الشارع السياسي Political Street
“وثيقة محمد علي للتوافق” خطوة بطريق استعادة الثورة المصرية قبيل ذكراها التاسعة
يأتي الإعلان عن وثيقة الفنان والمقاول محمد علي، مؤخرا، ضمن الحراك السياسي الذي أطلقه علي في 20 سبتمبر 2019، والتي حركت المياه الراكدة في المجتمع المصري، بتظاهرات شعبية جرى قمعها ووقفها في 27 سبتمبر الماضي، بقبضة أمنية شديدة، ما زالت تمسك المجتمع المصري من كافة توجهاته واتجاهاته وفاعليه.
وتأتي الوثيقة تنفيذا لدعوة أطلقها المقاول المعارض في 20 نوفمبر الماضي لإعلان ما أسماه “المشروع الوطني الجامع للمعارضة”.
الوثيقة الجديدة وفق ما تقول بهدف “توحيد القوى المعارضة” ضد عبد الفتاح السيسي، قبل أسابيع من الذكرى التاسعة لثورة يناير.
وركزت أبرز بنود الوثيقة التي طرحت الجمعة الماضية، وتتضمن 8 مبادئ عامة و11 بندا للأولويات على تغيير النظام الحاكم بمصر، والإفراج عن السجناء السياسيين.
بنود وأولويات الوثيقة
ونصت الوثيقة التي شارك فيها عدد كبير من المهتمين بالعمل السياسي والوطني والتيارات المعارضة بالخارج، وفق محمد علي، على عدة بنود، منها:
-نظام الحكم في مصر مدني ديمقراطي يقوم على العدل وسيادة القانون، الشعب فيه مصدر السلطات، مع ضمان الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، بالإضافة إلى استقلال الإعلام ورقابة بعضهم البعض، والتداول السلمي.
-ضمان حرية إنشاء وإدارة الأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية والاتحادات الطلابية والمؤسسات الدينية وكافة منظمات المجتمع المدني غير الحكومية بالإخطار.
– العمل على تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة المجتمعية، وإنشاء آليات للمحاسبة والتقاضي عبر قضاء ومحاكم مستقلة لا تجنح لانتقام.
-التوافق في ظل مشروع وطني جامع يشمل كافة التيارات المصرية لتحقيق مبادئ ثورة 25 يناير 2011 “عيش، حرية، عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية”.
– تغيير النظام الحاكم
-إطلاق سراح كافة السجناء السياسيين، وإلغاء كافة قرارات الفصل التعسفي الجائرة وقرارات مصادرة الأموال والممتلكات.
-الدخول في مرحلة انتقالية على أسس توافقية وتشاركية بين كافة التيارات الوطنية المصرية من أجل إنقاذ مصر، عن طريق المشروع الوطني الجامع الذي يشمل اتخاذ إصلاحات اقتصادية عاجلة وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، والعمل على الانتقال الديمقراطي وإصلاح دستوري شامل، وصولا إلى انتخابات ديمقراطية تنافسية في نهاية المرحلة الانتقالية
تعهد بدولة مدنية
ومن أبرز المبادئ الحاكمة التي تضمنتها الوثيقة، هو تأكيد مدنية وديمقراطية مصر، وتعزيز حق المواطنة، واحترام حقوق الإنسان، وضمان حرية إنشاء وإدارة الأحزاب السياسية، وإعادة هيكلة علاقة الدولة مع كافة المؤسسات الدينية، واعتبار أن العدالة الانتقالية ضمانة لتحقيق المصالحة المجتمعية.
كما تضمنت أولويات العمل، التوافق على مشروع وطني جامع، وإطلاق سراح كافة السجناء السياسيين والمعتقلين، والدخول في مرحلة انتقالية على أسس توافقية وتشاركية، ورفع معدل النمو الاقتصادي، ورفض الانقلابات العسكرية وتجريمها.
وشملت أولويات العمل، أيضا، الاستقلال التام للسلطة القضائية، وإعادة هيكلة الشرطة، ووضع منظومة شاملة لمكافحة الفساد المالي والإداري والسياسي داخل مؤسسات الدولة، فضلا عن مراجعة الاتفاقات الخارجية التي أبرمها النظام الحالي، ووضع قوانين انتخابات تضمن المساواة بين كافة المرشحين.
تدرج نحو مرحلة انتقالية
ومن الحنكة السياسية، حديث الوثيقة وتضمنها الدخول في مرحلة انتقالية على أسس توافقية وتشاركية بين كافة التيارات الوطنية المصرية من أجل إنقاذ الوطن، عن طريق المشروع الوطني الجامع الذي يشمل اتخاذ إصلاحات اقتصادية عاجلة وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، والعمل على الانتقال الديمقراطي وإصلاح دستوري شامل، وصولا إلى انتخابات ديمقراطية تنافسية في نهاية المرحلة الانتقالية، ورفع معدل النمو الاقتصادي لتحسين مستوى المعيشة وعلاج الفقر، والتعامل مع ملف الديون، مع ضمان عدالة توزيع الثروة من خلال إصلاح المنظومة الضريبية والانحياز للتنمية البشرية عن طريق منظومة تعليمية وصحية حديثة لتحقيق العدالة الاجتماعية وتمكين الشباب وتعزيز قدراتهم.
وأكدت الوثيقة على «رفض الانقلابات العسكرية وتجريمها، وحصر دور المؤسسة العسكرية في حماية حدود الوطن والحفاظ على وحدة وسلامة أراضيه، ولا يجوز لها التدخل في الحياة المدنية أو السياسية أو الاقتصادية، وتخضع المؤسسة العسكرية لرقابة الهيئات النيابية المنتخبة وكذلك تخضع ميزانيتها وإنفاقها ومشروعاتها وحسابات كبار ضباطها لرقابة الهيئات الرقابية والمالية، والاستقلال التام للسلطة القضائية بمن في ذلك النائب العام، وإعادة هيكلة قوانين تنظيم القضاء بحيث تخضع لموافقة السلطة التشريعية ورقابتها، ووقف إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية، وتنحصر ولاية القضاء العسكري فقط بالجرائم العسكرية التي تقع من أفراد من القوات المسلحة، وإعادة هيكلة الشرطة وإخضاع وزارة الداخلية لرقابة القضاء والهيئات النيابية المنتخبة.
كما طالبت الوثيقة بـوضع منظومة شاملة لمكافحة الفساد المالي والإداري والسياسي داخل مؤسسات الدولة، ومراجعة الاتفاقات الخارجية التي أبرمها النظام الحالي والتي من شأنها التنازل عن أرض مصر والتفريط في ثرواتها الطبيعية وإهدار مياه النيل، ووضع قوانين الانتخابات بحيث تضمن المساواة بين كافة المرشحين في الإمكانات المالية والظهور الإعلامي، ومنع الحصول على أي تمويل من الخارج في العملية الانتخابية لضمان عدم تدخل جهات أجنبية في الشؤون الداخلية المصرية.
تباين ردود الفعل
إعلان الوثيقة التي تجاهلها نظام السيسي نهائيا، وكأنه يعيد مشهد مبارك في 2010، حينما أعلنت المعارضة آنذاك عن تشكيل البرلمان الموازي، قائلا: “خليهم يتسلواا”.
إلا أن ردود الفعل تباينت إزاء الوثيقة الصادرة، بين مؤيد ومعارض، حيث يراها المؤيدون أنها فرصة للتجمع قبل ذكرى ثورة يناير، في مقابل آراء معارضة أنها تؤسس لشرعية النظام الحالي والإقرار به.
غير أنه كان من أبرز المؤيدين جماعة الإخوان المسلمين، وقالت الجماعة في بيان لها، الأحد الماضي: إنها “تؤيد” وثيقة محمد علي، معتبرة إياها “أساسا مناسبا لتعاون المخلصين من أبناء الوطن لإقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة، تختار مؤسساتها ورئيسها عبر انتخابات حرة ونزيهة”.
وتابعت: “إذ تؤيد الجماعة هذه الخطوة فإنها تهيب بكل القوى الوطنية سرعة الالتقاء معًا في صف واحد”..
وقالت إن “الجماعة تعاهد الله ثم الشعب المصري العظيم على مواصلة مسيرة الكفاح، مع أبنائه الشرفاء، دون أن تتقدم عليهم أو تتأخر عنهم”.
ويعد البيان أول خطوة إجرائية معلنة من الجماعة، وذلك بعد تأكيدها في 12 ديسمبر 2019، تنازلها عن ما تعتبره “شرعية الرئيس”، عقب وفاة مرسي، قبل أشهر، معلنة حينها، أن الشرعية عادت للشعب المصري يخولها من يشاء عبر انتخابات حرة.
ومنذ يوليو 2013، رفضت الجماعة التنازل عن “شرعية مرسي”، وتتمسك بها مما شكل “عائقا”، وفق مراقبين، لرفض معارضين لها وللسيسي الاتفاق معها على هذه النقطة لاسيما ممن كانوا يعارضونها إبان كان مرسي بالحكم، وهذا التمسك بشرعية مرسي كان يعتبره مؤيدون للنظام أمرا غير معقول، خاصة مع مجئ السيسي بانتخابات، حتى وإن كانت هزلية.
فيما قال المعارض الليبرالي، أيمن نور: إن “الوثيقة الوطنية التي عرضها محمد علي تعبر بشكل واسع عن قضايا توافقت عليها الجماعة الوطني المصرية خلال السنوات الماضية ويمكن البناء عليها في المرحله القادمة”.
وبحسب نشطاء، فإن محمد علي جمع الكثير من بنود من مبادرات سابقة أعلنتها قوى وطنية في أوقات ماضية، إلا أنها في شكلها الخالي وفي ظروفها القائمة، تنال القبول عما قبل، بفعل الظروف السياسية الراهنة، والقمع الذي مارسه السيسي ضد الجميع، وانغلاق فرص الحوار أو الاقتراب من النظام الحاكم.
النزول للواقع الفعلي
وعلى الرغم من أهمية طرح وثيقة تنال قدرا من التوافق بين القوى الوطنية المصرية، باعتباره تطورا مهما في سجل الحياة السياسية التي تبنى خطوة تلو أخرى، إلا أن الوثيقة افتقدت الآليات العملية للنزول للشارع المصري، إلا أن مؤيدي الوثيقة أرجعوا الأمر إلى أن الوثيقة سيتبعها خطوات لاحقة ومؤتمرات وطنية للانتقال بالوثيقة إلى الواقع العملي.
عوار
على جانب آخر، كان ملاحظا غياب الخطوات أو البنود المتعلقة بقواعد التعاطي مع الواقع السياسي، وهو ما عبر عنه الكاتب والمحلل المصري وائل قنديل، بمقاله بـ”العربي الجديد”، “وثيقة العشرين تريليون دولار”: بحثت عن جديدٍ فيها يخص اللحظة الراهنة، فلم أجد إلا قفزًا إلى المستقبل، أخشى أن يكون تهرّبًا من استحقاقات الحاضر، التي هي قنطرة المستقبل، يمارسه صناع “الوثيقة”..
ولكن الاتفاق على شكل المستقبل كان رهانا لمحمد علي خلال مؤتمره الإعلامي بلندن، بقوله: إن الشارع المصري والمؤسسات المؤيدة لطرح “علي” والمؤيدين لطرحه بالداخل، لن يتحركوا ميدانيا أو سياسيا إلا إذا اطمئنوا للمستقبل وخطواته القادمة.
و أيضا من خلال تاريخ الثورات، فإن طرح الرؤى والتوافق عليها بمثابة بذور للثورة والحراك السياسي المستقبلي، الذي قد ينتظر اللحظة السياسية المناسبة، سواء تأخرت أو تقدمت، وهو ما يستشهد به الخبراء، ومقتضيات الثورات العربية، فكما طرح البرادعي رؤيته للمشروع الوطني في 2008، وتطور وفق الأحداث المصرية إلى أن وصل للحظة ثورية توافق فيها الجميع، وتحركوا ميدانيا لخلع نظام مبارك في يناير 2011.
ومن ضمن أوجه العوار الذي يغلف وثيقة محد علي، أنها تتحدث بإسرافٍ عن شكل الدولة المصرية وقوامها بعد رحيل عبدالفتاح السيسي، وتعرض على الناس (ماكيت) دولةٍ عصريةٍ ديمقراطيةٍ حديثة، في مرحلة ما بعد السيسي، لكنها لم تتناول ما قبل إزاحة السيسي وكيفية إزاحته، أو عناصر القوة اللازمة لتحقيق هذا الهدف، بحسب وائل قنديل.
تطمين للمستقبل
ورغم الثغرات التي تحدث عنها بعض المراقبين في الوثيقة، فإنها تبقى نواة لمشروع وطني جامع سيجري إعداده والتوافق عليه، وبالتالي يمكن البناء على هذه الوثيقة، خاصة أنها تبعث برسالة طمأنة للجميع في الداخل والخارج بأن هناك رؤية وطنية واضحة ومحددة المعالم لمستقبل مصر ولمرحلة ما بعد رحيل عبد الفتاح السيسي.
كما أن الوثيقة ليست من طرف يمكن أن يقال إنه من جماعة الإخوان أو التيار الإسلامي، بل هو شخص لا علاقة له بالإخوان لا من قريب أو بعيد، بل إنه كان ابنا للنظام حتى وقت قريب.
و أيضا، وثيقة التوافق المصري بمنزلة تجميع لوثائق الاصطفاف الوطني السابقة، التي شاركت فيها القوى السياسية والرموز الوطنية، فكل طرف قدّم إلى الفنان محمد علي رؤيته وتصوره وإسهاماته في هذا الصدد.
و أيضا جماعة الإخوان، مثل باقي القوى السياسية الأخرى، أرسلت إلى محمد علي خلال الأيام الماضية وثيقة ومقترحات تعبر عن رؤيتها لمشروع الاصطفاف، وقد قام علي بالتوفيق والجمع بين كل الوثائق المختلفة إلى أن خرجت وثيقته بشكلها الأخير. وهو ما عبر عنه نائب مرشد الاخوان إبراهيم منير بقوله في تصريحات تلفزيونية: “الحديث عن أن الجماعة لم توافق على مبادرة محمد علي إلا بعد أن شاركت في صياغة هذه المبادرة وأجرت تعديلات عليها كلام غير دقيق؛ لأن محمد علي طلب من جهات كثيرة ومنها الإخوان ومن الرموز الوطنية كتابة مقترحاتها ورؤيتها للمرحلة القادمة، فتقدمت الجماعة بمقترحاتها التي نادت بها طوال المبادرات السابقة، فأخذ منها علي ما أخذ، وفي النهاية أصدر وثيقته للتوافق”.
خطوة في الطريق
وإجمالا ، تسعى الوثيقة –التي جاءت قبل أيام من الذكرى التاسعة لثورة يناير، للدخول في مرحلة انتقالية على أسس توافقية وتشاركية بين كافة التيارات الوطنية المصرية من أجل إنقاذ مصر، عن طريق المشروع الوطني الجامع الذي يشمل اتخاذ إصلاحات اقتصادية عاجلة وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، والعمل على الانتقال الديمقراطي وإصلاح دستوري شامل، وصولا إلى انتخابات ديمقراطية تنافسية، وهي خطوة إيجابية نحو تقريب عناصر المعارضة المصرية، سواء بالداخل أو الخارج.
لحقتها، خطوة أخرى مهمة، وهي؛ تدشين “مجموعة العمل الوطني المصري”، التي تضم رموزا سياسية في الداخل والخارج، وتدعو إلى وقف الممارسات القمعية، وتغيير الأوضاع الكارثية التي تتعرض لها البلاد، في ظل منظومة الحكم العسكري الدكتاتوري.
وقالت المجموعة، في بيان تأسيسها، الإثنين: “سوف نقوم بالتعبير عن الموقف السياسي من مختلف القضايا كلما اقتضت الضرورة واضعين نصب أعيننا الإجماع الشعبي، آملين أن نعبر بأمانة وصدق عن ثوابت شعبنا ورفضه للممارسات القمعية وتطلعه للتغيير الجذري والشامل للأوضاع الكارثية التي تتعرض لها مصرنا العزيزة”.
مقدمات لحراك ثوري!!
ووفق تقديرات سياسية، فإن حراكا شعبيا يلوح بالأفق السياسي المصري، في ظل انكسار حاجز الخوف، الذي تحقق في تظاهرات 20 سبتمبر الماضي، بفعل تفاعلات سياسية دولية ومحلية، من تقارب للمعارضين السياسيين، وتحقيقهم انتصارات حقوقية وسياسية على النظام الانقلابي في المحافل الدولية، كالأمم المتحدة، أو في برلمانات بعض الدول، وأيضا بإعلان محمد علي وثيقته وتوافق قوى سياسية معارضة عليها، أو بالإعلان عن مجموعة العمل الوطنية.
فيما يموج الداخل المصري بالعديد من التفاعلات التي تقود لمرحلة جديدة من الحراك الثوري، سواء بتضرر ملايين المصريين من الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة، وارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات، مع تلويح جديد برفع أسعار الوقود في يناير الجاري، وفق آلية التسعير التلقائي، والتي تدخلت جهات استخبارية في إعلان تأجيلها في الوقت الحالي، انتظارا لما بعد مرور الذكرى التاسعة لثورة يناير 2011.
بجانب تململ داخل المؤسسة العسكرية، عبرت عنه الكثير من القرارات السياسية للسيسي، بإعادة قيادات عسكرية جرى الإطاحة بها، إلى المشهد مرة ثانية، كالفريق أسامة عسكر، الذي أعيد للعمل كقائد لعمليات القوات المسلحة، بعد سنوات من تجميده، ورئيس الأركان السابق محمود حجازي، الذي أسند إليه مهمة الإعلام، بعد فشل عباس كامل ومحمود السيسي في إدارته في الفترة الماضية. وأيضا الإفراج عن سامي عنان بعد سنوات من حبسه، بجانب حركة تدوير واسعة للقيادات العسكرية العليا والوسطى، من قبل السيسي، الذي وصلته تقارير عدة من المخابرات الحربية حول حالة الغضب المتنامي لدى قيادات الجيش إثر الفساد الكبير المعلن عنه في فيديوهات المقاول محمد علي، فيما يخص القصور الرئاسية.
بجانب رفض قيادات عسكرية الدخول في مغامرة كبيرة بالتدخل العسكري المباشر والمعلن بليبيا كما يريد السيسي حاليا.
وعلى الرغم من أن مصر لم تشهد إلى الآن أي دعوات لافتة حاشدة للتظاهر والاحتجاج أو الاحتفاء داخل البلاد لإحياء الذكرى، لكن هناك تململ واسع في عدة قطاعات مهمة وحيوية في البلاد، بسبب السيطرة الهائلة لـ”السيسي” وأبنائه وعدد محدود من الدائرة اللصيقة به على كافة مقدرات الأمور.
وتحمل التغييرات الجارية في المشهد السياسي والإعلامي، إشارات إلى وجود صراع أجنحة بين الأجهزة الأمنية المصرية، إضافة إلى تزايد معدلات الانتحار في الشارع المصري، وتدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وإصرار الحكومة على رفع الدعم وزيادة أسعار كافة الخدمات والمرافق، ما يعني أن الشارع المصري لا يحمل ودا أو تأييدا للنظام الحاكم، وأنه قابع على فوهة بركان.
ولا شك في أن اشتعال جذوة الربيع العربي مجددا في السودان والجزائر ولبنان والعراق، قد يكون محفزا نحو استعادة أجواء يناير، شريطة اصطفاف حقيقي بين رفقاء الثورة، وإبداع آليات جديدة للحراك، الذي سيوجه حتما آلة أمنية شرسة، وقبضة حاكمة قوية، باتت تفتش هواتف المواطنين قبل منازلهم بحثا عن معارضيها .وتشهد البلاد خلال الشهور الأخيرة، حالة تأهب أمني، بدا جليا في إطلاق حملات اعتقال ضارية طالت الآلاف، وتوسع في اعتقال الفتيات، والأكاديميين، والحقوقيين، والصحفيين، خاصة من تيارات ليبرالية ويسارية.
وتزامنت حالة التصعيد الأمني، مع تعديل وزاري محدود لم يطل الوزارات السيادية، وحركة محافظين موسعة سيطر عليها لواءات جيش وشرطة، وتغييرات في أجهزة المخابرات والحرس الجمهوري والديوان الرئاسي، في محاولة لترتيب بيت الحكم من الداخل، ورأب الصدع الذي سمح بعودة المتظاهرين لميدان التحرير، استجابة لدعوات محمد علي في 20 سبتمبر.