الشّبابُ ونُذُرُ النّزوحِ إلى غلوّ ما بعد الانقلاب

محمد خير موسى:

لن يمرّ انقلاب تونس دون أن يُحدِثَ آثارا فكريّة على مستوى الشّباب؛ لا تقلّ عمقا وخطورة عن تلك التي يحدثُها الانقلاب عادة على بنية الدّولة ومستقبلها السّياسيّ.

من أهم ما ينبغي أن تلتفت إليه النخب الدعوية والتربوية والفكرية، هو أثر الانقلاب في إذكاء الغلو والتطرف، فالغلو والانحراف المتشدّد يقتاتُ على الانقلابات، كما لا يقتات على غيرِها لإثبات صوابيته، وذلك من خلال مهاجمة الدّيمقراطيّة والعمل السياسي وإثبات خطأ الطروحات الأخرى، وتسفيه التوجهات الوسطية المخالفة له التي قررت الانخراط في العمل السياسيّ، والتّحالف مع القوى غير الإسلاميّة، أو العمل معها وخوض التجارب البرلمانيّة والانتخابات المختلفة.

منهجيّة قوى الغلوّ في توظيف الانقلاب؛ انقلاب السيسي نموذجا

أهمّ ما ينبغي أن تلتفتَ إليه النّخب الدّعويّة والتربويّة والفكريّة، هو أثرُ الانقلاب في إذكاء الغلوّ والتّطرّف، فالغلوّ والانحراف المتشدّد يقتاتُ على الانقلابات، كما لا يقتات على غيرِها لإثبات صوابيّته، وذلك من خلال مهاجمة الدّيمقراطيّة والعمل السياسي وإثبات خطأ الطّروحات الأخرى، وتسفيه التوجّهات الوسطيّة


مع حدوث الانقلاب، تسارع قوى الغلوّ وتحديدا القاعدة وداعش إلى استثمار الحدث، وكأنّها وقعت على مخزون احتياطيّ هائل من التّنظير للفكر الذي تتبنّاه وتدعو إليه، مستثمرة في ذلك – إلى جانب حدوث الانقلاب – حالةَ الإحباط التي تسري في صفوف الشّباب، والكفرِ بالمبادئ التي يرفعها العالم الغربيّ من تمكين الحريّات ودعم الخيارات الديمقراطيّة، إلى جانب ارتكازٍ تأويليّ على عدد من النّصوص الشرعيّة، بما يخدم التوجّه والنّهج الذي تتبنّاه.

عقب انقلاب السّيسي على الرئيس المنتخب محمّد مرسي كانت الفاجعة الشّبابيّة عظيمة، وتجلّت في ردود فعلهم الأولى عقب الانقلاب؛ إذ ذهب كثيرٌ منهم إلى إعلان كفرهم بالتجربة الدّيمقراطيّة، والكفر بالانخراط في العمل السّياسيّ، في ظلّ هذا العالم الذي لن يقبل بوجود إسلاميّ في الحكم مهما أبدى من المرونة.

وعقب انقلاب السيسي، نشرت مؤسسة سحاب إصدارا صوتيا لأيمن الظّواهري بعنوان “صنم العجوة الدّيمقراطيّ”، الذي كان أحد أوضح محطّات الاقتيات على الانقلاب، بهدف التّنظير للفكر القاعديّ وهدم التّوجهات الأخرى في نفوس الشّباب، وكان ممّا قاله في هذا التسجيل:

“إنّ ما حدث هو أكبر دليل على فشل سلوك السّبيل الديمقراطي للوصول للحكم بالإسلام، وما حدث لم يُسبَق إليه من حيث ضخامته وبشاعته، فهو أضخم وأبشع من الفشل في الجزائر وفلسطين. ففي هذه المرة وصل الإخوان لرئاسة الجمهورية والوزارة، وحازوا أغلبية مجلسَي النواب والشورى، ورغم كل ذلك نُزِعوا بالقوة من الحكم. ولذلك أتوجه بالنصيحة لمن أيَّدوا حكومة “مرسي” فأقول لهم:

بداية؛ يجب أن نُقرَّ بأن الشرعية ليست في الانتخابات والديمقراطية، ولكنَّ الشرعية هي الشريعة، فالخارج عن الشريعة خارج عن الشرعية، والخاضع لأحكام الشريعة ممتثل ومتفق مع الشرعية. فالشرعية التي يجب أن تدافعوا عنها وتتمسكوا بها، هي حاكمية الشريعة وعلُوُّها فوق كل الدساتير والقوانين.

لقد خضتم كلَّ الانتخابات والاستفتاءات وفُزتم فيها، سواء كانت دستورية أو نيابية أو رئاسية، ورغم كل ذلك خلعوكم من الحكومة ولم يقبلوا بكم.

لقد تنازلتم عن تطبيق الشريعة وقبلتم بالمواطنة وبالدّولة المدنية وبالرابطة القومية وبحاكمية الشعب، ومجَّدتم القضاء الوضعي الفاسد، وأقررتم بسيادة القوانين المفسدة، ورغم كل ذلك لم يقبلوا بكم. لقد أقررتم باحترام المعاهدات الدولية واتفاقات الاستسلام مع إسرائيل والمعاهدات الأمنية مع أمريكا؛ ورغم كل ذلك رفضوكم.

لقد تناسيتم أن الديمقراطية حكرٌ على الغرب وليس مسموحا لمن ينتمي للعمل الإسلامي مهما قدَّم من تنازلات أن يستمتع بثمارها إلا بشرط واحد؛ أن يكون عبدا للغرب في فِكره وعمله وسياسته واقتصاده” (انتهى كلام الظواهري).

كما أصدر العدناني، النّاطق الرّسمي باسم داعش حينها، كلمة بعنوان “السلميّة دينُ من؟”، يشنّع فيها على الإخوان المسلمين الذين اختاروا السّلميّة طريقة لمواجهة الانقلاب العسكريّ في مصر، ويعلن كفرهم لأنّهم قبلوا بالطريق الدّيمقراطيّ للوصول إلى الحكم.

وتمثّل الكلمتان نموذج الاستثمار القاعديّ والدّاعشيّ للانقلابات، بما يخدم فكرتها ويرسّخ توجهها في نفوس الشّباب.

عقبَ مذبحةِ رابعة، شهدنا حالة من النّزوح الفكريّ للمئات من شباب الإخوان المسلمين في مصر وغيرهم من الشّباب الإسلاميّ المصريّ وغير المصريّ؛ الذين عاشوا بأنفسهم أو بقلوبهم وأرواحهم مأساة وآلام الانقلاب، وعاشوا مذبحة رابعة وفشل أو إفشال التجربة الدّيمقراطيّة وخنق التجربة الإسلاميّة، فنزحوا من الفكر الوسطيّ لينصبوا خيام أفكارهم في أرض القاعدة وداعش


وعقبَ مذبحةِ رابعة، شهدنا حالة من النّزوح الفكريّ للمئات من شباب الإخوان المسلمين في مصر وغيرهم من الشّباب الإسلاميّ المصريّ وغير المصريّ؛ الذين عاشوا بأنفسهم أو بقلوبهم وأرواحهم مأساة وآلام الانقلاب، وعاشوا مذبحة رابعة وفشل أو إفشال التجربة الدّيمقراطيّة وخنق التجربة الإسلاميّة، فنزحوا من الفكر الوسطيّ لينصبوا خيام أفكارهم في أرض القاعدة وداعش، وليكونوا بعد ذلك سهاما في كنانة هذه الجماعات والتّنظيمات، ولينتهي الأمر بمقتل العشرات منهم في سوريا والعراق وسيناء.

بين يدي النّزوح الشبابيّ إلى الغلوّ عقب انقلاب تونس

هنا لا بدّ من التأكيد أنّه من الطبيعيّ أن تكون هناك تحفّظات عند شرائح من الدعاة أو العاملين في الحقل الإسلاميّ؛ على البراغماتيّة التي تتصف بها بعض التيارات أو التنظيمات أو الجماعات الإسلاميّة في تعاملها مع الديمقراطيّة، ولكنّ هذا لا يسوّغ أبدا الهجوم على التيارات الإسلاميّة الوسطيّة أو البراغماتيّة وشيطنتها لصالح تبييض وجه تنظيمات الغلوّ والتّكفير وتزكية مناهجها، أو شيطنة التجربة التي خاضتها هذه الجماعات دون طرح لبدائل حقيقيّة واقعيّة ممكنة.

كما أنني أستطيع التأكيد بأنّ ما جرى بعد انقلاب مصر من حالة إحباط تدفعُ إلى الكفر بأيّ عمل إسلاميّ ينتهجُ الخيارات السياسيّة؛ سيتجلّى بشكل أشدّ وأقسى عقب انقلاب تونس، التي يتعامل الشّباب مع الانقلاب فيها على أنّه المسمار الأخير في نعش ربيعهم، الذي حلّقت أرواحهم وآمالهم فيه إلى منتهى الأعالي.

ولا أستطيع إخفاء تخوّفي الشّديد وتوقّعي من حالة نزوح واسعة من الشّباب باتّجاه فكر الغلوّ الذي يكفر بالعمل السياسي والحركات والجماعات الإسلاميّة، التي تتبنّى العمل السياسيّ والخيارات الدّيمقراطيّة. وستعتمد حركة النّزوح هذه على تأويلٍ لنصوص شرعيّة في خطابها، لكنّ مصدر التّغذية الرّئيس لها، هو الانقلاب الذي جعل الشباب يرفعون أصواتهم مرسّخين قناعاتِهم مقرّرين: هذه هي الدّيمقراطيّة التي آمنتم بها فلم تجلب لكم إلا الانقلابات في مصر، والآن تدقّ آخر مسمار في نعش الربيع العربيّ في تونس؟ وهذا هو العالم الذي تزلفتم له، ومع ذلك لم ولن يقبلنا مهما تنازلنا عن ديننا ومبادئنا لإرضائه؟ إنّا كفرنا بكم وبديمقراطيّتكم وبمنهجكم الانبطاحيّ!

لا أستطيع إخفاء تخوّفي الشّديد وتوقّعي من حالة نزوح واسعة من الشّباب باتّجاه فكر الغلوّ، الذي يكفر بالعمل السياسي والحركات والجماعات الإسلاميّة، التي تتبنّى العمل السياسيّ والخيارات الدّيمقراطيّة


نُذُرٌ مرعبة وخدماتٌ مجانيّة للغلوّ

المرعب في الأمر، أنّ ردود الفعل الأولى التي كانت متوقّعة الصّدور من رموز القاعدة وداعش وعلى معرّفاتهم في وسائل التواصل الاجتماعيّ؛ جاءت بشكل أسرع بكثير من شخصيّات علمائيّة ودعويّة وشرعيّة محسوبة على المؤسسات العلميّة الشرعيّة ذات التوجّه الوسطيّ.

فعلى سبيل المثال، نشر أحد أعضاء المجلس الإسلاميّ السوريّ، وهو أبو بصير الطّرطوسي، أحدُ منظّري السلفيّة الجهاديّة، عدة تغريدات جاء في بعضها:https://googleads.g.doubleclick.net/pagead/ads?client=ca-pub-6831848996847337&output=html&h=280&adk=3218557272&adf=715515098&pi=t.aa~a.1403564043~i.10~rp.1&w=1200&fwrn=4&fwrnh=100&lmt=1627653095&num_ads=1&rafmt=1&armr=3&sem=mc&pwprc=6576306282&psa=0&ad_type=text_image&format=1200×280&url=https%3A%2F%2Fm.arabi21.com%2FStory%2F1374892&flash=0&fwr=0&pra=3&rh=200&rw=1319&rpe=1&resp_fmts=3&wgl=1&fa=27&dt=1627572249429&bpp=8&bdt=9163&idt=9&shv=r20210727&mjsv=m202107280101&ptt=9&saldr=aa&abxe=1&cookie=ID%3Df0bd8c386877f67b-22ddd3a98ec800c6%3AT%3D1627572256%3ART%3D1627572256%3AS%3DALNI_MblkZRQ-R0Qf5L1wK3jwPjjIVbkHA&prev_fmts=0x0%2C1200x280%2C1200x280&nras=3&correlator=2576955142399&frm=20&pv=1&ga_vid=1046748704.1627572247&ga_sid=1627572249&ga_hid=1469863666&ga_fc=0&u_tz=120&u_his=1&u_java=0&u_h=768&u_w=1366&u_ah=728&u_aw=1366&u_cd=24&u_nplug=2&u_nmime=2&adx=75&ady=3520&biw=1349&bih=626&scr_x=0&scr_y=1035&eid=42530672%2C20211866&oid=3&pvsid=3243494858928317&pem=546&eae=0&fc=384&brdim=0%2C0%2C0%2C0%2C1366%2C0%2C1366%2C728%2C1366%2C626&vis=1&rsz=%7C%7Cs%7C&abl=NS&fu=128&bc=31&ifi=3&uci=a!3&btvi=3&fsb=1&xpc=jFZcgpXRaz&p=https%3A//m.arabi21.com&dtd=M

“حركة النهضة التونسية بقيادة الغنوشي؛ لن تجدوا عليكم باكيا، هذا جزاء من يرفع شعار “فصل الدعوة عن السياسة”، وشعار “الحرية قبل الإسلام، وقبل تطبيق تعاليم وشرائع الإسلام”، فلا أنتم حققتم حرية، ولا أنتم نصرتم دينا!”.

وقال في تغريدة أخرى: “ما حصل لحركة النهضة التونسية بقيادة الغنوشي، أمر متوقع؛ حتى لا تتحول حركة النهضة إلى شاهد زور على الإسلام، يستدلّ بها الدارسون والعاملون، والمغفّلون، على إمكانية خدمة الإسلام ونصرته، من خلال نهج الحركة الباطل والمتميّع!”.

وبعيدا عن لغّة التّشفّي غير اللائقة في التّغريدات، غير أنّ الخطورة تكمن في أنّها تصبّ في خدمة خطاب القاعدة وداعش في تأكيد صواب منهجهما، من خلال إثبات عوار منهج الجماعات التي قبلت أن تنتهج العمل السياسيّ، وتشيطن عملها وجهدها، وهو عين ما تصبو إليه القاعدة وداعش.

وفي منشور آخر كتبه الدّكتور محمّد أيمن الجمّال، وهو أستاذ جامعيّ سوريّ وعضو في رابطة العلماء السوريّين، وهو ذو فكر إخوانيّ ومشرب صوفيّ؛ على حسابه في فيسبوك يقول:https://googleads.g.doubleclick.net/pagead/ads?client=ca-pub-6831848996847337&output=html&h=280&adk=3218557272&adf=1395335044&pi=t.aa~a.1403564043~i.30~rp.1&w=1200&fwrn=4&fwrnh=100&lmt=1627653126&num_ads=1&rafmt=1&armr=3&sem=mc&pwprc=6576306282&psa=0&ad_type=text_image&format=1200×280&url=https%3A%2F%2Fm.arabi21.com%2FStory%2F1374892&flash=0&fwr=0&pra=3&rh=200&rw=1319&rpe=1&resp_fmts=3&wgl=1&fa=27&dt=1627572249455&bpp=5&bdt=9189&idt=5&shv=r20210727&mjsv=m202107280101&ptt=9&saldr=aa&abxe=1&cookie=ID%3Df0bd8c386877f67b-22ddd3a98ec800c6%3AT%3D1627572256%3ART%3D1627572256%3AS%3DALNI_MblkZRQ-R0Qf5L1wK3jwPjjIVbkHA&prev_fmts=0x0%2C1200x280%2C1200x280%2C1200x280&nras=4&correlator=2576955142399&frm=20&pv=1&ga_vid=1046748704.1627572247&ga_sid=1627572249&ga_hid=1469863666&ga_fc=0&u_tz=120&u_his=1&u_java=0&u_h=768&u_w=1366&u_ah=728&u_aw=1366&u_cd=24&u_nplug=2&u_nmime=2&adx=75&ady=3829&biw=1349&bih=626&scr_x=0&scr_y=1333&eid=42530672%2C20211866&oid=3&pvsid=3243494858928317&pem=546&eae=0&fc=384&brdim=0%2C0%2C0%2C0%2C1366%2C0%2C1366%2C728%2C1366%2C626&vis=1&rsz=%7C%7Cs%7C&abl=NS&fu=128&bc=31&ifi=4&uci=a!4&btvi=4&fsb=1&xpc=KDf65ASX9P&p=https%3A//m.arabi21.com&dtd=M

“من آمن بالدّيمقراطية وقدّم نفسه أُقصِيَ عن الحكم، ولكم في عباسي مدني الجزائر 1992، وأربكان تركيا 1997، وهنية فلسطين 2006، ومرسي مصر2013 عبرة بالغة. ومن آمن بها ونأى بنفسه ولم يتقدّم للحكم، ولم يأخذ الصّف الأول، وقدّم العلمانيين واللّيبراليين والقوميّين، أقصي عن الحكم كذلك، ولكم في تجربة ليبيا 2016، وتجربة تونس 2021 عبرة وعظة. لم يفلح من آمن بالدّيمقراطية سبيلا للتغيير وطريقا للإصلاح السّياسي والمجتمعي”.

وفي منشور آخر يقول:

“تخلّت لهم النّهضة عن ثوبها الإسلاميّ فخلعته أو كادت! وسلّمتهم مقاليد الحكم فلم تستأثر بسلطة! ودخلت في لعبتهم الدّيمقراطية بكل قذارة أدواتها وانحطاط مبادئها، فلم يكن حظّها منهم إلا الإقصاء والهجوم الإعلامي والحصار السّياسي والاجتماعي!!”.

هذا الخطاب – بغضّ النّظر عن قصد قائله من عدمه – هو تماما الخطاب الذي تقتات جماعة الغلوّ عليه في ترسيخ قناعة الشباب بصواب منهجها، وترسيخ فكرة الكفر بالعمل السياسيّ والكفر بالجماعات التي تنتهج هذا النّهج ولو رفعت الإسلام شعارا لها، فهو خدمةٌ مجانيّةٌ لتكريسِ الغلوّ في أنفس الشباب اليائس المحبط.https://googleads.g.doubleclick.net/pagead/ads?client=ca-pub-6831848996847337&output=html&h=280&adk=3218557272&adf=969491271&pi=t.aa~a.1403564043~i.50~rp.1&w=1200&fwrn=4&fwrnh=100&lmt=1627653127&num_ads=1&rafmt=1&armr=3&sem=mc&pwprc=6576306282&psa=0&ad_type=text_image&format=1200×280&url=https%3A%2F%2Fm.arabi21.com%2FStory%2F1374892&flash=0&fwr=0&pra=3&rh=200&rw=1319&rpe=1&resp_fmts=3&wgl=1&fa=27&dt=1627572249474&bpp=4&bdt=9208&idt=4&shv=r20210727&mjsv=m202107280101&ptt=9&saldr=aa&abxe=1&cookie=ID%3Df0bd8c386877f67b-22ddd3a98ec800c6%3AT%3D1627572256%3ART%3D1627572256%3AS%3DALNI_MblkZRQ-R0Qf5L1wK3jwPjjIVbkHA&prev_fmts=0x0%2C1200x280%2C1200x280%2C1200x280%2C1200x280&nras=5&correlator=2576955142399&frm=20&pv=1&ga_vid=1046748704.1627572247&ga_sid=1627572249&ga_hid=1469863666&ga_fc=0&u_tz=120&u_his=1&u_java=0&u_h=768&u_w=1366&u_ah=728&u_aw=1366&u_cd=24&u_nplug=2&u_nmime=2&adx=75&ady=4165&biw=1349&bih=626&scr_x=0&scr_y=1671&eid=42530672%2C20211866&oid=3&pvsid=3243494858928317&pem=546&eae=0&fc=384&brdim=0%2C0%2C0%2C0%2C1366%2C0%2C1366%2C728%2C1366%2C626&vis=1&rsz=%7C%7Cs%7C&abl=NS&fu=128&bc=31&ifi=5&uci=a!5&btvi=5&fsb=1&xpc=v9RAwF9RSV&p=https%3A//m.arabi21.com&dtd=M

أمّا الدّكتور محمّد الصّغير، وهو عالمٌ أزهريّ من مصر وهو عضو مجلس الأمناء في الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين، فغرّد على تويتر قائلا:

“استسلام راشد الغنوشي لمنعه من دخول البرلمان، يثبت أن سنّ الرجل وصحته وطريقته لا تؤهّله لقيادة شعب والوقوف أمام انقلاب، إن كان مبررا تمسك الغنوشي بقيادة النّهضة وقت السلم فالأمر يتطلب الآن قيادة للثورة وليس للحركة، وإن لم يُتدارك الخلل، فعلى ائتلاف الكرامة تصدر المشهد وقيادة الجماهير”.

والتغريدة من حيثُ المبدأ فيها أستذةٌ مبالغ فيها على الغنّوشي الخارج للتوّ من معاناة كورونا، غيرَ أنّ هذا ليس هو اللافت فيها، بل اللافت للغاية هو ردّ وتعليق الدّكتور محمد بن سالم آل الدّهشلي اليافعي، وهو مدير مكتب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في قطر، على التغريدة وموافقة الدّكتور الصّغير على الرّد من خلال تثبيت إعجابه عليه، حيث يقول الدّهشلي اليافعي:

“بل وصل به الأمر (يقصد الغنّوشي) أن شكر الضباط والجنود الذين منعوه من دخول البرلمان!! هل يتجلى الضعف والخنوع بصورة أبلغ من هذه الصورة!! من يتصدر لحمل أمانة تمثيل المسلمين ولا يعدّ القوة لحفظ الأمانة، يجب أن يحاسب بل يحاكم. الإخوان ابتدعوا فقه الخنوع والخضوع لعسكر سايكس بيكو”.

هذه المنشورات والتّغريدات من حيث يدري أصحابها أم لا؛ تصبّ في صالح الخطاب القاعديّ الدّاعشيّ الذي يقتات على الانقلاب عادة، مستغلا حالة الكفر بالتجربة الديمقراطيّة والإحباط من أيّ عمل سياسيّ


هذه بضعة نماذج لردّات فعل من علماء ودعاة من جنسيّات مختلفة ومشارب فكريّة متعدّدة، ولهم حضور وانتماء لمؤسّسات ذات منهج وسطيّ. ولستُ هنا في وارد مناقشة انتقادهم للنهضة وقيادتها، بل ما يهمّني هو أثر هذا الكلام في خدمة قوى الغلوّ وخطابِها. فهذه المنشورات والتّغريدات من حيث يدري أصحابها أم لا؛ تصبّ في صالح الخطاب القاعديّ الدّاعشيّ الذي يقتات على الانقلاب عادة، مستغلا حالة الكفر بالتجربة الديمقراطيّة والإحباط من أيّ عمل سياسيّ، ليؤكّد أنّ نهجه في المواجهة القتاليّة الصّرفة ومواجهة الآخرين جميعا لاستلام الحكم والتمكّن منه، هو الوجهة الصّحيحة.

ماذا يجبُ على النّخب العلميّة والشّرعيّة والتّربويّة؟

قد لا يكون خطابُ الغلوّ هذا مقنعا لكثير من النّخب العلميّة والشّرعيّة والدّعويّة، فلا ترى فيه خطرا حقيقيّا، لكنّ ما ينبغي على هذه النّخب أن تعيه جيدا، أنّ الخطاب القائم على إثباتِ أنّ فشل أو إفشال الممارسة الدّيمقراطيّة دليلٌ على صحّة منهج القاعدة وداعش، وعلى المفاصلة مع العمل السياسيّ والجماعات والتيارات الإسلاميّة الوسطيّة؛ إنّما يتسرّب إلى قناعات شرائح واسعة من الشباب من شقوق اليأس والإحباط، فيتحوّل إلى انتماءات تفكيريّة تنتج عنه توجّهات تكفيريّة ثم سلوكيّات تفجيريّة.

إنّ نُذُرَ النّزوح الشّبابيّ إلى ميادين الغلو وتنظيمات التّكفير تلوح بقوّة عقب انقلاب تونس، وهذا يتطلّب من العلماء والدّعاة على مستوى الأفراد والمؤسسات أمرين اثنين:

الأوّل: ضبط وترشيد خطابهم الفرديّ والجماعيّ والتّفكر في مآلاته على الشّباب في التّعامل مع الانقلاب.

والثّاني: استنفار جهودهم وعقد ورشات عمل تخصصية تجمع العلماء والدعاة والتربويين وعلماء النفس والاجتماع، للخروج بآليّات عمليّة لمواجهة ما يترتّب على الانقلاب من نزوحٍ شبابيّ واقع ومتوقّع إلى مواطن الغلوّ والتّكفير، فها هي النّذرُ تتضافر بين أيديكم، فهلا استنفرَتكُم النُّذُر؟!