الحيي الجواد الكريم الشهيد : ذو النورين

كان حَيِيًّا ، حتى وُصِف بالحياء ، وعُرِف به ، ونال مَنَازِل لَم يَنَلها أحد مِن هذه الأمّة !

اسْتَحيَا مِنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أَلا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلائِكَةُ ؟ رواه مسلم .

وفي الحديث قصة ، وهي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مُضطجعا في بيت عائشة رضي الله عنها كاشِفًا عن فخذيه أو سَاقيه ، فاستأذَن أبو بكر فأذِن له وهو على تلك الحال ، فَتَحَدَّث ، ثم استأذَن عُمر فأذِن له وهو كذلك ، فَتَحَدَّث ، ثم استأذَن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوَّى ثيابه ، فدَخَل فَتَحَدَّث ، فلمّا خَرج قالت عائشة رضي الله عنها : دَخَل أبو بكر فلم تَهْتشّ له ولم تُبَاله ، ثم دَخَل عُمر فلم تَهتَشّ له ولم تُبَالِه ، ثم دَخَل عثمان فجَلستَ وسَوّيت ثيابك ؟ فقال : ألا أسْتَحي مِن رَجل تَستحي منه الملائكة ؟ رواه مسلم .

قال أبو نُعيم عن عثمان رضي الله عنه : الْقَانِتُ ذُو النُّورَيْنِ ، وَالْخَائِفُ ذُو الْهِجْرَتَيْنِ ، وَالْمُصَلِّي إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ ، هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ . كَانَ مِنَ الَّذِينَ (آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا) [المائدة: 93] ، فَكَانَ مِمَّنْ (هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ) [الزمر: 9] . غَالِبُ أَحْوَالِهِ الْكَرَمُ وَالْحَيَاءُ ، وَالْحَذَرُ وَالرَّجَاءُ ، حَظُّهُ مِنَ النَّهَارِ الْجُودُ وَالصِّيَامُ ، وَمِنَ اللَّيْلِ السُّجُودُ وَالْقِيَامُ ، مُبَشَّرٌ بِالْبَلْوَى ، وَمُنَعَّمٌ بِالنَّجْوَى . (حِلْيَة الأولياء) .

وقد زوّج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عثمانَ رضي الله عنه بِنْتَين مِن بَنَاته ؛ فَزوّجه رُقيّة رضي الله عنها ، فتُوفّيتْ عنده ، ثم زوّجه أم كلثوم رضي الله عنها ؛ ولِذلك سُمِّي عثمان رضي الله عنه بـ (ذي النّورَيْن) .

قِيل للمُهَلَّب بن أبي صُفرة : لِمَ قيل لِعثمان : ذو النّورَين ؟ قال : لأنه لم نَعلم أحَدًا أسْبَل سِترًا على ابْنَتَيّ نَبِيّ غيره . وروى خيثمة في ” الفضائل ” والدّارَقُطني في ” الأفراد ” من حديث علي رضي الله تعالى عنه أنه ذَكَر عُثمان ، فقال : ذاك امرؤ يُدْعَى في السماء ذو النورين (عمدة القاري شرح صحيح البخاري ، للعيني)

فهذه فضيلة ليست لغير عثمان رضي الله عنه مِن البَشَر .

ومَن فضائل عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بايَع نِيَابَة عنه في بَيْعة الرّضْوان ، وأخبَرَ النبي صلى الله عليه وسلم أن عثمان رضي الله عنه يُختَم له بالشهادة ، وزوّجه بِِنْتَيْن مِن بَناته .

وسَمّى النبي صلى الله عليه وسلم أبا بَكر صِدِّيقا ، ووصَف عُمر وعُثمان بِوَصْف الشهادة ؛ فقد صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَبَل أُحُد وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ ، فَرَجَفَ بِهِمْ ، فَقَالَ : اثْبُتْ أُحُدُ ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ  .

وبشّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم عُثمانَ بالجنة في غير مَوضِع ، منها :

ما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَى حِرَاءٍ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ ، وَعُثْمَانُ ، وَعَلِيٌّ ، وَطَلْحَةُ ، وَالزُّبَيْرُ ، فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اهْدَأْ، فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ ، أَوْ صِدِّيقٌ ، أَوْ شَهِيدٌ  .

وَرَوى عبد الله بن حبيب السُّلَمِيّ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ حُوصِرَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ : أَنْشُدُكُمْ اللَّهَ – وَلا أَنْشُدُ إِلاَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم – أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ” مَنْ حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ ” فَحَفَرْتُهَا أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَالَ : مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ . فَجَهَّزْتُهُمْ ؟ قَالَ : فَصَدَّقُوهُ بِمَا قَال .

قال ابن حَجَر في ” الإصابة ” : وجاء مِن أوْجه مُتَواتِرة أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بَشّره بِالجنة ، وعَدّه مِن أهل الجنة ، وشَهِد له بالشهادة . ـ .

وعثمان رضي الله عنه كَرِيم جَوَاد .

فقد جاء عثمان رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بِألْف دِينار حين جَهّز جيش العُسْرَة ، فَنَثَرَهَا عثمان في حِجر النبي صلى الله عليه وسلم ، فَجَعل النبي صلى الله عليه وسلم يُقَلّبها ويقول : ما ضَرّ عُثمان ما عَمِل بعد هذا اليوم . قالها مِرارا .

خِلافة عثمان رضي الله عنه منصوص عليها ، فمن ذلك :

شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لِعثمان بِالجنّة ، وأنه على الْحقّ حتى يُقتَل .

أمّا شَهادة النبي صلى الله عليه وسلم لِعُثمان بالجنّة ، فمنه :

قوله صلى الله عليه وسلم : أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ ، وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ ، وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ .

وقال سعيدُ بن زَيد رضي الله عنه : عَشْرة في الجنة : النّبيّ في الجنة ، وأبو بكر في الجنة ، وعُمر في الجنة ، وعثمان في الجنة ، وعليّ في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير بن العوام في الجنة ، وسعد بن مالك في الجنة ، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة . قال سَعِيدُ بن زَيْد : ولو شئت لَسَمّيتُ العاشِر . قال : فقالوا : مَن هو ؟ فَسَكَتْ . قال : فقالوا : مَن هو ؟ فقال : هو سعيد بن زيد .

ومِن النّصّ على خِلافة عثمان رضي الله عنه ما جاء في حديث سَفِينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال سَفِينة رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الخلافة ثلاثون عامًا ، ثم يكون بعد ذلك الْمُلْك . قال سَفِينة : أمْسِك ؛ خلافة أبي بكر رضي الله عنه سَنَتَين ، وخلافة عمر رضي الله عنه عَشْر سنين ، وخلافة عثمان رضي الله عنه اثْنَتَا عشرة سنة ، وخلافة علي رضي الله عنه سِتّ سِنين رضي الله عنهم . رواه الإمام أحمد ، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن رجاله ثقات رجال الصحيح غير سعيد بن جمهان . اهـ .

فهذه ثلاثون سَنَة ذَكَرها مَن لا يَنْطِق عن الهوى ؛ وجاءت كما قال وأخبر صلى الله عليه وسلم ، وسَمّاها عليه الصلاة والسلام خِلافة نُبُوّة ، وَوَصَف الخلفاء بـ : الراشِدين الْمَهْدِييّن .

وأمّا أن عثمان رضي الله عنه على الْحقّ حتى يُقتَل ؛ فقال أبو الأشْعَث : قامَتْ خُطباء بِإيلْيَاء في إمارة معاوية ، فتَكلّمُوا وكان آخِر مَن تكلم مُرة بن كَعب ، فقال : لَولا حَديث سَمِعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قُمتُ ، سَمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَذْكر فِتْنة فَقَرّبَها ، فَمَرّ رَجُل مُتَقَنّع فقال : هذا يومئذ وأصحابه على الحق والْهُدَى ، فقلت : هذا يا رسول الله ؟ وأقْبَلْتُ بِوَجْهه إليه ، فقال : ” هذا ” ، فإذا هُو عثمان.

ومِن مَفَاخِر عثمان رضي الله عنه : أنه هو الذي جَمَع الناس على مُصحف واحد .

قال علي رضي الله عنه عن عثمان رضي الله عنه : يَا أَيُّهَا النَّاسُ لا تَغْلُوا فِي عُثْمَانَ ، وَلا تَقُولُوا لَهُ إِلاَّ خَيْرًا فِي الْمَصَاحِفِ وَإِحْرَاقِ الْمَصَاحِفِ ، فَوَ اللَّهِ مَا فَعَلَ الَّذِي فَعَلَ فِي الْمَصَاحِفِ إِلاَّ عَنْ مَلأٍ مِنَّا جَمِيعًا .

وكان عثمان رضي الله عنه مِن كُتّاب الوحي ، كما ذَكَر ابن القيم في ” زاد المعاد ” .

وكان عثمان رضي الله عنه مِن أهل القرآن ، وربما يقرأ القرآن في ركعة .

قال عبد الرحمن بن عثمان : قُمتُ خَلف الْمَقام أُصلّي ، وأنا أُريد أن لا يَغْلِبني عليه أحد تلك الليلة ، فإذا رَجُل مِن خَلْفي يَغْمِزني ، فلم ألْتَفِت إليه ، ثم غَمَزَني فَالْتَفَت ، فإذا هو عثمان بن عفان ، فتَنَحّيتُ ، وتقدّم وقرأ القرآن كُلّه في رَكعة ، ثم انصرف . رواه ابن أبي شيبة .

وخَرَج غوغاء الناس على عثمان رضي الله عنه وحُصِر وقُتِل ظُلْمًا رضي الله عنه والمصحف بين يديه .

وعند البيهقي في ” شُعب الإيمان ” أنه لَمّا دَخَل الْمِصْريّون على عثمان والمصحف بين يديه فضَربوه على ثَدْيه فجَرى الدم على : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) .

وعند ابن أبي شيبة أن الذين قتلوا عثمان رضي الله عنه انطلقوا هِرَابا يسيرون بالليل ويَكْمُنون بالنهار حتى أتوا بَلدا بين مِصر والشام , فكَمَنوا في غَار , فجاء نَبَطِيّ مِن تلك البلاد معه حِمَار , فَدَخل ذُباب في مِنْخَر الحمار , قال : فنَفَر حتى دَخَل عليهم الغار , وطَلَبه صاحبه فَرَآهم ؛ فانطلق إلى عامل معاوية , فأخْبَره بهم , فأخَذَهم معاوية فضَرَب أعنَاقهم .

قال حسان بن ثابت رضي الله عنه في رثاء عثمان رضي الله عنه :

ضَحّوا بِأشْمَط عُنوان السّجُود به … يُقطّع الليل تَسبِيحًا وقُرْآنا

وعثمان رضي الله عنه مِمّن شَاب في الإسلام .

وقد قُتِل رضي الله عنه بعد أن جَاوَز الثمانين سَنَة ، وكان مِن السّابِقين الأولين إلى الإسلام .

وحَسْب عثمان رضي الله عنه شَرَفًا وفَخْرًا : أنه مِن السّابِقِين الذين مَدَحهم الله وزكّاهم بِقولِه : (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) .

وشَهِد الصحابة الكرام رضي الله عنهم بِفَضْل ومكانة عثمان رضي الله عنه .

وقال عليّ رضي الله عنه : كان عثمان أوْصَلنا للرّحِم .

وقال ابن مسعود لَمّا بُويِع عثمان رضي الله عنه : بَايَعنا خَيرَنا ، ولم نأل .

وقالت عائشة رضي الله عنها لَمّا بَلَغها قَتْله : قَتَلوه ، وإنه لأوْصَلهم للرّحِم ، وأتْقَاهُم للرّب .

فَرَضْي الله عن عثمان ، وعن سائر الصّحْب الكِرام ، وحَشَرْنا في زُمرَتهم .

قال الإمام الذهبي : أَعَاذنَا اللهُ مِنَ الفِتَنِ ، وَرَضِيَ عَنْ جَمِيْعِ الصَّحَابَةِ ؛ فَترضَّ عَنْهُم يَا شِيْعِيُّ تُفلحْ ، وَلاَ تَدْخُلْ بَيْنَهُم ، فَاللهُ حَكَمٌ عَدْلٌ ، يَفعلُ فِيْهِم سَابقَ عِلْمِهِ ، وَرَحْمتُهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ

المصدر / سِيَر أعلام النبلاء