أخي … أين أنت الآن؟

أفي حجرتك تفكر في دعوتك؟ ام في مسجدك تُسبح بحمد ربك؟ ام في حساب مع نفسك؟ أم في خلوتك واضعا يدك على خدك والمصحف في حجرك والدمع يجري من عينيك وأنت تقرأ كتاب ربك؟ أم بين إخوانك تحدث وتدرس؟ أم في جمع من الناس تبشر وتنذر وتعظ وتذكر؟…

أين أنت الآن أيها الأخ الحبيب؟.

إن روحي لتجوب الآفاق الآن لتطلع عليك ، وترف حواليك ، لتبثك نجوى ولتفرغ في قلبك حديثا, أفتسمح لي بشيء من وقتك لتصغي إلى ما اقول؟ فلقد ألح عليّ الشوق ، وبرح بي الحب ، وامتلأ القلب ففاض على لساني, ولم يعد بإمكاني الكتمان.

أين أنت الآن أيها الأخ الحبيب… قل لي بربك ولا تكتم ولا تتخفى عليّ ؛ فليس من شيمة الأخ أن يتخفى على أخيه ويتستر على شقيق روحه… أفصح ولا تتمتم فقد عيل صبري بانتظار أمر أحوج ما أكون إليه ، وكاد نور أملي يخبو ولما أبلغ الغاية ، والركب قد بعد ولا أزال في انتظارك… فقل لي أين أنت الآن؟ فاني بحاجة إلى قربك ، لأهدهدَ ألآمي وأشاركك آمالي… لقد أحببتك حبا احتسبه عند الله ، فبادلني حبا بحب ، وودا بود فالمتحابون في الله على منابر من نور يوم القيامة.

أخي… لقد قال العارفون: أعط دعوتك كَلَّلَك, وقتك وفكرك وجهدك ومالك وروحك, فلمَ نبخل بهذا العطاء وهو بجنب رضا الله قليل؟ وهل نحن وما نعطي الا عارية نردها الى معيرها؟ ووديعة نسلمها الى مودعها؟ فما هذا الشح ونحن نسمع قول الله (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم….) ، أفلا نجاهد نفوسنا لتجود بهذا العطاء ، ونحن نعلم ان الخُلُق بالتخلُّق والطبع بالتطبع، والدعوة لن تنجح إلا بهذا النوع من الدعاة الذين يعيشون لها ولا يعيشون عليها (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا).

أخي أيردُكَ عن دعوتك ما تجد في طريقك من وِهاد وأخاديد وأشواك وأنت تعلم أن طريقك سيوفى بك إلى جنة عالية ، قطوفها دانية….؟ ، لا, إن ثقتي بك كبيرة ، وظني بك حسن, فاستشعر رفقه من سار قبلك في هذا الطريق من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا…. لتقوى على السير وتندفع نحو الغاية.

أخي… أحاضر أنت للابتلاء والامتحان؟ فالذهب لا بد له من افتتان لينقى من خبث ويصفو من كدر (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ).

أخي… ارفع مصباحك عاليا وضمه الى مصباح غيرك ، فما ينبغي في الظلمة الشديدة أن تتباعد الشموع وتتفرق المصابيح… ولا تبتئس إذا لم يبصر البعض نورك ، فليست العلة في قلة النور وضعف الضياء ولكن في سمك العِصَابة التي على الأبصار والبصائر (وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ).

أخي أودعك ولا أطيل عليك ، وإن كان قلبي كثير التلفت إليك ، فقد تعلمنا فيما تعلمناه إذا كانت لك حاجة مع أخيك فأوجز فالوقت قصير والأعمال كثيرة.

والله اكبر ولله الحمد

أخوك: عبد الكريم زيدان