أخلاقيات الفيس بوك في ضوء المفاهيم الإسلامية

عزة مختار :

تحولت مواقع التواصل الاجتماعي من مجرد صفحات لإبداء الرأي والتواصل مع الآخر لزيادة الجانب المعرفي وتوثيق الروابط الاجتماعية والتي انقطعت بسبب الانشغال في الأمور الحياتية ، تحولت لساحات مجتمعية كالمقاهي والأندية يقع فيها الأكثرية في تكوين علاقات غير سوية ، وتكوين منتديات للغيبة والنميمة والعلاقات بين الشباب والشابات والرجال والنساء وتغييب المفاهيم والتجسس وتحسس أخبار الناس ، حتى أصبح الفيس بوك وسيلة هدم لبيوت آمنة ، حيث أنه يمثل الستر والخفاء في حدوث الكوارث ، فكل مستخدم يتحدث من خلف شاشة لا تدري بحقيقته إن لم تكن تعرفه شخصيا فعليك الحذر منه ، والتخفي ينزع برقع الحياء ، ويزيل الخشية من الله ومن أعين الناس فيقدم الفرد علي مالا يستطيع القيام به علانية ، فلا رقيب سوي الله ثم الضمير الإيماني الذي يغيب بالتدريج خلف تلك الستر المختلفة ، والجميع يحسب أنه في مأمن من العقاب ، عقاب الناس بالفضح ، وعقاب الله عز وجل بالمراقبة التي لا تغيب حتى تنقطع الأنفاس وتصعد الروح إلي بارئها ، وبما أن تلك المنصات أصبحت ضرورة من ضرورات الحياة لا يمكن الاستغناء عنها ، فقد أصبح لزاما علي أصحاب الرأي أن يقننوا استخدامها بوضع ضوابط تخضع للمعايير الإسلامية وليس معايير مخترع تلك الصفحات تلزم الجميع بإتباعها باجتهاد قدر الاستطاعة ولنا في رسول الله صلي الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم أسوة حسنة حين نهاهم عن الجلوس في الطرقات ـــ وهي تشبه لحد كبير تلك المواقع اليوم ـــ كما يخبرنا الحديث الشريف عنْ أَبِي سَعيدٍ الْخُدْرِيّ ِرضي الله عنه عن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِيَّاكُم وَالْجُلُوسَ في الطُّرُقاتِ، فقَالُوا: يَا رسَولَ اللَّه، مَا لَنَا مِنْ مَجالِسنَا بُدٌّ، نَتحدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِس فَأَعْطُوا الطَّريقَ حَقَّهُ، قالوا: ومَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رسولَ اللَّه؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَر، وكَفُّ الأَذَى، ورَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بالْمَعْروفِ، والنَّهْيُ عنِ الْمُنْكَرِ ” والحديث متفقٌ عَلَيهِ ، واستنادا لهذا الحديث الكريم نستطيع أن نخرج بجملة أخلاقيات تبعا لرصدنا للوقوع فيها علي الفيس بوك من قبل الكثيرين والله المستعان
شهادة الزور
قد يتساهل البعض في الضغط علي زر الإعجاب أو ما إلي ذلك دون أن يقرأ المنشور ، أو انه يضغطها من باب المجاملة ، أو انه يتحامل علي صاحب المنشور لمأرب ما فيعلق تعليقات تدل علي الغضب أو الرفض ، ليس للتجرد في عرض رأي ، وإنما قصاصا لخلفية أخري ، ول تلك الأحوال تدخل في باب الشهادة ، قد يكون من حقك أن تمتنع عن إبداء الرأي بالطبع ، لأنه لن يستطيع أحد أن يمر علي كل ما هو منشور ليبدي رأيه به ، لكن إبداء الرأي يستوجب الصدق والأمانة وإبداء النصح بالاستحسان أو الخلاف أو الإضافة ، والنبي صلي الله عليه وسلم حذر بشدة من قول الزور وشهادة الزور ، فإيانا والوقوع فيها .
الخوض في الأعراض
وقد حذر الإسلام من الخوض في أعراض الناس والنيل منهم ، والإشارة لأحدهم في كلام ينم عن الفاحشة ولو بالباطن ليعلم القارئ إلي من يشير الحديث ، والخائض في أعراض الناس هو بين مصيبتين ، إما أنه صادق وهنا ينطبق عليه قول الله تعالي : ” إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ” { النور: 19}. فالحديث في مثل تلك الأمور يجرئ البعض الآخرين علي الخوض فيها ، ويبيح آخرين الاستماع إليها حتى يعتادوها ، فتنتشر كلمات الفاحشة والرذيلة في المجتمع ، لذا جعل الله عز وجل عقوبة الخوض في العرض ثمانين جلدة وهي قريبة من عقوبة الفاعل الغير محصن ( مائة جلدة ) لخطورة تعودين الأسماع لتلك المفردات
وإما أنه كاذب أو مجرد مشتبه فيكون حكمه كما ورد في الحديث الشريف عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَأَيَّمَا رَجُلٍ أَشَاعَ عَلَى رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِكَلِمَةٍ، وَهُوَ مِنْهَا بَرِيءٌ سَبَّهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُذِيبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي النَّارِ حَتَّى يَأْتِيَ بِإِنْفَاذِ مَا قَالَ.
التنابز بالألقاب والسخرية من خلق الله
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ “
نشر احدهم صورتين متجاورتين لامرأة أفريقية سوداء ، وأخري أسيوية بيضاء في مزحة سخيفة بأن السوداء تدفع مهرا كذا لمن يتزوجها ، وأن البيضاءيدفع لها مهرا كذا ، والجميع يتندر علي صورة المرأة السوداء رجالا ونساء وهم يعلمون أنهم يخوضون في كبيرة ، ويسخرون من خلق الله ، ويتحدثون في عنصرية مخالفين صريح الدين من أنه لا فضل لعربي علي أعجمي ، ولا لأبيض علي أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح ، وهم يحسبون أنه مجرد مزاح لا ينبني عليه جزاءا أو أجرا ، بينما يقعوا في الحرام البين
المزاح بين النساء علي العام
وقد تتبسط بعض النساء في الحوار علي العام بينها وبين مجموعة من النساء بإطلاق النكات وكتابة كلمات تثير الرجال حتى ولو لم يكونوا مشاركين في الحوار بحجة انه حوار نسائي خالص فلا دخل للرجال فيه ، ويحق لها أن تكتب ما تشاء ، وهي تنسي أن الخيال خلف الشاشات مطلق العنان لصاحبه أن يتخيل تلك التي كتبت دون ضوابط شرعية ، فتفسد نفوسا وهي لا تدري تبعات ما تكتب
اقتحام الخاص بين الجنسين
يدخل الرجل ، أو تدخل المرأة يلقي أحدهم السلام وينتظر الجواب ، ثم يعيد إلقاء السلام ويلح في الرد دون ضرورة عملية تستوجب الحوار بينهما وهو لا يعلم أن ذلك أشبه بالخلوة ، فإن كان ثمة مصلحة تقتضي أن يكون هناك حوارا مشتركا فليكن سريعا وفي حدود متطلبات العمل وانتقاء كلمات عامة لا تخجل أن تنشرها علي العام ويراها الناس ” فالإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ” فلنتجنب الوقوع في تلك الإشكالية لما خلفها من شبهات وهي خطوة أولي للشيطان ليوقع الناس في الخطأ ثم الخطيئة والكبيرة أعاذنا الله وإياكم
نشر الصور الخاصة
وتنشر إحداهن صورتها الخاصة ، وقد لا تكون لها من الأساس ، ومع ذلك تتلقي مئات الإعجابات ، وكلمات الغزل ، وترد بإيحاءات استحسان علي التعليقات فيضيع الحياء ، وندخل في دائرة إطلاق النظر ، ويتبعها ما يتبعها من أحاديث علي الخاص ، مما يستوجب غضب الله ولعنة الملائكة وخطورة بينة علي الأسر والمجتمعات
قبول الآخر
وننسي في خضم ذلك أن الحساب هو حساب شخصي ، أنشأه صاحبه ليعبر فيه عن رأيه هو لا ما يعجب الناس ، فلكل إنسان أن يعبر عن ذاته ، ولك أن تقبله أو ترفضه ، ولك أن ناقشه بأدب أو تمتنع عن الكلام ، ولك أن تقبله صديقا علي حسابك أو تقوم بحذفه أو حتى حظره إن اختلفت معه اختلافا كليا ، أم أن يتم التخوين والتراشق بالكلمات والفضح والشتم لمجرد رأي قد يكون خاطئا أو صائبا ، فذلك في ديننا غير مقبول ، فليس المؤمن السباب ولا اللعان و الفاحش البذيء
هذا ولن أستطيع أن أحصي كل السلبيات علي تلك المواقع ، وإنما اجتهدت أن أذكر أشهرها مما وقع تحت يدي ورأيت بعيني ، ويمكن أن تقاس علي ما ذكرت كافة الظواهر السلبية باعتبار الفيس بوك مكان عام يسير فيه الرجال إلي جانب النساء ويجب مراعاة ذلك ، حفظ الله أمتنا وأبناءنا ورجالنا ونساءنا من المهالك الأخلاقية ، والله ولي ذلك