تقصي الحقائق.. كيف حوّل السيسي الجيش إلى آلة لقتل الثوار؟

لجنة تقصي الحقائق في قتل المتظاهرين أثناء ثورة يناير، المُشَكَّلَة بقرار من الرئيس محمد مرسي من أجل القصاص لهم، عادت للظهور بعد اختفاء دام 6 سنوات عقب الانقلاب العسكري الدموي الذي قام به السفيه السيسي، والذي كان يشغل آنذاك وزير الدفاع، فهل يتحقق ذلك القصاص بعد الإفراج عن القتلة ووصول أحدهم إلى رئاسة الجمهورية؟ وهل حقًا أن ما ورد به يسقط ورقة التوت عن عورات جنرالات الانقلاب، ويُساق قاتلو الثوار إلى السجون مكانهم المستحق الذي سيخلو وقتها من الأبرياء من رافضي الانقلاب المُعتقلين ظلما؟.

وقال موقع “عربي21″، إنه حصل بشكل حصري على نص تقرير لجنة جمع المعلومات والأدلة وتقصي الحقائق حول أحداث ثورة يناير، التي شكلها الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب للبلاد، وهو التقرير الذي لم يتم الكشف عنه رغم مرور أكثر من ست سنوات على الانتهاء منه، ويكشف جانبا مهمًا من الأحداث التي شهدتها مصر، ويميط اللثام عن غموض أكتف بعض جوانبها.

وأصدر مركز الحضارة للبحوث والدراسات والتدريب، تقرير لجنة جمع المعلومات والأدلة وتقصي الحقائق، في شكل كتاب مقسّم على قسمين صدرا في ثلاثة مجلدات، ونقل “عربي 21” عن المركز قوله: “منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011 وحتى انتقال السلطة إلى د. محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب، شهدت مصر حلقات متتالية من قمع الثوار، وإهدار حق التظاهر السلمي عبر قتل المتظاهرين، وفض تجمعاتهم بالغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه وغيرها من الوسائل القمعية”.

وأضاف المركز: “لم يكتف النظام الحاكم آنذاك بهذا النهج اللاقانوني، بل حاول التنصل من مسئوليته عن قمع المظاهرات وقتل الثوار عبر الترويج لما أسماه إعلام هذا النظام بـ(الطرف الثالث)؛ ليوهم الشعب المصري والمجتمع الدولي بتورط أشخاص أو مؤسسات في هذه الجريمة وبراءة النظام الحاكم وأجهزته الأمنية من ارتكابها”.

وتابع: “ولما كان القصاص للثوار مطلبا شعبيا تبنّته مؤسسة الرئاسة في عهد د. محمد مرسي، تم تشكيل لجنة تقصي حقائق بموجب القرار الجمهوري رقم 10/ 2012 المعدل بالقرار الجمهوري 12/2012 لتحديد المسئولين الضالعين مباشرة أو بالتحريض في قتل المتظاهرين”.

طنطاوي والسيسي

وعقب الحكم ببراءة “مبارك”، شنت وسائل الإعلام المؤيدة للانقلاب حملة بدت ممنهجة إلى حد كبير لاتهام الإخوان بالجريمة، كما سارعت شخصيات وكيانات سياسية ونشطاء بترديد نفس الاتهام، رغم أن الإخوان كانوا من أبرز المشاركين في ثورة يناير منذ أيامها الأولى.

وقضت محاكم الانقلاب ببراءة “مبارك” ونجليه “علاء” و”جمال”، ووزير داخليته “حبيب العادلي”، وستة من كبار مساعديه، ورجل الأعمال الهارب حسين سالم، من جميع التهم التي وجهت لهم، وعلى رأسها قتل المتظاهرين السلميين والفساد المالي، في القضية التي اشتهرت إعلاميًّا باسم “محاكمة القرن”.

وقال الإعلامي المطبل “أحمد موسى”: “الجميع يعلم أن الإخوان هم القتلة، ويجب أن تحيلهم النيابة للمحاكمة وتفصح عما لديها من أدلة”، أما الإعلامية “لميس الحديدي” فقالت إنه “لا يجب السماح لجماعة الإخوان بالاستفادة من الحكم ببراءة “مبارك”، لأنهم بالأساس مدانون في قتل المتظاهرين، وثبت تورطهم في اقتحام السجون”!.

وفي وقت سابق، كشفت وثائق مسربة من تقرير لجنة تقصي الحقائق، أن السفيه السيسي تورط في سفك دماء الثوار إبان أحداث ثورة 25 يناير، حين كان يرأس وقتها المخابرات الحربية، وأن عناصر من المخابرات الحربية كانت تنتشر في ميدان التحرير.

وأشارت الوثائق صراحة إلى أن عناصر من المخابرات الحربية والشرطة دخلوا أحد الفنادق في محيط ميدان التحرير ومعهم أسلحتهم وحقائب مغلقة واحتلوا غرفًا مطلة على ميدان التحرير طوال فترة أحداث الثورة، وأوصت اللجنة بالتحقيق معهم، وهو ما يعني أن السفيه السيسي كان يقوم بنفسه بتوجيه عناصر المخابرات الحربية لارتكاب جرائم القتل ضد المتظاهرين، والتي كانت غالبًا ما تنسب إلى ما يسمى إعلاميًّا بـ”الطرف الثالث”، فضلًا عن عناصر من أفراد الداخلية الذين انتشروا في جميع أنحاء الجمهورية لتنفيذ الأوامر الصادرة بمنع المظاهرات.

وأشارت الوثائق التي تجاهلها قضاة التحقيق، إلى أن الداخلية استخدمت أسلحة وذخائر محرمة دوليًّا، كما ظهر من دفاتر حركة الذخيرة بتاريخ 26/1/2011. الوثائق المسربة موقّعة من المستشار محمد عزت الشرباصي، تؤكد أن السفيه السيسي والعادلي كانا يقتلان المتظاهرين في التحرير، وأن المخلوع مبارك شاهدهم عبر قناة مشفرة، وتابع عمليات القتل لحظة بلحظة منذ بداية أحداث الثورة، وأن الداخلية استخدمت قناصة وذخيرة محرمة دوليًّا في قتل المتظاهرين، وأن السفيه السيسي وأفراد المخابرات الحربية انتشروا في ميدان التحرير، وأن قيادات إعلامية تورطت في إتلاف تسجيلات جرائم القتل!.

من جهته قال أحمد راغب، الناشط الحقوقي وعضو الأمانة العامة للجنة تقصي الحقائق في قتل المتظاهرين أثناء ثورة يناير: إن التقرير الذي استمر إعداده نحو 6 أشهر، وجمع 17 لجنة، لأحداث الثورة في الفترة بين 25 يناير 2011 وحتى 30 يونيو 2012، وخرج بإثبات تورط الداخلية والجيش في إطلاق النار الحي والخرطوش على المتظاهرين، ورفضت بعض الجهات السيادية والتلفزيون تقديم ما لديها من أدلة حول حوادث قتل المتظاهرين.

وورد في التقرير، وفقًا لقول راغب، أن المخلوع مبارك كانت لديه قناة مشفرة خصيصًا تنقل الأحداث مباشرة من ميدان التحرير، كان وزير الإعلام الأسبق أنس الفقي خصصها له، وهو ما يؤكد أن مبارك يتحمل مسئولية مباشرة عن وقائع قتل المتظاهرين، لأنه شاهد ما حدث.

وأشار راغب، إلى أن التقرير أثبت أن القوات المشاركة في فض الاعتصامات والمظاهرات من الشرطة والجيش، قامت بالاعتداء على المتظاهرين واحتجازهم دون وجه حق، واستعمال القسوة، مما يعد امتهانًا لكرامتهم الإنسانية، وخص التقرير امتهان كرامة المتظاهرات وشمل ذلك وقائع كثيرة، من بينها حالات كشف العذرية وسحل الفتيات والاعتداء عليهن، ورصد الاعتداء على معتصمين كانوا يقومون بحماية المتظاهرات.

تحصين القتلة

من جهته يقول ياسر صديق، المتحدث باسم مجلس أمناء الثورة، إن جميع الصحف المصرية- وذكر منها اليوم السابع, المصري اليوم- رفضت أن تعطى اللجنة ما لديها من صور وفيديوهات وجميع الشبكات أيضا، واستثنى منها شبكة رصد وشبكة الجزيرة، وبرر ذلك بأن الجميع كانون خائفين من العسكر.

وأضاف صديق: “أثبت تقرير تقصي الحقائق اتهام ما يقرب من 3000 إلى 4000 ضابط في جميع الأحداث بالأدلة والإثباتات التي تعدمهم”، وذكر أسماء بعينها تم التعرف عليها من خلال الفيديوهات والصور، وثبت تورطها في موقعة الجمل وهم يحيى أبو راندا الذراع الرئيسية لإسماعيل الشاعر، وشيرين أحمد فؤاد عضو الحزب الوطني بمجلس الشعب عن منطقة العباسية.

التقرير سلّمته اللجنة إلى الرئيس مرسي في 31 ديسمبر 2012، وأحاله الرئيس إلى النائب العام في حينه طلعت عبد الله، وتولت بعدها نيابة الثورة التحقيق فيما ورد بالتقرير من وقائع، وهي النيابة التي أنشئت بموجب قانون حماية الثورة، ونصّ الأخير على إعادة التحقيقات بقضايا قتل الثوار، خلال الثورة وفترة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ثم ألغاها نائب عام الانقلاب، هشام بركات، قبل اغتياله وبعد الانقلاب على الرئيس مرسي.

جدير بالذكر، أنه مع الذكرى الخامسة لانقلاب العسكر في 3 يوليو 2013م، وافق برلمان الأجهزة الأمنية برئاسة علي عبد العال، على مشروع قانون “تكريم بعض كبار قادة القوات المسلحة”، والذي يحصن السفيه السيسي وكبار الجنرالات من أي مساءلة قضائية عن الجرائم التي ارتكبوها منذ 30 يونيو حتى يناير 2016م، ومعاملتهم معاملة الوزراء، فهل يأتي اليوم الذي يساقون فيه إلى أقفاص محاكم الثورة؟.