الدكتور / خالد أبو شادي ، فك الله اسره
حرق شجرة الإيمان
يوقد نار الشهوة التي تحرق شجر الإيمان، ولا تتركه حتى تجعله رمادًا.
قال العلاء بن زياد: “لا تُتْبِعْ بصرك رِداء المرأة، فإن النظر يجعل شهوة في القلب”، وقال ابن مفلح وهو يفضح تزيينالشيطان للعورات أضعاف ما هي عليه من الجمال: “ليحذر العاقل إطلاق البصر، فإن العين ترى غير المقدور عليه على غير ما هو عليه”.
وأكثر قسوة القلوب اليوم هي من إطلاق البصر.
العين أوسع أبواب الشيطان!
العين أسهل باب يدخل منه الشيطان، وأكثر ما يدخل منه.. قال القرطبي: “البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواسِّ إليه، وبحسب ذلك كثُر السُّقوط من جِهَته، ووجب التَّحذير منه”.
لحظة لذة = حِرمان أبدي
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: “من غضَّ بصره عن النَّظر الحرام زُوِّج من الحور العين”.
ولعله استقاه من حديث نبيِّنا:
«من لَبِس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، ومن شرِب الخمر في الدنيا لم يشربه في الآخرة، ومن شرب في آنية الذهب والفضة في الدنيا لم يشرب بها في الآخرة»، ثم قال: «لباس أهل الجنة، وشراب أهل الجنة، وآنية أهل الجنة» (صحيح الترغيب [2050]).
وكيف يطمع في النظر إلى وجه الله الكريم من خالف أمره بالنظر الذي أَمَره به الشيطان الرجيم!
الدنيا باختصار: موسم اختبار، فيه تختار، بين نعيم الجنة وجحيم النار.
النظر بريد الزنا..
والزنا ليس بالضرورة زنا الفرج، بل يشمل كذلك زنا القلب بالعشق والغرام، وزنا اليد باللمس والاختلاط، وزنا القدم بالسعي إلى الحرام وأماكن الموبقات، ومن أقدَم على هذه المقدِّمات تجرأ بعدها ولابد على الفواحش والمنكرات.
في الحديث: «كُتِبَ على ابنِ آدمَ نصيبُهُ منَ الزِّنى مدرِكٌ ذلِكَ لا مَحالةَ ، فالعينانِ زناهما النَّظرُ ، والأذُنانِ زناهما الاستماعُ» (صحيح مسلم [2657])، فبدأ بزنا العين لأنه البوابة إلى زنا اليدين والرجلين والقلب والفرج.
ولا تستبعد المسافة بين زنا العين وزنا الفرج.. رحلة قد تطول أو تقصر، والشيطان لا يهمه بُعْدُ المسافات، فمشوار الألف ميل يبدأ بخطوات، وهو متربِّصٌ بك، وفي الانتظار.
صغيرة أكبر من كبيرة
الإصرار على الصغيرة يقلبها كبيرة، وقد يكون الإصرار على النظرة أعظم من قليل الفواحش، ولذا قال ابن تيمية في قول يصدم المستهينين بالصغائر ومنها إطلاق البصر: “دوام النظر بالشهوة وما يتصل به من العشق والمعاشرة والمباشرة؛ قد يكون أعظم بكثير من فساد زنا لا إصرار عليه”.
ضياع الصلاة خشوعا وإقامة..
والله ما أطلق عبدٌ بصره إلا حُرِم الخشوع ابتداء والانتظام في الصلوات انتهاء!
وأي شيء يبقى من دينك إذا ضاعت صلاتك؟!
ولذا أوصَوْا: “من ترك فضول النَّظَر وُفِّق للخشوع”.
آثار النظر مسمومة!
مِنْ شؤم النظرة المحرمة أن أثرها يدوم في القلب كالنقش على الحجر، ولا ينقطِع هذا الأثر إلا بقطع مادته.
قال ابن القيم: “إِطلاق البصر ينقش فِي الْقلب صورة المنظور إليه، والقلب كعبة، وما يرضى المعبود بمزاحمة الأصنام!”، ولذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: “الإثم حوازُّ القلوب، وما من نظرة إلا وللشَّيطان فيها مطمع”.. وحوازُّ بتخفيف الواو وتشديد الزاي جمع حازَّة، وهي الأمور التي تحِزُّ في القلوب أي تؤثِّر فيها تأثيرًا طويلًا، و هذا ظاهر من دوام أثر النظرة بعد غياب المنظور إليه.
لا تصح توبة مع إدامة نظر!
قيل لأبي عبدالله أحمد بن حنبل: “رجلٌ تاب”، وقال: “لو ضُرِب ظهري بالسياط ما دخلت في معصية الله؛ إلا أنه لا يدَعُ النظر؟!”، فقال: “أيُّ توبةٍ هذه؟!”.
ومعنى كلامه: ما قيمة مثل هذه التوبة مع استمرار إطلاق البصر؟!
النظر إلى الصور أخطر من النظر إلى البشر!
لأنه يتم في غياب الرقيب، فيكون العبد عليه أجرأ، لا يستحي من نظر الخلق، فيجمع مع الذنب استخفافه بنظر الله إليه، ووِزر ذنوب الخلوت.
فساد البيوت وانهيار الزواج!
فكم من نظرة أفسدت بيتا، وزهَّدت في زواج، ورغَّبت في حرام، وصدَّت عن عفة، وكانت سبب نفور زوج من زوجه، وبداية عداوة بينهما، ولربما انتهى الأمر بالكره ثم الطلاق.