاطاتها لمواجهة نفوذ إيران في بقية أنحاء الشرق الأوسط.

ورغم أن الوجود الحوثي الدائم في شمال اليمن لا يعد أقوى العصي الجيوسياسية التي يمكن استخدامها، تدرك الرياض أن طهران يمكنها استخدام هذا التواجد لزعزعة استقرارها في لحظات غير مناسبة.

وهذا من شأنه أن ينذر بحدوث خلاف عميق بين الإمارات والسعودية. وتؤكد سياسة الإمارات في اليمن على استعداد أبوظبي لمتابعة مصالحها الخاصة بغض النظر عما تريده الرياض.

ورغم أن الدولتين لا تزالان تتفقان بشأن بعض القضايا – ليس أقلها خوفهما المشترك من إيران – لكن ما يحدث في اليمن سوف يمثل نقطة توتر كبرى ولحظة انقسام محتمل بين الملكيتين الخليجيتين.