كاتب مصري: الشماتة والسخرية… بدائل أخرى للمقاومة في زمن الثورة المضادة
تحت عنوان “الشماتة والسخرية… بدائل أخرى للمقاومة في زمن الثورة المضادة”، كتب يحيى مصطفى كامل، مقالا في “القدس العربي”، جاء فيه: ” بدرجةٍ عاليةٍ من اليقين، نستطيع أن نقرر أن دائرة الحماس التي صاحبت السيسي تنحسر، وأن الآمال الكبيرة والتصورات التي لا يحاكي غموضها سوى غموضٍ مماثلٍ لمصدرها ومبرراتها، تتبدد يوماً بعد الآخر، على وقع الصعوبة المتزايدة للمعيشة وتكلفتها، التي كانت باهظة فأصبحت الآن لا تطاق.
في لحظةٍ معينة، في الفترة التي أعقبت تنحي مبارك بدا المستحيل ممكناً، وآمن كثيرٌ من الناس في إمكانية إحداثٍ تغييرٍ حقيقي، بقدر ما هو عميق يشمل كل شيءٍ في حياتهم فيعدل الميزان، ويحسن في المقام الأول من أوضاعهم المعيشية، ويفسح المجال أمام الحريات السياسية (وإن كنا نعترف بأن المهتمين بها أقل بكثير) ودرجةٍ أوفر من الكرامة؛ آمنوا بحكايةٍ كبيرة يستطيع كلٌ منهم أن يكون طرفاً فيها، ناسجاً في خيوطها المتشعبة، التي لا حصر لها، من دون أن تكون لذلك تكلفةٌ باهظة، من سجنٍ أو إعاقةٍ أو موت، بما يشرد ذويه في مجتمعٍ فاقدٍ للضمانات.
لكن ذلك الحلم أو الوهم، لكلٍ أن يسميه ما شاء، قد تبدد، فعاد كلٌ يراعي مصالحه الشخصية، الفردية تماماً، متعايشاً متكيفاً مع الظروف، متحايلاً على الأوضاع مهما زادت قسوتها. لقد التفتوا إلى الحكايات الصغيرة، حكاياتهم الخاصة، وكثيرون شعروا بالذنب والخجل من إيمانهم، ولو لوهلةٍ بسيطة، بسرديةٍ أو حكاية تحررٍ كبيرة.
والشاهد أن النظام والواقع لم يمهلهم كثيراً، فالسيسي كضابطٍ (أو بعقلية صف ضابطٍ بالأدق) يحرص على إثبات كفاءته وأن «هناك شغل» يؤمن بأن «الحركة بركة» فاندفع في مشاريعٍ كثيرة، من دون دراسة جدوى باعترافه الشخصي المفاخر، وبالمثل فهو لم يمهلهم كثيراً أيضاً، إذ انقض عليهم ومن كل الزوايا يكيلهم الفقر والإفقار فقرين أو ثلاثة، فجردهم بخطىً سريعة من الدعم من ناحية، ومن الأخرى يحاول سحب ما تبقى في جيوبهم من جنيهاتٍ لعلها شحيحة في صورة ضرائب وأموالٍ مستحقة، تحت هذا البند أو ذاك، بدعوى تقنين أوضاعٍ تركت لتتفاقم وتصل إلى ما هي عليه اليوم.
إن حقبة الثورة المضادة، على دمويتها، تظل فترةً رماديةً وباهتة، تتساقط فيها ورقة التوت شيئاً فشيئاً، ومعها غشاوة الوهم التي اختارها الناس أو رضوا بها، ولا بد أن يصاحب ذلك الغضب الذي قد يعبر عن نفسه بالشماتة هنا والسخرية هناك. لم يصل الناس بعد للمقدرة على الثورة، فهم مرهقون وتجربتهم السابقة في غياب تنظيمٍ ثوري غير مشجعة، وملأى بالإحباطات، وعلى ذلك تصبح السخرية والشماتة وسائل مقاومة، وإن عدها البعض سلبية؛ بيد أن نماذج عديدة في التاريخ تعلمنا أن أول لحظات سقوط النظام هو الغضب المكتوم الذي يعبر عن نفسه بالاستخفاف والسخري.