إنكم الغرباء الذين يصلحون عند فساد الناس، وأنكم العقل الجديد الذي يريد الله أن يفرق به بين الحق والباطل في وقت التبس عليها فيه الحق بالباطل، وأنكم دعاة الإسلام، وحملة القرآن، وصلة الأرض بالسماء، وورثه محمد ﷺ وخلفاء صحابته من بعده، فضلت دعوتكم الدعوات، وسمت غايتكم علي الغايات، واستندتم إلى ركن شديد، واستمسكتم بعروة وثقي لا انفصام له، وأخذتم بنور مبين وقد التبست علي الناس المسالك وضلوا سواء السبيل، والله غالب على أمره.
أيها الأخ الوفي
لقد مرت الدعو بمواقف كثيرة على مرِّ تاريخها كانت كفيلة – بحسابات البشر – أن تستأصلها من الجذور، ولكنَّ الله عز وجل أخرجها من هذه المواقف أقوى مما كانت، وأعلى قدرًا، وما ذلك إلا بصدق نوايا أوتادها، ونقاء سريرتهم، وحسن توجهم إلى الله، ورغبتهم الأكيدة في نصرة دينه، وإعزاز شرعه.
– فلنبق على هذه الحالة مع الله، يرفع الله عز وجل قدر الدعوة أكثر وأكثر، ولنتقرب منه سبحانه وتعالى يتقرب منكم، وانصروه ينصركم، وازدادوا تمسكًا بالقرآن والسُّنَّة، ولا تتنازلوا عن ثوابتكم، وأعلنوها صريحة واضحة أنكم ما قمتم به من جهد إلا إرضاءً لرب السماوات والأرض، وطلبًا لجنته.
– وحِّدوا صفكم، وشدوا من أزر بعضكم البعض، ولا تتفرقوا أبدًا؛ فإنَّ يد الله مع الجماعة. لقد كان أحد أكبر أسباب قوتكم أنكم كنتم دومًا يدًا واحدة أذهلت القريب والبعيد، وما استطاع أحد أن يخترق صفكم المحكم، وكانت قلوب بعضكم شفيقة على إخوانها، رفيقة برفقاء دربها. فحافظوا على هذه الحالة التي يحبها الله ورسوله ﷺ.
– لا تَهُولنَّكم كثرة الضربات الآن واشتدادها، ولا يهولنكم تجمُّع المجرمين بشتى توجهاتهم عليكم؛ فإنَّ هذه علامة قوتكم، ودليل تفوقكم.
– ثقوا في قيادتكم التي اخترتموها بأنفسكم. لقد دبَّر الله عز وجل لهذه الجماعة أمرها، فعرفت الشورى في زمن اختفى فيه هذا الأصل من حياة الناس، فأخذت به في قراراتها ومواقفها، واختارت به زعماءها وقادتها، وهذه الشورى تقودها إلى كل خير.
– ستجدون الحرب عليكم قد داست على كل خُلُق حميد، وتنكرت لكل عُرف شريف، فلا يجرنَّكم هذا السلوك المشين إلى محاكاته أو إلى المعاملة بالمثل. حافظوا على نقاء ألسنتكم، وإياكم والفحش، وتجنبوا الغيبة والنميمة، وحذار ثم حذار من الكذب، وضعوا نُصب أعينكم أن دعوة الإسلام جاءت لإتمام الأخلاق، فإذا أدركتم ذلك وطبَّقتموه، فقد فزتم برضا الله عز وجل ورضوانه.
– اعلموا أن طريق الدعوات مليء بالابتلاءات، وأن المرء يُبتلى على حسب دينه، فإن كان في دينه قوة شُدِّد عليه في الابتلاء، وإن كان في دينه رقَّة خُفِّف له فيه. فلا تحزنوا من رؤية المحن، أو من تلقِّي الصدمات، فهذا أمر طبيعي، بل هو علامة صدق، ودليل إيمان.
– ولا تحزنوا أبدًا على فَقْد الشهداء؛ فإنَّ هذه مصارع أخياركم، وإن هذا اصطفاء ربكم، وإن هذه أُمنية نبيكم ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ».
– زادُكم أيها الإخوان في قُربكم من الله عز وجل. إنَّ الذي سينفعكم في هذه الأيام هو طول القيام بين يدي الرحمن سبحانه وتعالى فأكثروا منه، فإنَّ حَمَلَة الدعوة، وبُنَاة الأمة لا يكفيهم هذا، فاستيقظوا قبل الفجر بساعتين، واستمتعوا بلقاء ربكم، واطلبوا منه ما أردتم؛ فإنه تعالى يتنزل إلى السماء الدنيا في هذه اللحظات. ولا تنقصوا أبدًا من وردكم القرآني. وليكن زادكم منه جزءًا على الأقل يوميًّا، وحافظوا على صلواتكم في مساجدكم، ولا تزال ألسنتكم رطبة بذكر الله تعالى، وأكثروا من الاستغفار، وارفعوا أيديكم دومًا إلى ربكم بالدعاء.
أيها الإخوان الصادقون. أخلصوا نياتكم لله عز وجل، فإنَّه مُطَّلع على قلوبكم، وتوشك الأيام أن تمر، فتتخلصوا من عناء الدنيا، وتسعدوا بصحبة نبيكم ﷺ، فاصبروا وصابروا ورابطوا، وافعلوا الخير لعلكم تفلحون