عبدالرحمن يوسف
عبدالرحمن يوسف

عبدالرحمن يوسف يكتب: (الطريق إلى المشنقة)

عبدالرحمن_يوسف
يكتب:
(الطريق إلى المشنقة)
على موقع عربي 21

همس لي المسؤول التونسي السابق بحذر: “هل تعرف قصة هذا الـ(قيس سعيّد)؟”
أجبته بالنفي.. فابتسم ثم قال: “ألم تستغرب من كونه رجلا بلا تاريخ سياسي؟”
أجبته بالإيجاب.. هذا الرجل عاش في ظل استبداد شرس لعشرات السنين، وليس في تاريخه همسة واحدة ضد الاستبداد.. لم يكتب حرفا بفصاحته السمجة طوال هذه العهود..
أجابني المسؤول: “كان يكتب.. ولكنه كان يكتب تقارير عن زملائه.. كم وشى بأناس صالحين، وبهذا تولى بعض المناصب كرئاسة قسم القانون في إحدى الجامعات” !
حين تأملت في كلام الرجل وجدت أن مواصفات المخبر ليست بعيدة أبدا عن هذا الشخص، فبعض المخبرين مهمتم السكوت والعمل في صمت، وإذا تحدث فإنه دائما يزايد.. ما أكثر الذين ورطونا في أعمال عنترية يرفضها العقل (أثناء التظاهرات مثلا)، ثم اتضح بعد ذلك أنهم عملاء للأمن.. !
عموما.. وبغض النظر عن حقيقة تاريخ هذا الشخص.. إلا أننا أمام واقع حقيقي، فقد أصبح مخبرا لـ”بن زايد” ومن معه بمنتهى الصراحة والوقاحة.. إنه مخبر بدرجة رئيس جمهورية.
* * *
يحاول البعض أن يلوم حركة النهضة على ما حدث منذ أيام من إجراءات استثنائية اتخذها مخبر قصر قرطاج.. يقولون ببساطة (الغنوشي هو السبب.. الإخوان لا فائدة معم أبدا) !
الغريب أن غالبية هؤلاء كانوا يقولون (إخوان مصر أغبياء.. استأثروا بالحكم، لو أنهم فعلوا كما فعل إخوان تونس) !
الإسلاميون دائما تحت مقصلة اللوم، فهم مخطئون إذا استولوا على الحكم بالصندوق، ومخطئون إذا شاركوا الحكم مع الآخرين، ومخطئون حتى إذا تعففوا عن الحكم رغم انتخاب الناس لهم، وهذا ما حدث مع حزب النهضة، فقد تعففت عن الحكم في بعض المراحل لكي يتم إنجاز التحول الديمقراطي بنجاح.. يبدو أن خطيئة الإسلاميين الحقيقية أن لهم ظهيرا شعبيا ينتخبهم.. مأزومة أمتنا العربية بين تيارين، أحدهما مشكلته أن الناس تنتخبه، والثاني مشكلته أن الناس لا تنتخبه، والعسكر يلعب بالفريقين مرارا وتكرارا، وكلاهما لا يريد أن يتعلم..
لهذا السبب – أعني تعفف حزب النهضة عن الحكم في كثير من المراحل – تمكنت تونس من كتابة دستور حظي بنسبة توافق من التونسيين تجاوزت تسعين بالمائة من عدد النوّاب المصوّتين، وهي نسبة لا أدري كيف يتجاهلها اليوم هؤلاء الذين يبررون تصرفات مخبر قصر قرطاج.. هذا الرجل يدوس على دستور لم تحظ دولة في العالم – تقريبا – بتوافق مثله، ورغم ذلك نجد من يبرر انقلابه على الديمقراطية.
وحين نقول إنه يدوس على الدستور فإننا نعني ذلك حرفيا، لأن ما يحدث الآن لا علاقة له لا بالمادة 80، ولا بأي شيء في الدستور، لقد تم إلقاء الدستور (كله) في سلة المهملات، والمخبر يمارس سلطات ليست من حقه أصلا، فلا هو من حقه تعيين وزارة، ولا الوزارة ينبغي أن تكون مسؤولة أمامه (لأن الدستور يقول إن الحكومة مسؤولة أمام البرلمان، وينبغي أن تحصل على ثقة البرلمان).. وقس على ذلك كل الإجراءات والقرارات التي يصدرها، إنه يخترع وضعا جديدا لا علاقة له بالدستور من قريب أو بعيد !
* * *
يتساءل البعض ما الحل؟
الحقيقة أن الحل لن يكون إلا بالمقاومة.. وإلا فليجهز كل من هو ضد مشروع نادي الديكتاتورية العربية نفسه للمشنقة، أو المعتقل، أو المنفى !
لم يتصرف بشكل صحيح رئيس حركة النهضة المنتخبة، ورئيس البرلمان الشرعي المنتخب، حين وقف أمام البرلمان عاجزا عن دخوله، وكان ينبغي أن يدخله بقوة الجماهير، وبقوة سلاح الدولة التي يمثلها، سلاح الشرطة.. الدولة هي (الغنوشي، والمشيشي)، والخارج عن الدولة والدستور هو رئيس الجمهورية الذي يقود تمردا مسلحا مدعوما من قوى أجنبية وإقليمية.. إنه رئيس متلبس بحالة خيانة عظمى..
السيد “المشيشي” هو رئيس الوزراء الشرعي، وهو وزير الداخلية، وتأمين البرلمان من مهام وزارة الداخلية، ولا يحق لأي ضابط أن يضربه مستقويا بضابط أجنبي يقف إلى جواره لكي يجبره على الاستقالة.. وأتعجب من بعض الأصدقاء التونسيين الذين يقبلون بتدخل سافر لأجهزة أمن إماراتية ومصرية في الشأن التونسي.. وفي الوقت نفسه يتحدثون عن “إرادة الشعب” في معاقبة حركة النهضة.. أي شعب ذاك الذي يقبل بأن يضرب رئيس وزراءه المنتخب بإشراف من عصابات أجنبية، أمام رئيس مخبر، يعمل لحساب الخارج !؟
كان على الدولة التونسية متمثلة في رئيس الوزراء ورئيس البرلمان مقاومة محاولة الانقلاب على دستور مرّ بنسبة نادرة من التوافق، بقوة سلاح الدولة.. تماما كما حدث في ليلة انقلاب تركيا الفاشل في الخامس عشر من يوليو 2016، حين تضافرت تضحيات الجماهير، مع سلاح الدولة الشرعي، في منع بعض المتمردين الذي استغلوا سلاح الدولة ضد الشعب.
أما سؤال السلمية.. فلا مجال لطرحه أصلا.. الجماهير ستزحف للبرلمان بشكل سلمي، وسلمية الحراك الجماهيري لا تمنع من أن الدولة يجب عليها حماية مؤسساتها من التدخل الأجنبي، ومن بعض المسؤولين الذين باعوا ولائهم لقوى أجنبية أو إقليمية.
* * *
قد يقول قائل: (هذه هي الذريعة التي ينتظرونها لكي يبطشوا بهم).. والحقيقة أن الذين تحركوا بشكل سلمي دون استخدام سلاح الدولة الشرعي (أعني إخوان مصر).. هم الذي ينتظرون المشانق اليوم.. وإذا لم يتحرك التونسيون من أجل الخلاص من هذه المحاولة الانقلابية الواضحة وضوح الشمس.. فليتأكدوا أنهم في انتظار المصير نفسه.. أولاد زايد لا يجرون انتخابات، بل يعدمون كل من يطمح للحرية، ويبنون السجون لكل من يختلف معهم..
المسألة مسألة وقت، وإما أن تنتصر الثورة المضادة ونادي الديكتاتورية العربي، وإما أن تنتصر الحرية.. ولا حلّ وسط في هذا الأمر.
* * *
بقي أن يعرف القارئ الكريم أن كل ما يقال عن (تدهور شعبية النهضة) مجرد افتراضات ودعايات مصرية إماراتية، وإثبات الأمر غاية في الصعوبة.. شعبية أي حزب سياسي تتحدد بالانتخابات، وليس بالتوك شوهات !
وأحيل القارئ الكريم إلى تجربة مشابهة، وهي تجربة الرئيس البوليفي (إيفو موراليس)، حين جرى الانقلاب عليه برعاية أمريكية في أكتوبر 2019م، وفي ذلك الوقت قيل عن حزبه كل ما يقال اليوم عن النهضة، حتى شك أنصاره في أنفسهم، ولكن ما حدث أنهم تمكنوا من إجبار المنقلبين على الدخول إلى انتخابات بعد حوالي عام من الانقلاب، فماذا كانت النتيجة؟
لقد اكتسح حزب الرئيس “المخلوع” الانتخابات، وأصبحت له الغالبية في البرلمان بغرفتيه، وفوق ذلك.. تمكن أحد وزرائه المقربين من كسب الانتخابات الرئاسية.. وتبيّن أن كل ما قيل عن تدهور شعبيته، وشعبية حزبه ليس إلا دعاية أمريكية هدفها تمرير الانقلاب من أجل الاستيلاء على البلاد التي تعد أكبر منجم لمعدن “الليثيوم” في العالم.
ليس معنى ذلك أن حركة النهضة بلا أخطاء، ولكن تأكد أن غالبية الفشل الحادث اليوم في تونس ليس بسبب أخطاء النهضة، بل هو بسبب مؤامرة إقليمية دولية على البلاد، وهو ما جعل حزب الأغلبية عاجزا عن الحكم، بل جعل كل من هم في السلطة عاجزين عن أي تصريف للأمور.
* * *
إن تونس اليوم تمر بمنعطف خطير، وقد يكون الهدف من كل ما يجري أمامنا هو أن تدخل البلاد في حالة فوضى، وفي سبيل حدوث تلك الفوضى يمكن صناعة أحداث، واغتيالات لشخصيات سياسية كبيرة.. أولها مخبر قصر قرطاج نفسه (وهو أمر لا نتمناه له ولا لغيره)، وبعد أن تبدأ الفوضى.. يظهر الجنرال “المنقذ”.. الذي تم الاتفاق معه ليكون منقذ البلاد من الشر المستطير !
تونس اليوم في خطر داهم.. وهي أمام طريقين لا ثالث لهما.. إما (طريق السلامة).. وتكون بمقاومة وإسقاط الانقلاب الذي يقوده مخبر قرطاج..
أو السماح لضباط المخابرات الأجانب الذي صفعوا تونس على وجهها (حين صفع رئيس وزرائها المنتخب) بإتمام مؤامرتهم.. وتلك الطريق معروفة.. إنها (الطريق إلى المشنقة) !
وصيتنا لكل تونسي حر.. قاوموا ما يحدث.. ولا تقبلوا بالسير في هذا الطريق أبدا.. ولا تصدقوا كل ما يقال عن حيل دستورية، أو عن وضع استثنائي مؤقت، لأن ما يحدث هو ولادة ديكتاتورية جديدة، ستكون أسوأ من كل الديكتاتوريات التي مضت !
حفظ الله تونس.. وكل بلادنا من شر صهاينة العرب..