د.أكرم كساب يكتب : العصيان المدني فريضة شرعية وضرورة واقعية لدحر الانقلاب

د: أكرم كساب
دار حوار بيني وبين عدد من الشباب فيما يتعلق بالدعوة إلى العصيان المدني، والقول بجوازه، وعدمه، وتعددت أسئلة وحوارات حول هذه الموضوع، فقلت لهم سأرد عليكم ببعض كتابات دبجتها من قبل.
يعرف المتخصصون العصيان المدني بأنه: تعمد مخالفة قوانين وأوامر محددة لحكومة أو قوة احتلال بغير اللجوء إلى العنف، وهو أحد الأساليب الأساسية للمقاومة السلمية.

وهذا العصيان المدني أو الإضراب العام يصيب الحياة العامة بشلل تام، إلا ما كان الناس في حاجة إليه كالمخابز والمطاعم والمستشفيات وما شابه ذلك.
والقصد من العصيان المدني:

زعزعة ثقة أفراد الشعب في النظام الحاكم ورجالاته، أو من يقوم مقامه من غاصب محتل، أو متسلط متجبر. وقد أثبتت الأيام تحقيق نجاحات لمن قاموا بالعصيان المدني، ومن أشهر نتائج العصيان المدني إنهاء الاحتلال البريطاني للهند وإعلان الهند استقلالها.

وكذلك تحقيق المساواة أو الكثير منها بين السود والبيض في أمريكا بعد العصيان المدني الذي دعا إليه القائد الأمريكي الأسود مارتن لوثر.
حكم الإضراب العام (العصيان المدني):
لا شك أن العصيان المدني صورة من صور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن دعاة العصيان المدني يريدون أن يقولوا للحاكم: أوقف ظلمك، واعدل بين رعيتك. وهو كذلك صورة من صور الخروج السلمي على الحاكم إذ استخدام القوة غير معتبر.

ولا شك أن الحاكم إذا تجاوز حدود الشرع فأفسد في البلاد وظلم العباد؛ فالشرع أعطى الرعية عصيانه حال طغيانه وفساده، (فإذا شعرت الأمة بأن هذا الحاكم فاسق مستهتر أو جائر، أو لا يصلح للإمامة، وتقدمت له بالنصيحة، ولكنه أبى واستكبر، فما عليها إلا أن تقاطعه وتقاطع من له به أية علاقة، وحينئذ يجد نفسه منبوذاً من أمته، فأما اعتدل أو اعتزل) (النظام السياسي في الإسلام/ محمد أبو فارس / ص 273).
أدلة جواز الإضراب العام (العصيان المدني):
العصيان المدني آلية من آليات مواجهة الظلم والاستبداد، والأصل: أن كل وسيلة تعمل على تقليل الاستبداد ومنعه يجوز استخدامها ما لم يحرمها نص، ويبقى الأمر على أصله وهو الإباحة، خصوصا وأن ذلك من العادات لا من العبادات.
ومن الأدلة على جواز العصيان المدني:
أ‌- دخول العصيان المدني في قوله صلى الله عليه وسلم: ” مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ”رواه مسلم، إذ من إنكار القلب أو دليل إنكاره مقاطعة الحاكم الظالم، ومقاطعة حكومته ونظامه، وعدم الاعتراف به مما يؤدي إلى سحب الثقة منه.
ب‌- ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم: “لَيَأْتِيَنَّ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُقَرِّبُونَ شِرَارَ النَّاسِ، وَيُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ مَوَاقِيتِهَا، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ، فَلَا يَكُونَنَّ عَرِيفًا وَلَا شُرْطِيًا ولا جابيا ولا خازنا” رواه ابن حبان، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب.

ويستنتج من ذلك أن ترك أعمال هذا الصنف من الحكام، فلا تعامل معه ابتدأ، ولا تعامل معه إن طرأ عليه هذا الفساد. وقد نصح ابن مسعود أحد تلامذته بهذا فقال له: كيف أنت يا مهدي إذا ظهر بخياركم، واستعمل عليكم أحداثكم، وصليت الصلاة لغير ميقاتها؟ قال: قلت: لا أدري قال: لا تكن جابيا، ولا عريفا، ولا شرطيا، ولا بريدا، وصل الصلاة لوقتها.
ت‌- ويستدل لذلك أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم:” إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ يَكْذِبُونَ وَيَظْلِمُونَ، فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ، فَصَدَّقَهُمْ بِكِذْبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَيْسَ مِنِّي، وَلَسْتُ مِنْهُ وَلَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ، وَيُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وَارِدٌ عَلَيَّ الْحَوْضَ ” رواه أحمد.

ويبدو لي أن ذمّ النبي صلى الله عليه وسلم للداخلين على الحكام الظلمة المصدقين والمعينين لهم؛ فيه أمر بمقاطعة هؤلاء، وهو مقدمة لسحبة الثقة، والعصيان المدني إذا احتاج الأمر.
ث‌- ما أفتى به الفقهاء من حرمة دفع الزكاة للحاكم الظالم، وهذه صورة من صور العصيان المدني، فالفقهاء قرروا (أن أخذ الإمام الجائر الزكاة قهرا أجزأت عن صاحبها. وكذا إن أكره الإمام المزكي فخاف الضرر إن لم يدفعها إليه. واختلف الفقهاء فيمن كان قادرا على الامتناع عن دفعها إلى الإمام الجائر، أو على إخفاء ماله، أو إنكار وجوبها عليه، أو نحو ذلك: فذهب الجمهور من الحنفية والمالكية إلى عدم جواز دفعها إلى الإمام حينئذ، وأنها لا تجزئ عن دافعها على تفصيل بين الفقهاء (الموسوعة الفقهية الكويتية (23/ 306)).
ج‌- فكرة العصيان المدني قريبة الشبه بسحب الثقة من الحاكم، ويؤكد هذا أن اصطلاح سحب الثقة يقابله في الإسلام مبدأ عدم الطاعة، ثم الخلع، ولا شك أن الأحاديث تشهد لهذا، ومن ذلك: قوله صلى الله عيه وسلم في رسالته التي أرسل بها مع العلاء بن الحضرمي إلى البحرين، وفيها: (وَأَنَا أُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَنْ وَلَّيْتُهُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا لَمْ يَعْدِلْ فِيهِمْ فَلَا طَاعَةَ لَهُ وَهُوَ خَلِيعٌ مِمَّا وَلِيَهُ وَقَدْ بَرِئَتْ لِلَّذِينَ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَيْمَانُهُمْ وَعَهْدُهُمْ وَذِمَّتُهُمْ فَلْيَسْتَخِيرُوا اللَّهَ عِنْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ لِيَسْتَعْمِلُوا عَلَيْهِمْ أَفْضَلَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ… ” (بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث (2/ 665)). وواضح أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الأمة بعصيان الحاكم الجائر الظالم، ويصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه (خَلِيعٌ مِمَّا وَلِيَهُ)، وهذا دليل على سحب الثقة، وفقدان صلاحيته. وهذا فيمن صحت ولايته، واختارته الأمة، فكيف بمن بغى واغتصب؟!!
من يدعو إلى الإضراب العام أو العصيان المدني:
وبناء ذلك؛ فإن العصيان المدني أو الإضراب العام لا بأس به إن دعا إليه أهل الاختصاص، ودرس دراسة عميقة متأنية، ومن ثم فإن الدعوة إلى الإضراب العام أو العصيان المدني ينبغي ألا يستجاب لها من أي أحد طرحت، وإنما يستجاب لها إن طرحت من أهل الحل والعقد، وهم ذوو التخصص في كل مجال من المجالات، وعلم من العلوم، وفن من الفنون.
شروط العمل والمشاركة في العصيان المدني:
وللمشاركة في العصيان المدني شروط أوجزها فيما يلي:
1. أن يكون الحاكم قد بلغ من الاستبداد ما يتناسب مع هذه الوسيلة.
2. أن يستخدم الشعب كل الوسائل الممكنة قبل اللجوء إلى العصيان المدني.
3. أن يكون الداعون إلى العصيان المدني هم أهل الحل والعقد، والوطنيون المخلصون للبلد، ويدخل فيهم: البرلمانيون الذين جاءت بهم انتخابا نزيهة، والأحزاب والجماعات المخلصة، والنقابات والقضاة….
4. أن يحرص الناس على المحافظة على الممتلكات العامة.
5. أن تراعى حاجات الناس الأساسية من طعام وشراب ودواء وما شابه ذلك، فلا يباشر فيها العصيان.
6. أن يتجنب الناس كل مظهر من مظاهر العنف أو استخدام السلاح.
7. أن تكون هناك مطالب واضحة المعالم لدعاة العصيان.
8. أن يحرص دعاة العصيان المدني على دفع المفاسد قبل جلب المصالح، وعلى تحقيق المصلحة الكبرى ولو على حساب المصلحة الصغرى
هذا والله تعالى أعلم……….