نشر الصور الخاصة علي مواقع التواصل الاجتماعي

الكاتبة عزة مختار :

تحولت مواقع التواصل الاجتماعي من مجرد صفحات لإبداء الرأي والتواصل مع الآخر لزيادة الجانب المعرفي وتوثيق الروابط الاجتماعية والتي انقطعت بسبب الانشغال في الأمور الحياتية ، تحولت لساحات مجتمعية كالمقاهي والأندية لها من الإيجابيات ما يوازيها من السلبيات ، كل صفحة فيها أو مجموعة مفتوحة أو مغلقة تعبر عن ثقافة الفرد أو المجتمع الذي خرجت منه ، لتمثل في جملتها ثقافة المجتمع ككل ، فكما أن المنتديات المجتمعية تشمل الثقافي والسياسي والاجتماعي والديني والحضاري ، كذلك منها مجالس الغيبة والنميمة والعلاقات بين الشباب والشابات والرجال والنساء وتغييب المفاهيم الإسلامية والتجسس وتحسس أخبار الناس ، فكذلك تلك المواقع منها البناء ومنها الهادم ، منها الباحث في الحقيقة ، ومنها الباحث في الفضائح ، منها الذي يمثل وسيلة ضغط علي الأنظمة الاستبدادية للبحث عن الحريات وحقوق الناس ، ومنها المنبطح السطحي الذي يمثل الداعم الأكبر لذلك الاستبداد بغيابه عن واقع الأمة وبعده عن متطلبات الوعي اللازم للخروج من كبوتها ومما يثبت أركان الخطورة في وسائل التواصل الاجتماعي أن تتسم بالستر والخفاء مما يساهم بشكل أكبر في حدوث جرائم تدفع الأسر ثمنها كبيرا ، فكل مستخدم يتحدث من خلف شاشة لا تدري بحقيقته ، والتخفي ينزع برقع الحياء ، ويزيل الخشية من الله ومن أعين الناس فيقدم الفرد علي مالا يستطيع القيام به علانية ، فلا رقيب سوي الله ثم الضمير الإيماني الذي يغيب بالتدريج خلف تلك الستر المتعددة ، والجميع يحسب أنه في مأمن من العقاب ، عقاب الناس بالفضح ، وعقاب الله عز وجل بالمراقبة التي لا تغيب حتى تنقطع الأنفاس وتصعد الروح إلي بارئها ، فنتجت مشكلات مركبة نتيجة الجهل بأن كل حرف يخطه الإنسان بيده هو مسئول عنه أمام الله ، كل ما يلفظه ، كل ما يشير إليه عن قصد ونية ، من تلك المشكلات خراب للبيوت الآمنة ، وفضائح مست أبرياء ، وتهديدات طالت محصنات ، ومن تلك المشكلات الكبيرة علي مواقع التواصل الاجتماعي ، أن تقوم النساء أو الفتيات بنشر صورهن الخاصة علي صفحاتهن فتتلقي مئات الإعجابات ، وكلمات الغزل ، وترد بإيماءات استحسان علي التعليقات فيضيع الحياء ، وندخل في دائرة إطلاق النظر ، ويتبعها ما يتبعها من أحاديث علي الخاص ، مما يستوجب غضب الله ولعنة الملائكة وخطورة بينة علي الأسر والمجتمعات والله عز وجل يقول ” قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ” وفي الوقت الذي حذرت فيه العديد من الشخصيات الدينية المسيحية الفتيات المسيحيات من وضع صور لهن في الفيس بوك أو أي برنامج آخر مشابه له، ففي نوفمبر 2008 قامت الكنيسة القبطية في مصر فى واقعة هى الأولى من نوعها طالبت جميع مسيحيى مصر، خاصة الفتيات بعدم وضع صور لهن على جميع المواقع الإلكتروني ، وأرسل الأنبا موسى أسقف الشباب لجميع الشباب والشابات رسائل على الفيس بوك يطالبهم بعدم وضع صورهم، لأن الأمر خطير، على حد قوله، مضيفا: من الممكن أن يأخذها أحد من غير المسيحيين، واليوم السابع ينشر نص رسالة الأنبا موسى للفتيات القبطيات .. نص الرسالة كما جاء قبل ثلاث أشهر “رجاء لكل فتاة أن تخاف على نفسها وعلى حياتها الخاصة، وألا تضع أية صور شخصية أو عامة لها على الفيس بوك، لأنه بكل سهولة يمكن أخذها وتكبيرها وعمل مونتاج عليها، كما أنه يوجد فى الفيس بووك من ينتحل شخصية مسيحية لفتاة أو لشاب والتقرب بأى طريق مباشر أو غير مباشر للفتيات عن طريق أصدقائهن إن استصعب عليهم الأمر، وذلك لمجرد أخذ وسرقة صورهن وجميع بياناتهن إن أمكن، وهذا حدث بالفعل لأكثر من شخص وفتاة. رجاء محبة تمرير الرسالة لكل من تخاف من أجلهم. ولكل فتاة أن تقوم بحذف الصور إن لم تتمكن من حماية خصوصياتها ، هذا بالنسبة للكنيسة ، فما بالنا بغيرة المسلمة علي نفسها ، وغيرة المسلم علي عرضه وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : عن تهاون كثير من الناس في النظر إلى صور النساء الأجنبيات بحجة أنها صورة لا حقيقة لها ؟ فأجاب رحمه الله بقوله : هذا تهاون خطير جداً ، وذلك أن الإنسان إذا نظر للمرأة سواء كان ذلك بوساطة وسائل الإعلام المرئية ، أو بواسطة الصحف أو غير ذلك ، فإنه لابد أن يكون من ذلك فتنة على قلب الرجل تَجُرّه إلى أن يتعمد النظر إلى المرأة مباشرة ، وهذا شيء مشاهد .17:59ولقد بلغنا أن من الشباب من يقتني صور النساء الجميلات ليتلذذ بالنظر إليهن ، أو يتمتع بالنظر إليهن ، وهذا يدل على عظم الفتنة في مشاهدة هذه الصور ، فلا يجوز للإنسان أن يشاهد هذه الصور ، سواء كانت في مجلات أو صحف أو غير ذلك والشريعة التي أتت بقاعدة سد الذرائع تحدثت في هذا الأمر الخطير الذي يعتبر مقدمة من مقدمات الزنا ومدعاة لها بالنظرة المحرمة ، والنظر حكمه التحريم بشهوة أو بغير شهوة إلا إذا كان لضرورة منها الخطبة مثلا ولها شروطها ، ومنها تلقي العلم والبيع والشراء والشهادة للتأكد من شخصية الشاهدة ، والمرأة في رأي الجمهور كالرجل في تحريم النظر وأدلة تحريم النّظر لوجه الأجنبية بغير سبب مشروع كثيرة، منها: قول الله تعالى: { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا }. [سورة النور الآيتان 30-31 ]. وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظْرَةِ الْفُجَاءة، فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي”. [ رواه مسلم في صحيحه والترمذي في جامعه وقال هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ: السنن 2700 ]. قال المباركفوري في شرح الحديث: “قوله: ( الفجاءة ) أي أن يقع بصره على الأجنبية بغتة من غير قصد , يقال : فجأه الأمر إذا جاءه بغتة من غير تقدّم سبب ” . ( فأمرني أن أصرف بصري ) أي لا أنظر مرة ثانية لأن الأولى إذا لم تكن بالاختيار فهو معفو عنها، فإن أدام النظر أثم , وعليه قوله تعالى: ” وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم “. وما رواه الترمذي بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال: ( يَا عَلِيُّ لا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ ). [ رواه الترمذي 2701 وهو في صحيح الجامع 7953 ]. قال في التّحفة: ” قوله: ( لا تتبع النظرة النظرة ) من الاتباع، أي لا تعقبها إياها ولا تجعل أخرى بعد الأولى ( فإن لك الأولى ) أي النظرة الأولى إذا كانت من غير قصد (وليست لك الآخرة ) أي النظرة الآخرة لأنها باختيارك فتكون عليك “. وما أخرجه الشيخان أنّه صلّى الله عليه وسلّم قال: ( العينان تزنيان، وزناهما النظر ). [ متفق عليه ]. وبهذا يتبيّن حرمة النّظر كلّ من الرّجل الأجنبي والمرأة الأجنبية للآخر سواءً أكان النّظر بشهوة أم بغير شهوة وذلك لإطلاق النّصوص وعمومها والمرأة التي تنشر صورها لا تقصد بالطبع أن تنشرها علي النساء وحدهن ، ولا تتوقع أن يراها النساء وحدهن ، وإنما هي تنتظر كلمة من هذا ونظرة من ذاك وكلمة إطراء من هنا وتعليق إعجاب من هناك ، فهي داعية للوقوع في الحرام عمدا حتي لو نفت ذلك وأقسمت عليه . وإذا حاولنا استعراض كم الجرائم التي حدثت بالفعل نتيجة نشر تلك الصور وتهديد صاحباتها وابتزازهن بالمال والفضيحة علي الملأ لوجدناها لا تعد ولا تحصي ولم يسلم منها من بين هؤلاء اللاتي ينشرن صورهن إلا من رحم ربك ، فاتقوا الله في أنفسكن ، وفي آبائكن أو أزواجكن ، حفظ الله بنات ونساء المسلمين من كل ما يغضب الله .

منقول