إذا ما اقترن لفظا (أضحية + طفل)، سنجد معاني السعادة والفرح والبهجة على وجوه أطفال، وأطفال آخرون ستكتسي وجوههم بالضيق والحزن على فراق الصديق- أقصد بالطبع الخروف-.
فما السبب في اختلاف ردود فعل أولئك الأطفال عند ذبحنا للأضحية؟
السبب يرجع لنا نحن الكبار وطرق تعاملنا مع منظر ذبح الأضحية بالنسبة لأطفالنا، فالكثير من الآباء يجبر أطفاله الصغار على رؤية منظر الذبح، على اعتبار أن ذلك سيجعل منه رجلاً ويعزز من صلابته، ويكسب شخصيته قوة تجعلها ينضج سريعًا ليصبح رجلاً!! ناسين أو متناسين أن أعصاب ذلك الصغير ونفسيته قد لا تقدر على تحمل منظر الدماء والأشلاء، ويلحق بذلك كنتيجة طبيعية أن تنتاب الطفل مشاكل نفسية متعددة؛ وقد تصاحبه إلى أن يكبر.
فنجد بعضهم وقد أصابته كآبة، وآخرين تصيبهم حالة من الإغماء عند رؤيتهم مشهد الذبح والدم، وهناك من يبكي بكاءً شديدًا ويصيحون بأعلى صوتهم (لقد قتلتم صديقي!!)، وأطفال قد تمتنع عن أكل لحم الخروف وفاءً له، وقد يمتد ذلك الامتناع حتى يكبر وتصبح عادة عنده.
إن الصورة المثلى التي يأمل كل والدين أن يريا أطفالهما عليها، هو صورة الطفل المقدام الفرح الفخور لأنه يطبق شرع ربه وسنة نبيه المصطفى- صلى الله عليه وسلم-، ويشارك في إطعام الفقراء والمساكين. ولكن كيف نصل بأطفالنا إلى تلك الصورة المثلى:
أولاً: يجب علينا اختيار الوقت الصحيح لمشاركة أبنائنا في عملية الذبح، فيرى كثير من علماء النفس أن تعريض الطفل لمثل تلك المناظر وهو لم يتعدَّ سن السادسة بعد، قد يؤدي لحدوث مشاكل نفسية يصعب حلها، ويؤكد ذلك د. محمد الحامد- استشاري ورئيس قسم الطب النفسي بمستشفى جدة- قائلاً: “إن الأطفال ممن هم دون سن 6 سنوات، يفترض أن لا يشاهدوا مثل هذه المناظر، والتي تخزن في داخلهم على أنها نوع من أنواع العنف، قد تكون لها تأثيرات واضحة على الطفل وسلوكه في المستقبل، خاصة أن الطفل في هذه المرحلة لا يميّز بين الصح والخطأ، فمن الممكن أن يخزّن الصور التي يراها في الذبح دون أن تتوافق مع المعايير الأخلاقية والقيمية السليمة”.
قد يقول قائل بأن ذلك يتعارض مع السنة المطهرة، فالرسول- صلى الله عليه وسلم- أمر السيدة فاطمة أن تقوم فتشهد أضحيتها. وأردُّ على ذلك قائلاً: أولاً هذا الحديث فيه ضعف، وقد ضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب، ثانيًا: حتى وإن صح الحديث فكلام الرسول- صلى الله عليه وسلم- موجه إلى السيدة فاطمة- رضي الله عنها-؛ وليس إلا الأطفال، وفي ذلك أيضًا ترى الدكتورة أمل العرفج- داعية وأستاذ تفسير القرآن ورئيسة الإرشاد الأكاديمي بكلية الآداب بالدمام- “أنه لا يوجد توجيه ديني صريح بحظر أو استحباب رؤية الأطفال لمشاهد ذبح الأضحية، وقد يكون ذلك عائدًا لاهتمام الدين الإسلامي بمراعاة نفسية الأطفال الحساسة”.
لذا أرى أنه لا يستحب أن يحضر ذلك المشهد الأطفال دون السادسة من العمر، ومن المعلوم في قصة فداء سيدنا إسماعيل- عليه السلام- أنه كان قد وصل لسن السعي (أي سن العمل وهو سبع سنين فأكثر) عندما أمر الله- عز وجل- أبيه إبراهيم- عليه السلام- بذبحه، قال تعالى ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ (102)﴾ (الصافات).
ثانيًا: تهيئة نفسية الطفل لاستقبال ذلك المنظر، ويكون ذلك بعدة طرق:
* أولها تعريف الطفل لماذا نذبح الأضحية، فيمهد الأب لذلك بأن يحكي قصة سيدنا إبراهيم وولده سيدنا إسماعيل- عليهما السلام- لطفله، وكيف أنزل الله- عز وجل- كبشًا فداء لسيدنا إسماعيل، لذا نحن نضحي كل عيد. وأيهم أغلى عندك- أي الطفل- سيدنا إسماعيل أم الخروف؟.
* لا بد أن نفهمه بطريقة بسيطة أن هذا الحيوان خلقه الله لذلك، وأننا “هنوزعه لحمه” على الفقراء، ليفرحوا ويشعروا ببهجة العيد كما تشعر أنت بها، وأننا بذلك نطيع ربنا.
ثالثًا: التدرج مع الصغير في رؤية هذا المشهد، ففي عام نجعله يوزع معنا الأضحية على الأقارب والفقراء دون رؤية ذبحها، والعام الذي يليه نجعله يشارك في تقطيعها وتوزيعها أيضًا، ثم العام الأخير يشارك معنا في عملية الذبح من الألف إلى الياء.
رابعًا: إحضار الأضحية إلى البيت متأخرًا، حتى لا يرتبط بها أطفالك عاطفيًّا، فالبعض منا قد يحضر أضحيته قبل فترة من العيد، فيلعب معها الأطفال ويمرحون، وتصبح الأضحية مصدر سعادتهم وفرحتهم، ثم يجيء يوم العيد لينهي هذه البهجة من وجهة نظرهم.
ختامًا.. لا شك أنه بوجود مظاهر إيجابية لرؤية الأطفال للأضحية خلال ذبحها، ولكن يشترط قبل ذلك البدء في الخطوات التدريجية التي ذكرتها، حتى نجد أطفالنا يوم العيد يسارعون فرحين مقبلين لتطبيق شرع ربهم وسنة نبيهم الحبيب، مكبرين بأعلى صوتهم ليشاركوا في عملية الذبح بدون حساسية أو خوف.