طبولٌ وحروبٌ.. وعروضُ (ماريونت)!

عامر شماخ :

ما نسمعه ونراه الآن فى منطقتنا البئيسة من دق طبول الحرب وتداعى الجيوش وتجهيز ساحاتها -لا يعدو كونه عرضًا لعرائس (الماريونت)، ومحاكاة لشكل المنطقة الجديد كما يريده العم سام والكيان اللقيط.
وهذا الرأى تؤكده الشواهد منذ ما يزيد على ربع قرن وإلى الآن، فالطبول يدقها وكلاء الغرب بأوامر الراعى الأمريكى، وهم أيضًا من يلقون شعوبهم فى أتون هذه الحروب المهلكة بأوامر الأمريكى أيضًا، والمقابل: تثبيت تلك العروش والجيوش والرئاسات الفاسدة، والاعتراف بها أمام العالم ممثلة لشعوبها الناقمة عليها.
منذ إيقاد الحرب بين العراق وإيران، فى الربع الأخير من القرن الماضى، والتى استمرت ثمانى سنوات خسر خلالها البلدان المسلمان القليل والكثير-والمنطقة لا يقرُّ لها قرار، ولا تفيق من الحروب بين الأشقاء، لعل أفظعها احتلال الهالك صدام للكويت، وما جرته من مصائب على رءوس العرب؛ حيث تم استدعاء أمريكا – رسميًّا- لإدارة المنطقة وصنع قراراتها، فى غياب الإرادة الشعبية، وفى ظل تبعية كاملة من (زعماء!!) مارقين، صاروا (عرائس) لينة فى يد اللاعب الأمريكى.
استوطنت أمريكا بلاد العرب، وأقامت فى كل ناحية قاعدة، وأرسلت إلى كل بلد مندوبين دائمين ليشاركوا فى إدارته والتخطيط لسياساته؛ وهذا إنجاز عظيم للإدارة والشعب الأمريكى على السواء؛ ففضلاً عن تهيئة الأجواء للكيان الغاصب لتثبيت أركانه -وقد فشل فى ذلك لعقود-؛ فهو وظيفة مدرّة للأموال التى لا عدَّ لها للخزانة الأمريكية، ومصدر لجلب النفط والركاز العربى بأسعار زهيدة، أو بدون أسعار(كما حصل فى النفطين العراقى والسورى) والسيطرة على أسواقها وأسعارها، ولا يخفى ما دفعه (أبو منشار) مؤخرًا لـ«ترامب»، وما دفعته دول الخليج الأخرى من تحت الطاولة.. وما خفى كان أعظم.
هل ستقع حرب عقب هذه الطبول الزاعقة؟ وهل تلقى ليبيا وإيران ما لاقته سوريا واليمن؟ أقول: قد تقع حرب، وقد لا تقع؟ ذلك أن القرار «أمريكى» خالص، بعيدًا عن كل هذه الأجواء والتوترات، أما متى تتقرر الحرب؛ فهذا حسب المصلحة الغربية؛ فلو كانت الحرب أفيد لهم فسوف يحركون (عرائس الماريونت) من خلف الستار. أما إن كان السلم أفيد لهم فلن يجهزوا تلك (العرائس)، وستظل الأمور على ما هى عليه. وهذا ما يفسد أى تحليل أو توقع رغم كثرة الشواهد والدلالات.
صانع القرار الأمريكى هو من حاصر العراق حتى خرب، بتأييد عربى ماجن، وهو من وظّف المال العربى منذ أوائل التسعينيات لإثراء جيوب الأمريكان بحجة حماية إمارات ودول المنطقة (حكى لى زميل كان يعمل وقتها مديرًا لتحرير مجلة شهيرة فى دولة خليجية أن الأمريكان كانوا يقدرون ثمن ثمرة الطماطم الواحدة فى وجبة الجندى الأمريكى بعشرة دولارات، وقسْ على ذلك راتبه وأجر سائر القوات)، وهو من أطلق يد الشيعة -بغرض الاشتباك مع أهل السنة وتفتيت المنطقة- حتى استولوا على أربع عواصم عربية وتهيأت لهم الساحة لتنفيذ خطة (الهلال الشيعى) الممتد من إيران شرقًا وحتى حدود لبنان فى الغرب.
و«الأمريكى» هو من أمر (عرائسه) بدخول اليمن وتدميرها؛ ليضرب بذلك مائة عصفور بحجر واحد، وهو شاهد -بل مشارك- فى تدمير سوريا وتشريد أحفاد الأمويين، ولو أراد إيقاف النزيف السورى لتم له ذلك بإصدار بيان واحد من بيته الأبيض، لكنهم يريدون إفناء الجنس المسلم وتدمير الإسلام؛ لذا فهم حربٌ على من يدافع عن الفكرة الإسلامية أو عن كرامة العرب، وقد سلطوا أذنابهم على «تركيا» و«قطر»؛ باعتبارهما بلدين مارقين على «الإجماع الدولى»، ولكنهما فى الحقيقة لم يتورطا فى الخيانة والخضوع المذلّ.
وثمة خطة لـ«الأمريكان» هدفها تحطيم القوى العسكرية الكبرى فى العالم الإسلامى، وهى تحديدًا جيوش: إيران، باكستان، تركيا، مصر؛ ولن يكون ذلك إلا بالتحريش والوقيعة بينها، والحرب الليبية قد تكون فرصة لإنهاك الجيشين التركى والمصرى، وهذا ما يرجح نشوب حرب، أما ما لا يرجحها فهو إما لتوقع الهزيمة لأنصارها على يد الأترك، وفى هذا قضاء على تحالف أذنابهم في المنطقة، وإما لوجود دول غربية أخرى، خصوصًا فرنسا وإيطاليا، ولهذه الدول مصالح كبيرة وإرث تاريخى مع ليبيا، وإما للتركيبة القبلية الليبية المعقدة التى ربما تتغير وقت الحرب فتغير معها خطط الأمريكان و(عرائسهم)، ثم إن ليبيا ليست اليمن؛ فإن ما تحويه من احتياطى نفطى يجعل مشعلى الحرب مترددين فى تدميرها، بل سيخضعهم ذلك لمساومات مع تركيا كما فعلوا معها منذ أيام فى حقول المتوسط.
باتت شعوب العرب لا تقرر مصيرها، وباتوا عاجزين عن دفع الضُر أو جلب المصلحة، وصار (الأمريكى) و(الصهيونى) هما من يقرران ذلك؛ حتى الفوضى إن أشعلوها فإنما يفعلون ذلك لصالح الرجل الأبيض، ومن قبلُ لاستقبال «إسرائيل الكبرى» من رحم هذه الفوضى؛ كى تكون هى القوة الكبرى التى تفرض شروطها ومعتقداتها على الجميع.