عواقب السخرية من الآخرين علي منصات التواصل الإجتماعي.

نشر أحدهم صورتين متجاورتين لامرأة إفريقية سوداء، وأخرى آسيوية بيضاء في مزحة سخيفة بأن السوداء تدفع مهر كذا لمن يتزوجها، وأن البيضاء يدفع لها مهر كذا، والجميع يتندر على صورة المرأة السوداء رجالاً ونساء، وهم لا يعلمون أنهم يخوضون في كبيرة، ويسخرون من خلق الله، ويتحدثون في عنصرية، مخالفين صريح الدين من أنه لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح، وهم يحسبون أنه مجرد مزاح، لا ينبني عليه جزاء أو ذنوب، بينما هم يقعون في الحرام البيّن!

أيضاً، تجد بعض النكات على نساء أو رجال لزيادة أوزانهم، أو نوع ملابسهم الرثّة، أو تصرفاتهم التي تنمُّ عن البساطة والسذاجة، لتصير مادة للتفكه والتعليقات المثيرة للضحك، أو السخرية من هؤلاء.

تجد صورة لنساء أحد المسؤولين مثلاً، ويستغل الخلاف السياسي للتنكيل بالشخصية في زوجته بالعيب فيها، وفي خلقتها وملابسها، وطريقة حديثها وتصرفها، دون مراعاة لخلق أو مروءة تفصل بين الشخصية -المختلفين معها- ومع حرماته وأهل بيته، مهما بلغت درجة الخلاف أو العداء، فالمسلم ذو مروءة لا يخلط الأمور، ولا يؤاخذ أحداً بذنب أحد، ولا يتعدى على حرمات الناس مهما كانت العلاقة بينهم .

المسلم يحرّكه ضميره الإيماني، لا هواه ولا عداوته، ولا يقع فيما يقع فيه عدوه من ظلم، وهو يحارب بعقيدة وأخلاق، ولا ينزلق مهما انزلق من حوله.

المسلم يحرّكه ضميره الإيماني، لا هواه ولا عداوته، ولا يقع فيما يقع فيه عدوه من ظلم، وهو يحارب بعقيدة وأخلاق، ولا ينزلق مهما انزلق من حوله

تنتشر النكات التي تعيب في امرأة مطلقة، أو زوجة ثانية، أو فتاة فاتها الزواج، فيتم تبادل التعليقات التي تقلّل من شأنهن في شبه مزاد للنخاسة، يلتف حوله الشباب والفتيات غير عابئين بجرم يتعدى الغيبة، إلى الاجتراء والتسفيه من أقدار الله، واتهامه سبحانه في قدره.

تناول الآباء والأمهات وتصرفاتهم بالسخرية من باب إضحاك الآخرين، يكتبها ويحسب أنه في منأى عن الكبائر، استهانة بالناس وتحقيرهم لعيوب خلقية أو نقص، يضحك المتابعين ويدفعهم للتعليق في نفس المضمار.

الحكم الشرعي في السخرية من خلق الله
قد نهي القرآن الكريم صراحة عن السخرية من الناس لخلقتهم أو لونهم أو جنسهم أو فقرهم أو مرضهم، وذلك ليس عيباً في الصنعة، إنما تعييب في الصانع، واتهام له سبحانه وتعالى، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الحجرات، آية:11].

قال العلماء: “إن مَن فَعَل إحدى الثلاث: السُّخْرِية، النبز، اللَّمز، استحقَّ اسمَ الفسوق، وهو غاية النَّقص بعد أن كان كاملَ الإيمان”.

قال القرطبي رحمه الله عند قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ﴾: “وبالجملة فينبغي ألاَّ يجترئ أحدٌ على الاستهزاء بمَن يقتحمه بعينه إذا رآه رثَّ الحال، أو ذا عاهةٍ في بدَنه، أو غير لبيقٍ في محادثته، فلعلَّه أخلص ضميرًا، وأنقى قلبًا ممَّن هو على ضدِّ صفته ، فيظلم نفسَه بتحقير مَن وقَّرَهُ الله، والاستهزاء بمَن عظَّمَهُ الله” (تفسير القرطبي:16/325).

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ﴾:

“ينهى تعالى عن السُّخْرِية بالناس واحتقارِهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في “الصحيح” عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الكبر بطرُ الحقِّ، وغَمْط الناس)، والمراد من ذلك احتقارُهم واستصغارهم، وهذا حرام، فإنه قد يكون المحتقَر أعظم قدرًا عند الله، وأحبَّ إليه من الساخِر منه، والمحتقِرِ له ، ولهذا قال تعالى: ﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ [القلم:11]، أي: إنه يحتقر الناسَ ويهمزهم طاغيًا عليهم، ويمشي بينهم بالنميمة” (تفسير ابن كثير:4/212).

وفي قوله تعالى: ﴿وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ﴾، قال القرطبي رحمه الله: “أفرد النساء بالذِّكر؛ لأن السُّخْرِية منهنَّ أكثر.

وفي قوله تعالى: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [الحجرات:11] فجعل اللاَّمِزَ أخاه لامِزًا نفسَه؛ لأن المؤمنين كرجلٍ واحدٍ فيما يلزم بعضهم لبعضٍ من تحسين أمره، وطلب صلاحه ومحبتِه الخير ، ولذلك جاء في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المؤمنون كالجسدِ الواحد، إذا اشتكَى منه عضو، تداعى له سائرُ جسدِه بالحمَّى والسهر) (تفسير الطبري:11/83).مما سبق يتضح لنا عظم الذنب الواقع على من يقومون على صفحاتهم بمثل تلك الأشياء، بل إنهم يحملون أوزارهم، وأوزار من يعلّقون ويتفاعلون مع مثل تلك المنشورات.

الكاتبة/ عزة مختار

منقول