واشنطن بوست”: جمهورية الخوف الوحشية في مصر تترك ردودا عكسية

قال الكاتب الثاني في زمالة جمال خاشقجي بصحيفة “واشنطن بوست” عز الدين فشير إن جمهورية الخوف المصرية اعتقلت عشرات الآلاف وهي وحشية وذات نتائج عكسية. وذكر بمقال نشرته “واشنطن بوست” برواية قصيرة نشرها الروائي المصري الحائز على جائزة نوبل للآداب نجيب محفوظ بعنوان “الكرنك” (1974) وهو اسم مقهى شعبي كانت تلتقي فيه مجموعة من الطلاب لمناقشة السياسة ووقعوا في الحب وتفرقوا، وتدور أحداثها في مصر الستينات من القرن الماضي.

 ومع أن دوافعهم لم تكن أيديولوجية بل العيش في بلد أفضل إلا أن قوى أمن الدولة لاحقتهم واعتقلتهم واتهموا بالتآمر مع جماعة الإخوان المسلمين، وعذبوا وأفرج عنهم باعتذار فاتر. ورغم تجنبهم السياسة والمقهى بشكل كامل إلا أنهم اعتقلوا مرة ثانية بتهمة التخريب وعذبوا واغتصبوا ومات أحدهم تحت التعذيب والذين خرجوا من السجن خرجوا محطمين. وبرر مسئول أمن الدولة في عهد جمال عبد الناصر الوحشية ضد المعتقلين من خلال الإشارة إلى التهديدات الداخلية والخارجية التي تريد وقف مسيرة مصر نحو الإمام. لكن القمع لم يحم مصر والنظام: فعندما وجهت ضربة قاصمة للجيش المصري في حرب 1967 كانت السجون مليئة بالمعتقلين السياسيين. ورغم سجن الإخوان المسلمين كان هناك جيل جديد من الإسلاميين يملأ حرم الجامعات، وهم الذين شكلوا لاحقا الجهاد الإسلامي وتنظيم القاعدة.

ويقول فشير إن جيل ما بعد عبد الناصر والكاتب واحد منهم نشئوا يتساءلون عن الكيفية التي تسبب فيها ناصر وأنصاره من التقدميين بكل هذا الألم والوحشية على المصريين. وعلموا المواطنين أن يطأطئوا رءوسهم، وألا يرفعوها أبدا طالما عاشوا في جمهورية الخوف.

ويقول: “كيف كانوا يفكرون بأن المجتمع سيتقدم للإمام عندما كان جزءا منهم، وهم الأذكياء والمستقلون في السجن وتم تحطيمهم”.

ومضت 40 عاما حتى ظهر جيل جديد أكد حقوقه في ميدان التحرير عام 2011 لكن الجيش المصري لاحقهم.

واليوم هناك ما يقرب من 60 ألف معتقل في سجون جمهورية الخوف العسكرية. وينكر نظام عبد الفتاح السيسي أن يكون نظامه قد احتجز أي معتقل سياسي. إلا أن منظمات حقوق الإنسان توصلت إلى هذا التقدير بناء على بيانات الحكومة حول الاعتقال والأحكام الصادرة من المحاكم على مدى الـ 8 أعوام السابقة. ويبلغ مجمل السجناء في مصر 114.000 سجين حسب الناطقين باسم وزارة الداخلية. وحجم المعتقلين السياسيين يصل إلى النصف من نزلاء السجون، وهي نسبة مذهلة. والأكثر صدمة هو عدد المعتقلين في مرحلة ما قبل المحاكمة: 30 ألف سجين حسب نفس المصدر. ووسعت السلطات المصرية وأساءت استخدام مرحلة ما قبل المحاكمة لكي تحبس من لا تستطيع إدانتهم لسنوات طويلة.

وفي بعض الحالات النادرة عندما تصدر محكمة قرارا بالإفراج عن سجناء، تقوم الشرطة باعتقالهم وبتهم جديدة فيما يطلق عليها “سياسة الباب المتحرك”.

وكانت إسراء عبد الفتاح واحدة من القادة الشباب الذين قاد نشاطهم إلى الانتفاضة. واعتقلت عدة مرات منذ 2008 لكن الجيش أنهى التحول الديمقراطي ومنع إسراء من السفر، ولهذا قررت العودة إلى عملها في الصحافة. ومثل بطلة رواية “الكرنك” لم يحمها هذا القرار. وتم اعتقالها في 13 أكتوبر 2019 وضربت وانتهكت حقوقها وتركت في السجن منذ ذلك الوقت.

وكان حسام مؤنس قائدا براجماتيا دخل السياسة ملتزما بقضايا الفقراء. وعندما ضاقت المساحة السياسية بعد انقلاب الجيش في 2013 أدار حملة حمدين الصباحي ضد السيسي، ليس للفوز ولكن للحفاظ على التعددية. وفي 2019 انضم إلى النائب زياد العليمي وغيره للتنافس في الانتخابات البرلمانية. واعتقلوا جميعا في 25 يونيو 2019، ولا يزالون في السجن منذ ذلك الوقت. كما اعتقلت سلافة مجدي وزوجها حسام السيد اللذان عملا في الصحافة المستقلة وحازا على اعتراف دولي، في 26 نوفمبر 2019 وتعرضا لانتهاكات مستمرة وسوء معاملة. ويعيش ابنهما البالغ من العمر 7 أعوام مع جديه ويسجل أشرطة فيديو يرسلها لوالديه السجينين.

 والقائمة طويلة، و60 ألف معتقل يمثلون كل أطياف المجتمع من الإسلاميين إلى العلمانيين والشيوعيين. ونصف المعتقلين في مرحلة ما قبل المحاكمة بناء على تهم زائفة مثل “نشر الأخبار الكاذبة” أو “إساءة استخدام منصات التواصل الاجتماعي”. ويتهم المعارضون السياسيون بمساعدة جماعة الإخوان المسلمين التي تعتبر منظمة محظورة. وهؤلاء الناس لا يمثلون تهديدا على الدولة وبقاؤهم في السجن هي وحشية غير مبررة. وما علينا التفكير إلا بمشاعرهم وعجزهم أمام القوة الطاغية، والتفكير بالأيام الطويلة والليالي التي يقضونها في السجون القذرة، سواء في الزنازين المزدحمة أو الحجز الانفرادي. وعلينا التفكير بالقوة التي يحاولون حشدها للحفاظ على عقلهم وهدوئهم. فالسجن يدمر الناس، والسجن القائم على تهم زائفة أسوأ. ولا يمكن لمصر التقدم للأمام طالما كان هناك آلاف من المواطنين المحطمين والذين يعيشون في خوف.

وانتظر محفوظ حتى وفاة ناصر لينشر روايته القصيرة، فيما انتظرت مصر وفاة ناصر لتفهم الصدمة المدمرة التي تركها اضطهاده و”نحن لسنا بحاجة للانتظار، ونعرف ما يحدث في السجون المصرية ونعرف الأثر الكارثي الذي سيتركه هذا على مستقبل مصر، فلماذا نسمح باستمرار هذا؟”.

وربما أعمى قادة مصر العسكريون الخوف والسلطة ويجب على من يساعدوهم أن تكون لديهم رؤية أوضح. ومن غير المنطقي أن نتوقع من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والإمارات العربية المتحدة التي تقدم لقادة مصر العسكريين المال والسلاح والدعم السياسي أن تقدم لهم نصيحة جيدة.