رؤية فقهية جماعية حول الصلاةُ اقتداءً بالإمام عبْرَ البث المباشر

وبعد بحث ودراسة متأنية جُمعت فيها جميع حجج المانعين وجميع حجج المجيزين ومناقشتها جميعا ، وبعد التحقيق في كل ماورد من أسباب المنع وعللها وأسباب الإجازة ومقاصدها ومآلاتها صدر هذا البيان الختامي الجماعي للموقعين على هذا البيان ، وسوف يصدر لاحقا كتيب بالبحث والدراسة لهذه المسألة تم أعداده . وبالله التوفيق والسداد

البيان الختامي

رؤية فقهية جماعية حول
الصلاةُ اقتداءً بالإمام عبْرَ البث المباشر
الإثنين 20 أبريل 2020 /27 شعبان 1441

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق وإمام المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وأزواجه أمهات المؤمنين، وأتباعه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد
فقد انتشر في العالم كلِّه مؤخَّرًا وباءُ وجائحةُ فيروس كورونا، التي فرضت على العالمِ كلِّه واقعًا مستجِدًّا، لم يأْلَفْه الناسُ من قبل، سواءً في طبيعة الجائحة ، أو في الآثار التي ترتبت عليها، من تغيير في الكثير من نُظُم الحياة، وبخاصة النُظُم الحياتية والمعيشية والاجتماعية، وكذلك النُّظُم الدينية، وطرق أداء العبادات بشكل عام ، وتعطيل دور العبادة المختلفة بشكل خاص.
وبذلك طرأ علينا نحن المسلمين وضعٌ جديدٌ، فأُغلِقَت المساجدُ تحت وطْأَةِ الأزمة وشِدَّتِها، مما دفع العلماء المؤسسات الدينية سواء الرسمية منها والشعبية ، تدعو المسلمين للبقاء في بيوتهم، وإيقاف صلوات الجُمَع والجماعات، حفاظًا على النفس الإنسانية، حيث إن الحفاظ عليها، مقصد رئيسٌ من مقاصد التشريع.
وحيث إنه لا عِلْمَ لأحدٍ بأجلِ انتهاء هذا الحجر الصحي، فكان لزامًا على الأئمة والفقهاء والعلماء، أن يجتهدوا في البحث عن حلولٍ وفتاوى جديدة، تناسب هذه النازلة من ناحية، ولا تقطع ارتباطَ المسلمين بأئمتهم ومساجدهم من ناحية أخرى، من خلال الاستئناس بالقواعد الفقهية، والنظرِ في المقاصد الشرعية، والمآلات التي يمكن أن تؤول إليها هذه الأمور كلها.
وبخاصةٍ مسألةُ الصلاةِ خلف الأئمة، والاقتداءِ بهم، عبرَ وسائلِ الاتصالِ الحديثة، ومدى مواءمةِ ذلك للأصول العامة للشريعة، وكذلك الالتزام بكافة الضوابط والتعليمات الصادرة من الجهات المختصة، والتي تهدف إلى المحافظة على حياة البشر أجمعين.
ففي ظِلِّ هذه الظروفِ الاستثنائيةِ، التي تمرُّ بها أمتُنَا، من جرَّاء فيروس كورونا، والحظْرِ المفروضِ بسببه، فقد تشاور الموقِّعون على هذه الفتوى، واتفقوا – بعد تداول الأدلة والآراء الفقهية المختلفة ببحث مستقل – على إصدار هذا البيان الموجز، مرفقا ببحثٍ علميٍّ متكامل ومفصَّلٍ، للراغب في تفاصيل الأدلة وحيثيات إصدار هذا البيان

فقد تم إصدار هذه البيان ، بعد التشاور والتوافق، وبناءً على معطياتٍ كثيرة، أهمها:
1. من القواعد الفقهية المعلومة لدى الفقهاء أنه: لَا يُنْكَرُ تَغَيُّرُ الْأَحْكَامِ بِتَغَيُّرِ الْأَزْمَانِ، وهي قاعدة فرعية، منبثقة عن القاعدة الأم الكبرى: العادةُ محكَّمة.
2. وحيث أن الحكمَ الشرعي يدور مع علته وجودًا وعدمًا، فإنه يختلف من واقعة إلى واقعة بتغير الزمان، والمكان، والحال، وليس معنى ذلك أن الأحكامَ الشرعيةَ مضطربةٌ، ويحصل فيها التذبذبُ والتباينُ، بل إن الحكمَ الشرعيَّ لازمٌ لعلته، وسببِه، ودائرٌ معه حيث دار.
3. ما أكثر المستجِداتِ في زماننا، والتي تحتاج إلى طرحِ خطابٍ فقهيٍّ ودعويٍّ متجدد يتعامل معها، فليس من المعقول، أن يتبنى الخطاب الدعوي الفقهي، فتاوى وأحكامٍ ، بتنزيل مغاير لواقع تنزيله ، ولا مع حجم ونوع القضايا المتجددة، بخاصة وأن أكثر هذه القضايا، لم تُبحَث من قبل، لعدم ورودها على السابقين، مما جعل الكثير يتوقف عن الحديث فيها.
وبناءً على كل ما سبق، وفي ظل هذه الظروف الاستثنائية، التي يمُرُّ بها المسلمون في كل مكان بالعالم، يرى الموقِّعون على هذا البيان ما يلي:

أولا: يجُوزُ للناسِ في بيوتهم، والذين هم تحت طائلة الحظْرِ والحجْرِ، والمنْعِ من التجَمُّعَات والخروجِ لغيرِ الضرورة: يجُوزُ لهم الائْتِمَامُ والاقْتِدَاءُ بالأَئِمَّةِ، والصلاةُ خلْفَهُم، عبْرَ البثِّ المبَاشِرِ، بوَسَائِلِ الاتِّصَالِ الحَدِيثَةِ والمتَاحَةِ، والتي تُسهِّل عملية التواصل السمعي والبصري، بين الإمام والمأموم.

ثانيا: وقد اشترط العلماء في ائئتمام المأموم بالإمام شرط اتحاد الزمان والمكان لصحة هذه الصلاة فيصح لكل من توفرت له هذه الشروط متابعة الإمام الذي يرغب.

ثالثا: لا فرق في ذلك بين ما إذا كان المأمومُ في مكانٍ متقدمٍ على الإمامِ أو متأخرٍ عنه، فإن في المسألة خلاف بين الفقهاء عند الحاجة ، حتى تمر هذه الظروفُ الاستثنائية التي يعاني منها العالم كله، وذلك عَمَلًا بالْقَاعِدَةِ الْفِقْهِيَّةِ: (المشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ، وما تَفَرَّعَ عَنْهَا من قَاعِدَةِ: إِذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَع).

رابعا : إذا حدث انقطاع للتيار الكهربائي : إذا كان ذلك أثناء الخطبة ولم يعد للبث مرة أخرى فقد بطلت جمعته ، ويجب عليه أن يصلي الظهر، وإن انقطع البث بعد سماع الخطبة والدخول في الصلاة ، فلهم إما استخلاف أحدهم لإمامة الجمعة ركعتين ، أو يصلون صلاة المسبوق باتمام ركعتين كذلك.

خامسا : أن هذه المسألة مسألة خلافية بين العلماء ، وليست من مسائل الاجماع ، لكل مجتهد فيها أدلته ، ولا يجوز الانكار على المخالف فيها ، وأن الخلاف فيها مبني على تنزيل الاجتهاد الفقهي وفهم واقع التنزيل.

سادسا : أن هذه الفتوى مبنية على الضرورة والحاجة ينتفي العمل بها بزوال السبب ،كما لا يخفى أن “الحكم يدور مع علته وجودا وعدما” فإذا انقضت النازلة رجع الحكم إلى أصله والحريصون على اقامة الشعيرة اليوم أحرص عليها عند فتح المساجد أبوابها.
هذا وبالله التوفيق والسداد وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والله تعالى من وراء القصد، وهو أعلى وأعلم بالصواب.

وقد أفتى بهذه المسألة علماء ثقات مشهود لهم بالعلم والصلاح منهم : الأستاذ الدكتور الشيخ الحسين آيت سعيد من المغرب في فتواه المنشورة عبر الجرائد المغربية ، الأستاذ الدكتور الشيخ حمزة النهيري من المغرب العربي ، الأستاذ الدكتور الشيخ جدي عبد القادر من الجزائر بحثه المنشور على الفيس بوك ، والشيخ العلامة والفقيه المحدث أحمد بن الصديق الغماري في بحثه “الإقناع بصحة صلاة الجمعة في المنزل خلف المذياع”.
أقَرَّهُ ووَقَّعَ عليه، أصحابُ الفضيلة :

الشيخ د/ محمد البر – نيويورك New York
الشيخ د/ محمد موسى – نيوجرسي New Jersey
الشيخ د/ صفوت مرسي – كليفورنيا California
الشيخ د/ محمد عبد العاطي – كونيتكت Connecticut
الشيخ د/ نصر الخطيب – بنسلفانيا Pennsylvania
الشيخ د/ سعد عوض – نيويورك New York
الشيخ د/ عبد الجواد قنصوه – نورث كالورانيا North Carolina
الشيخ د / بشير مولود – إلينوي Illinois

كل عام وأنتم بخير وطاعة