شخصية اليوم
شخصية اليوم

شخصية اليوم ( خالد بن الوليد)

” بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ”
من خالد بن الوليد إلى مرازبة فارس سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فالحمد للَّه الذي فض خدمتكم وفرق كلمتكم ووهن بأسكم وسلب ملككم، فإذا جاءكم كتابي هذا فابعثوا إلي بالرهن، واعتقدوا مني الذمة، وأجيبوا إلي الجزية فإن لم تفعلوا. . . . فواللَّه الذي لا إله إلا هو. . . لأسيرن إليكم بقوم يحبون الموت كحبكم الحياة!
(خالد بن الوليد)
أستاذ العسكرية الإسلامية، والقائد الأعلى لقوات المسلمين المقاتلة ضد إمبراطورية فارس على الجناح الشرقي، والقائد الأعلى للقوات المجاهدة ضد إمبراطورية الروم على الجناح الغربي، والقائد الأعلى للجيوش الإسلامية الموحدة في حروب الردة، إنه قائد معركة “اليرموك” الخالدة، وقائد معركة “اليمامة” الباسلة، وقائد معركة “ذات السلاسل” التاريخية، وقاهر صحراء “الأنبار” القاحلة، وقائد معركة “مؤتة” المجيدة التي انتصر فيها بثلاثة آلاف مجاهد فقط ضد خُمس المليون من الروم وحلفائهم، إنه سيف اللَّه المسلول، إنه صاحب الذكر الحميد، والنصر المجيد، إنه البطل الإسلامي الصنديد. . . . خالد بن الوليد.

قبل أن نخوض في بحار بطولات هذا البطل العظيم، أرى أنه من الأهمية بمكان أن نذكر شيئًا عن تاريخه قبل الإسلام، لنرى كيف يغير الإسلام الإنسان تغييرًا جذريًا، فيحوله من أكبر حاقد على الإسلام إلى سيف من سيوف اللَّه ينشر راية التوحيد في سائر الأرض. وخالد هو ابن (الوليد ابن المغيرة) أعظم رجل في قريش، والوليد هذا هو أحد الرجلين العظيمين الذين تمنى المشركون أن لو كان هو النبي في قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}.

ورغم أن الوليد كان من أغنى أغنياء العرب، إلّا أن ابنه خالد لم يركن لثراء أبيه، فكان يذهب إلى الصحراء القاحلة يدرب نفسه على القتال والصلابة، فقد كانت عشيرة “بني مخزوم” التي ينتمي إليها خالد هي المسئولة عن الأمور العسكرية في مكة، هذا ما دعا خالدَ ليقود جيش المشركين إلى الانتصار في أحد، بل إن خالد أراد قتل الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- شخصيًا عند “الحديبية”، إلا أن اللَّه عصم رسوله من سيف خالد يوم أن شرع صلاة الخوف.

وبعد إسلامه شارك هذا البطل العربي كجندي بسيط في معركة “مؤتة” تحت قيادة ثلاثة أبطالٍ أسطوريين، ليتسلم خالد بن الوليد القيادة بعد استشهاد “الفرسان الثلاثة” (وسيرد ذكر شأن أولئك العظماء الثلاثة بالتفصيل تباعًا في هذا الكتاب)، فقام خالد بوضع خطة حربية اعتبرت معجزة من المعجزات العسكرية، هذه الخطة ما زالت تدرَّس في الكليات العسكرية في كل أنحاء العالم، فلقد انتصر خالد بثلاثة آلاف مجاهد أمام مائتي ألف مقاتل نصراني من الروم وحلفائهم من نصارى الشام! ولكي تدرك مدى براعة تلك الخطة وسبب اختيارها لتدرَّس في المعاهد العسكرية، ينبغي عليك أن تذهب معي بخيالك إلى جنوب الأردن، وبالتحديد إلى مؤتة على بعد 130 كم إلى الجنوب من العاصمة الأردنية “عمان”، هناك يتواجد مائتا ألف مقاتل من الروم ونصارى الشام المتحالفين معهم، وفي وسط هذه المعمعة توجد مجموعة محاصرة من العرب لا تكاد ترى من كثرة الروم من حولهم والذين يقدرون بـ 66 ضعفًا، ليقاتل المسلمون الروم حتى جاءت عتمة الليل، عندها جاءت ساعة الصفر للتنفيذ. . . .

الخطة الخالدية
أولا: جعل خالد بن الوليد الخيلَ تجري في أرض المعركة طوال الليل لتثيرَ الغبار الكثيف، لكي يتسنى له خداع الرومان بأن هناك مددًا قد جاء للمسلمين من المدينة!

ثانيًا: غَيَّر خالد من ترتيب الجيش، فجعل الميمنة ميسرة والميسرة ميمنة، وجعل المقدمة مؤخرة والمؤخرة مقدمة، وحين رأى الرومان هذه الأمور في الصباح، ورأوا الرايات والوجوه والهيئة قد تغيَّرت، أيقنوا أن هناك مددًا قد جاء للمسلمين، فهبطت معنوياتهم تمامًا!

ثالثًا: جعل خالد في خلف الجيش وعلى مسافة بعيدة منه مجموعةً من الجنود المسلمين فوق أحد التلال، منتشرين على مساحة عريضة، ليس لهم من شغل إلا إثارة الغبار والتكبير بصوت عالٍ لإيهام الرومان بالمدد المستمر الذي يأتي للمسلمين من المدينة!

رابعًا: بدأ خالد بن الوليد في اليوم التالي للمعركة بالتراجع التدريجي بجيشه إلى عمق الصحراء، الأمر الذي شعر معه الرومان بأن خالدًا يستدرجهم إلى كمين في الصحراء، فترددوا في متابعته، وقد وقفوا على أرض مؤتة يشاهدون انسحاب خالد، دون أن يجرءوا على مهاجمته أو متابعته!!

هناك قذف اللَّه الرعب في قلوب القوات النصرانية المتحالفة من روم ونصارى العرب، فقد كانوا يحاربون ثلاثة آلاف بالأمس من دون أن يتغلبوا عليهم، فكيف إذا جاءت قوات إضافية إليهم من المدينة؟! عندها انتصر المسلمون على الروم، وفتح اللَّه على خالد وجنده هذا الفتح العظيم، وغنم المسلمون مغانم كثيرة من هذا الفتح، والغريب في الأمر أن عدد شهداء المسلمين في هذه المعركة هو 12 شهيدًا فقط من بينهم القادة الثلاث

رحمهما

للَّه جميعًا، بينما يكفى لكي تقدر ضخامة عدد ضحايا الروم أن تعلم أن تسعة أسياف قد انكسرت في يدي البطل خالد بن الوليد -رضي اللَّه عنه- وحده من كثرة الجماجم التي دقها بسيوفه حتى انكسر السيف بعد السيف في زنديه، آخذا في عين الاعتبار أن خالد بن الوليد كان يقاتل بسيفين في يديه تمامًا مثل الزبير بن العوام (ولم يعرف ذلك عن أحد غيرهما من المسلمين)، فهل لك أن تتخيل عدد الروم الصرعى تحت سيوف خالد التسعة قبل أن يقاتل بصفيحة (خنجر) يماني بقي معه؟ هذا بغض النظر عن العدد الذي قتله بقية الجيش المجاهد!

ومن الأردن إلى نجد، وبالتحديد إلى اليمامة، هناك حيث ادَّعى (مسيلمة الكذاب) النبوة، أصبح مستقبل الإسلام في خطر لولا أن سخر اللَّه للإنسانية (أبا بكر الصديق) -رضي اللَّه عنه-، حيث طلب أبو بكر من الجيوش الإسلامية أن تتحد في اليمامة تحت قيادة خالد ابن الوليد، لينتصر المسلمون في موقعة اليمامة بقيادة هذا البطل العظيم. (وسترد قصة هذه المعركة الباسلة وقصة حديقة الموت بالتفصيل في ثنايا هذا الكتاب إن شاء اللَّه عند الحديث عن أحد العظماء المائة في أمة الإسلام).

ومن نجد إلى العراق حيث الإمبراطورية الفارسية، يشتبك خالد بن الوليد مع الفرس في 15 معركة كانت كلها انتصارات للمسلمين بقيادته، كان من أعظمها معركة “ذات السلاسل” التي ربط فيها الفرس المجوس جنودهم بالسلاسل لكي لا يهربوا خوفًا من مجاهدي العرب، وهناك بالعراق يأسر خالد صبيًا نصرانيًا قبل أن يحرره المسلمون، هذا الصبي أسلم لما رأى سماحة الإسلام وعدله، فتحول من طالب صغير في أحد الكنائس النائية إلى قائد عظيم من قادة الإسلام المجاهدين، المفاجأة الكبرى تكمن في اسم هذا الغلام الذي أسلم بفضل خالد! لقد كان اسمه (نصير)، نصير هذا أنجب ولدًا أصبح فيما بعد واحدًا من أعظم قادة المسلمين عبر التاريخ. . . . موسى ابن نصير!

وبعد “فارس” جاء الدور على “بيزنطة” ليلقنها ابن الوليد درسًا في فنون القتال الإسلامي، فلقد قرر أبو بكر رضي اللَّه عنه وأرضاه أن يرعب الروم النصارى بعد أن أرعب الفرس المجوس بخالد، عندها صرح الصدِّيق التصريح الخطير الذي كان بداية ملحمة عسكرية خالدة: (واللَّه لأنسين الروم وساوسَ الشيطان بخالد بن الوليد!)، ليصل هذا الأمر البكري إلى القائد خالد وهو في العراق، وهناك من بلاد الرافدين يقطع خالد بجيشه صحراء الأنبار القاحلة في عملية عبور خيالية، لتبدأ العمليات القتالية في الجبهة الغربية للقوات الإسلامية المجاهدة.

والحقيقة أن الحديث عن خالد وبطولاته لهو أطول من أن يكتب في عدة صفحات خصصتها لكل عظيم من العظماء المائة، إلا أن قصص خالد بن الوليد رضي اللَّه عنه وأرضاه في مفاوضاته مع (باهان) قائد الروم وبطولاته في “اليرموك” لهي قصص جديرة بالقراءة، أنصح أن يُرجع إليها من موقع قصة الإسلام ”  www.islamstory.com”  التابع للأستاذ الدكتور راغب السرجاني جزاه اللَّه خيرًا والذي كانت أبحاثه التاريخية هي أساس مادة هذه الحروف، بل أساس مادة هذا الكتاب بأسره!

ولكنني أجد أنه في ظل هذا الزمن الذي يُحارَب فيه الإسلام من كل حدب وصوب أصبح لزامًا علي أن أعقب على نقطة خطيرة للغاية ألا وهي: إن رحى معارك سيف اللَّه المسلول خالد بن الوليد ما زالت تدور حتى بعد موته بمئات السنين! فخالد بن الوليد يُحارَب الآن بعد موته وتشوه صورته في كثير من الكتب والأعمال الأدبية والفنية، فصارت الشبه تلقى جزافًا من قبل المستشرقين في حق هذا البطل، لتشويه تاريخ هذه الأمة قبل تشويه تاريخه بالذات،

أما الفرس فلم يغفروا لخالد بن الوليد ما فعله بهم في سنة واحدة فقط، فبحثوا عن حادثة يمكن من خلالها إلقاء الشبه عليه، فوقفوا مكتوفي الأيدي أمام التاريخ المشرق لهذا البطل، فلقد مات خالد قبل الفتنة التي يستخدمها علماء الفرس الشيعة في خلق الخرافات للعن زوجات رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه، عندها قام الصفويون الجدد في السنوات الأخيرة بالتحديد باختراع قصة غبية تزعم أن عمر ابن الخطاب وخالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنهم وأرضاهم أجمعين قاموا باقتحام منزل علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه وأرضاه ليضربوا بنت الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- السيدة فاطمة رضي اللَّه عنها وأرضاها، ليسقطوا جنينها وليكسروا ضلعها، الطريف في هذه الرواية المكذوبة التي تسمى عند الشيعة بـ (مظلومية الزهراء) أن بها أمرين يستحقان شيئًا من التأمل:

أولًا: أن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه وأرضاه وكما ورد في كتب الشيعة كان في البيت مختبئًا عندما كانت امرأته تُضرَب من ثلاثة رجال غرباء، وحاشاه -رضي اللَّه عنه- أن يكون كذلك، فعلي بطل من أبطال المسلمين لا يقبل أن تُضرَب امرأته أمامه وهو ساكت يتفرج، ناهيك أن العرب وحتى قبل الإسلام وإلى يومنا هذا لا يتركون نساءهم لكي يفتحن الأبواب لرجال غرباء، مما يدل على أن راوي هذه الرواية المكذوبة ليس عربيًا أصلًا وأنه يظن أن نساء العرب كنسائهم

(الفاتحات

أبوابهن!)، ناهيك أن تلك السيدة الطاهرة التي يتحدث عنها أولئك الكذابون هي بنت أعز العرب ونبي الإسلام محمد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وزوجة علي بن أبي طالب الفارس العربي الهاشمي القرشي الشهم.

ثانيًا: أن الثلاثة – عمر بن الخطاب – خالد بن الوليد – سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنهم وأرضاهم هم نفس الثلاثة الذين أزالوا الإمبراطورية الفارسية الساسانية المجوسية من على وجه الأرض بتوفيق من اللَّه، فلا يحتاج العاقل لكثيرٍ من التفكير ليحدد هوية واضع خرافة “مظلومية الزهراء”. . . . إنهم الفرس المجوس وأحفادهم من الصفويين الذين دلسّوا بها على الشيعة العرب، ولو علم أولئك العرب أن كلمة “المظلومية” من الأساس لا مكان لها في “لسان العرب” لـ (ابن منظور)، لغيروا رأيهم في تلك القصة التي وضعها الفرس ليثيروا بها الضغينة بين العرب شيعةً وسنة.

والحق أقول أنني لا أستغرب أبدًا ذلك الحقد الصفوي على أبطال المسلمين، فلقد حكم الفرس المجوس شعوبًا وبلدانًا لآلاف السنين، قبل أن يدمرهم خالد بن الوليد ومن معه، ولكنني أعجب من الذين يبتلعون هذه الافتراءات ويصدقونها من المسلمين الموحدين، فبدلًا من أن يكون خالد بن الوليد بطلا من الأبطال يجاهد لنشر دين اللَّه في الأرض، يتحول بفعل كتابات الساقطين والعملاء المستشرقين إلى رجل ليس له دافع في القتال إلّا الجنس، فينكسر بذلك تاريخنا، ونتحول بذلك إلى أمة فاقدة للقدوة، فنكون أمةً سهلة الكسر قبل أن نُسحق تمامًا. . . . . وإلى الأبد!

وقبل أن نعرج على قصة العظيم القادم في أمة الإسلام العظيمة لا بد من ذكر أهم انتصار في سجل هذا القائد العظيم، ألا وهو انتصاره على نفسه يوم أن عزله عمر ابن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، فقد خاف الفاروق أن يفتتن المسلمون بخالد لكثرة انتصاراته فيعتقد المسلمون بذلك أن النصر من عند خالد وليس من عند الرب الخالد! ليتقبل خالد ابن الوليد ذلك القرار العمري بكل رحابة صدر، فيتحول بذلك إلى جندي بسيط في جيش الإسلام، بعد أن أدرك خالدٌ أن المهم أن تظل الراية مرفوعة دائمًا بغض النظر عمَّن يرفعها!

ولكن من ذلك الرجل الذي أصبح قائدًا عامًا للقوات الإسلامية في جيش يضم رجلًا عظيمًا مثل خالد بن الوليد ومائة رجل من البدريين؟ وما هي حكايته العجيبة التي خلدها اللَّه بالقرآن من فوق سبع سماوات؟ ولماذا أصبح هذا الرجل أمين هذه الأمة؟
يتبع. . . .

المصدر / كتاب العظماء المائة