الجيش المصري.. من الصناعات الحربية للأدوات المنزلية واللحوم

الجيش المصري.. من الصناعات الحربية للأدوات المنزلية واللحوم

محمد النجار-الجزيرة نت
 
“أصدرتُ تعليمات للقوات المسلحة بدخول السوق لطرح كميات إضافية من الدواجن لخفض الأسعار”، بهذه الكلمات تحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مؤخرا، في حديث بات مكررا من الرئيس وعدد من كبار ضباط جيشه الذين تحولوا من المهام العسكرية لإدارة شركات تصنع الأدوات المنزلية واللحوم والدهانات، وغيرها من الصناعات المدنية.

ويكشف تحقيق مطول بثته وكالة رويترز أمس الأربعاء عن الازدهار غير المسبوق الذي تعيشه استثمارات شركات التصنيع العسكري المصرية، وكيف باتت تنافس شركات القطاع الخاص التي يشكو الكثير منها مما تراه منافسة غير عادلة تتعرض لها من شركات الجيش المصري.
لكن التدقيق في تفاصيل التحقيق -الذي قالت رويترز إنه استغرق منها عاما كاملا- يكشف عن جانب لافت يتعلق بتحول شركات أنشأت للتصنيع الحربي لصالح الجيش الأكبر عربيا، إلى شركات تنتج الأدوات المنزلية والمواد الغذائية واللحوم، والمنافسة في السوق العقارية، ليبرز التساؤل الكبير عن مصير التصنيع العسكري في مصر اليوم.
منفذ لبيع منتجات الجيش المصري (مواقع التواصل الاجتماعي)

العصر الذهبي
كما يكشف التحقيق عما يشبه “عصرا ذهبيا” تعيشه الشركات التابعة للقوات المسلحة المصرية في عهد السيسي الذي منحها امتيازات ودعما كبيرا جعلها تأخذ حصة كبيرة من السوق المصري.

وحسب التحقيق فإن وزارة الإنتاج الحربي المصرية تتوقع أن تصل إيرادات التشغيل من شركاتها العشرين إلى 15 مليار جنيه مصري في السنة 2018-2019، أي 5 أمثال ما كانت عليه في 2013-2014، عندما نفذ السيسي انقلابه على الرئيس المعزول محمد مرسي.
وتخضع المشروعات التجارية التابعة للقوات المسلحة لثلاث جهات رئيسية؛ هي:
– وزارة الإنتاج الحربي التي تشرف على 20 شركة.
– وزارة الدفاع التي تسيطر على العشرات من الشركات.
– الهيئة العربية للتصنيع المملوكة للحكومة المصرية والمسؤولة عن 12 شركة على الأقل.
سيارة لبيع منتجات الجيش المصري (مواقع التواصل الاجتماعي) 
وزارة الإنتاج الحربي المصرية تتوقع أن تصل إيرادات التشغيل من شركاتها العشرين إلى 15 مليار جنيه مصري في السنة 2018-2019، أي 5 أمثال ما كانت عليه في 2013-2014، عندما نفذ السيسي انقلابه على الرئيس المعزول محمد مرسي

من التصنيع الحربي للمدني
وبعيدا عن الأرقام، يكشف التحقيق كيف تحولت شركات للإنتاج الحربي إلى الصناعات المدنية، وأبرز الأمثلة على ذلك ما يلي:

* شركة المعادي للصناعات الهندسية التي تملكها وزارة الإنتاج الحربي:
تأسست هذه الشركة عام 1954 من أجل تصنيع قاذف القنابل الآلي، والمسدسات والبندقية الآلية.
وفي السنوات الأخيرة بدأت الشركة تتجه لإنتاج الصوب الزراعية والأجهزة الطبية ومعدات الكهرباء وأجهزة التمرينات الرياضية، ولدى الشركة خطط لافتتاح 4 مصانع جديدة، ولديها مشروعات عديدة، منها مشروع تبلغ كلفته 495 مليون جنيه مصري (28 مليون دولار) لوزارة الكهرباء، وعقد لإعادة تدوير النفايات الزراعية في الجزائر بقيمة 400 ألف دولار.
وتتباين التقديرات بشأن حجم الدور الذي يلعبه الجيش في الاقتصاد، في ديسمبر/كانون الأول 2016 قال السيسي إن الجيش يمثل ما يصل إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي، ونفى ما تردد عن أن اقتصاد القوات المسلحة يمثل 20% أو حتى 50% من الاقتصاد.
ونقلت رويترز عن أحد أساتذة العلوم السياسية البارزين -طلب عدم نشر اسمه- قوله إن الرقم يقدر بحوالي 3% من الناتج المحلي الإجمالي، الذي قدره البنك الدولي بواقع 336 مليار دولار في 20166.
سيارة لبيع منتجات الجيش المصري (مواقع التواصل الاجتماعي)

من القنابل للدهانات
*شركة هليوبوليس للصناعات الكيميائية:

تأسست عام 1949 لإنتاج القنابل اليدوية ومدافع المورتر وفتائل التفجير والكيماويات.
تنتج الشركة حاليا الدهانات، ولديها طموح لتصبح شركة الدهانات الأولى في مصر، حيث تحالفت العام الماضي مع شركة باكين، التي تملك الدولة غالبية أسهمها، لمحاولة منافسة شركة جوتن النرويجية التي تتصدر سوق الدهانات في مصر.
* شركة أبو زعبل للصناعات الهندسية:
تأسست شركة أبو زعبل عام 1974 لتصنيع قطع المدفعية للقوات المسلحة، لكنها تنتج الآن منتجات عديدة من الصلب المخصوص.

من الذخائر الثقيلة.. لأواني الطبخ
*شركة حلوان للصناعات الهندسية:

تأسست عام 1954 لصنع المكونات المعدنية للذخائر الثقيلة.
وفي الثمانينيات بدأت الشركة تصنيع أواني الطهي وأدوات المائدة وطفايات الحريق وأسطوانات الغاز.
وقال رئيسها اللواء شكري القمري إن مبيعات أدوات المطبخ مزدهرة منذ خفضت مصر قيمة عملتها في العام 2016، الأمر الذي رفع أسعار السلع المستوردة، وأضاف “احنا مش قادرين نلاحق على الطلب”.
*شركة العريش للإسمنت:
تعمل الشركة حاليا على إنشاء أكبر مصنع للإسمنت في الشرق الأوسط في مدينة بني سويف باستثمار يبلغ مليار دولار.
يتوقع أن ينتج هذا المصنع نحو 12.6 مليون طن من الإسمنت سنويا، وأدى إنشاء هذا المصنع لشكوى شركات تعمل في السوق من تعرضها لخسائر كبيرة، حيث أوقفت الشركة القومية للإسمنت المملوكة للدولة إنتاجها، كما أعلنت شركة السويس للإسمنت التي تملك هايدلبرغ الألمانية أغلبية أسهمها أن خسائرها المجمعة لعام 2017 تضاعفت إلى مثليها لتصل إلى 1.14 مليار جنيه، بينما أعلنت شركة الإسكندرية لإسمنت بورتلاند التي تملك تيتان اليونانية غالبية أسهمها أن خسائرها المجمعة زادت 10 أمثال لتصل إلى 513.9 مليون جنيه.

العاصمة الجديدة
* تطوير العاصمة الجديدة:

يملك الجيش 51% من شركة تتولى تطوير العاصمة الإدارية الجديدة التي تقدر استثماراتها بنحو 45 مليار دولار، وتقع على مسافة 75 كيلومترا شرقي القاهرة.
* شركة الإنتاج الحربي للمشروعات والاستشارات الهندسية والتوريدات العامة:
ولدت من خلال فريق من خمسة موظفين في مكتب صغير بوزارة الإنتاج الحربي عام 2012، قبل أن يعلن تأسيسها بمرسوم وزاري عام 2015.
يعمل 70 موظفا الآن في مقر الشركة الجديد بحي مدينة نصر شمالي القاهرة، وتبرم صفقات مع وزارات التعليم والشباب وتشارك في مشروعات للصرف الصحي والري، وأقامت حوضا للسباحة لأحد الأندية الرياضية الكبرى، وتعمل على تطوير قطاع السكك الحديدية، كما أقامت أكثر من 60 مدرسة، وبنت مقرات لمؤسسات ترتبط بالأزهر الشريف، وتعمل على إنشاء مصنع للخرسانة المسلحة.
كما يورد التحقيق صناعات أخرى باتت تنافس فيها القوات المسلحة المصرية، وأبرزها اللحوم والدواجن والأسماك التي أنشأ الجيش واحدا من أكبر مصانعها في مصر.
جندي يبيع منتجات الجيش المصري على الرصيف (مواقع التواصل الاجتماعي)

منافسة تجار الأرصفة
وبعيدا عن الأرقام التي يوردها تحقيق رويترز وتظهر حجم المنافسة غير المتكافئة بين الجيش الذي تحول كثير من كبار ضباطه لرجال أعمال من أصحاب الملايين، ينقل التقرير اعتراضات البعض على استثمارات الجيش “على أساس أن مهمته هي حماية البلاد من الأخطار الخارجية”.

وتنقل عن الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة حازم حسني، المتحدث باسم سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق، قوله “وصلنا لدرجة أنهم ينافسون حتى تجار الأرصفة”.
وأضاف “أنا أعتقد أن أي ضابط يحترم نفسه بالتأكيد يستاء من أن جنديا تحت رئاسته يقف على نواصي الشوارع لبيع أفخاذ الفراخ (الدجاج)”.

المصدر : رويترز