في حواره المنشور اليوم بصحيفة “عربي 21” يبعث الأستاذ إيراهيم منير، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، عدة رسائل للنظام العسكري في مصر ولنظام الحكم السعودي وللقوى السياسية المصرية المؤمنة بثورة 25 يناير وكذلك للقوى الدولية والعالمية.
الأفكار لا تموت
الرسالة الأولى خصصها لجنرال الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي وأركان عصابته، بالتأكيد على أن “الأفكار لا تموت” فهي محصنة ضد القتل والإبادة، وهي رسالة تأتي ردا على تهديدات طاغية الانقلاب بأن “جماعة الإخوان لن يكون لها أي دور في مصر ما دام موجودا في السلطة”!.
يقول منير: “كأن السيسي بتصريحاته تلك اتخذ وعدا من الله بأنه سيعيش إلى الأبد وأنه يعلم تماما بأنه سيظل في سلطته المُغتصبة لسنوات قادمة، في حين أن التاريخ والواقع يؤكدان أن أحداثا كثيرة تغيرت ومواقف كثيرة تبدلت، والمستقبل سيراه الشعب بأعينه قريبا ليعلم الصادق من الكاذب ومن الذي سيبقى وينتصر في نهاية المطاف، إرادة المصري أم إرادة الانقلابيين السفاحين”.
بحسب منير فإن هذه التصريحات التي نشرتها صحيفة “الشاهد الكويتية” تؤكد أنه “شخص لا يقرأ التاريخ، ولا يدرك حقائق الواقع، ولا يستشرف المستقبل بأي صورة من الصور، بل إنه لا يرى ما تحت قدميه ولا ما بين يديه، ولا يدري كيف تسير الدنيا الآن، إلا أن هذه هي أجندته التي جاء من أجلها، وهي الأجندة الصهيونية”.
ويضيف “منير”: “مثل هذه الترهات الكاذبة والأحلام المُتوهمة قالها جمال عبدالناصر في أغسطس 1965 خلال زيارته للاتحاد السوفييتي، أعلن وقتها اعتقال جميع من تم اعتقالهم سابقا من الإخوان بلا أي اتهام أو ذنب..بل وحتى الذين كانوا معتقلين في عهد الملك فاروق، وأصدر ضدهم أحكاما مشددة وصل بعضها للسجن مدى الحياه، لكن في النهاية مات عبدالناصر وأعوانه وبقيت جماعة الإخوان”.
الجماعة باقية على ثوابتها
في رسالته الثانية يؤكد نائب المرشد العام أن “الجماعة لم ولن تنتهي رغم كل هذه المجازر البشعة التي تعرضت لها، ورغم كل حملات التنكيل والتشويه والظلم، ورغم كل المحن والاعتقالات والمصادرات والافتراءات، ومزاعمه بشأن الإخوان هي للاستهلاك الخارجي التي لن يجني من ورائها أي طائل أو عائد”.
وقال: إن الإخوان “كانت وستظل جماعة قوية وراسخة ومتماسكة بإذن الله وتمضي قدما في طريقها إلى الإمام دون تردد أو تراجع، فهي ثابتة على مبادئها، مخلصة لأوطانها وقضايا أمتها، ومسيرتها ودورها الرائد يشهد به القاضي والداني، ولن يستطيع أي أحد أن يطفئ نورها بفضل الله، وهي تسير في طريقها الذي بدأته قبل تسعين عاما وتواصل المسير في حين اندثر كثير من الكيانات والجماعات”.
وتابع: “الضعيف لا يهتم به أحد، ولا يتكلم عنه أحد، فإذا كان الانقلاب على إرادة الشعب في مصر عند وجود رئيس من الإخوان، والانقلاب في اليمن لمحاربة الإخوان، وإعلان حفتر في ليبيا محاربة الإخوان. وغيرها من المناطق الأخرى. فماذا يعني هذا إلا الوجود القوي للإخوان؟ لو ضعفت الإخوان لما اهتم بها أحد ولا تحدث عنها أحد”، بحسب منير.
لا مصالحة مع الانقلابيين
الرسالة الثالثة، هي التأكيد على أنه لا مصالحة مع الانقلابيين، موضحا أن مفهوم المصالحة هو “التمسك بالشرعية بعودة المسار الديمقراطي، وإعادة السلطة للشعب من جديد، وتمكينه من تقرير مصيره واختيار من يحكمه، وهذا هو حق خالص للشعب لا نملك أن نفرط فيه”.
وأضاف:” رغم اعتقالات النظام لأفراد جماعة الإخوان وأحكام الإعدام الجائرة والباطلة لم يتنازل الإخوان، وهذا دليل على عدم وجود أي مصالحة مع الانقلاب، ولا يمُكن لذي عقل أن يتنازل أو يفوض في ما ليس هو مُفوض بشأنه، فنحن لسنا وكلاء عن الشعب المصري”.
وحول زعم الإعلامي عمرو أديب أن السيسي رفض كل صفقات الإخوان منذ اليوم الأول لحكمه، قال “منير”:” أعلن أمام الله ثم أمام الشعب المصري وعبر موقع عربي21 أن جماعة الإخوان لم تتقدم بأي صفقة لهذا الانقلاب الغادر، إنما كانت تأتينا رسائل لتبييض وجه النظام ولمحاولة تحسين صورته أمام العالم ومن أجل إعطائه الشرعية، وهذا ما لا نملكه ولن نفعله حتى آخر يوم في أعمارنا إن شاء الله”.
وشدّد نائب مرشد الإخوان على أن الإخوان وكل من وصفهم بالأحرار في مصر لن يعطوا “السيسي أو نظامه أي شرعية، ولن يمنحوه قبلة الحياة؛ لأن ذلك ليس من حقنا، وحفاظا على مكتسبات الثورة وحقوق الإرادة الشعبية وحفظا لدماء الشهداء والجرحى ولحق الأسرى في سجون الانقلاب”.
وأوضح أن “الرسائل التي كانت تصل لجماعة الإخوان انتهت وتوقفت قبل إجراء مسرحية انتخابات الرئاسة، فقد كان موقفنا واضحا وصريحا ومُعلنا، وقد وصل للسيسي ولكل من يعينهم الأمر في الداخل والخارج، وسنظل ثابتين عند هذا الموقف مهما تحملنا من ابتلاءات ومحن في سبيله”.
تشويه المؤسسة العسكرية
الرسالة الرابعة، في حوار نائب المرشد العام، أن سياسات النظام القمعية أفضت إلى تشويه صورة الجيش والشرطة، مؤكدا أن الربيع العربي كان فعلا مستحقا وواجبا على شعوب المنطقة لمحاولة التخلص من الاستبداد والفساد والظلم وقهر المواطنين، وإن كانت هناك معالجات خاطئة فهي مؤامرات الدول العميقة وأعوانهم وأدواتهم وليست معالجات الشعوب التي تتطلع للحرية والديمقراطية والسلام”.
وتابع:” التشخيص الخاطئ والمعالجة الخاطئة الحقيقية هي ما جرى في 3 يوليو 2013، وليس ما جرى في 2011، وللأسف أصبح الشعب ينظر حاليا لأي ضابط بالجيش أو الشرطة على اعتبار أنهم خانوا أمانتهم وأصبحوا خدمة للانقلاب، وأعتقد أن هذه تهمة لا يقبلها أكثر ضباط الجيش والشرطة وخاصة الشرفاء والأحرار منهم”.
وأشار إلى أن “الانقلابيين تسببوا في تدمير صورة المؤسسة العسكرية التي كانت لها مكانة وتقدير خاص في قلوب المصريين، والمؤسسة الأمنية التي لم يسعفها الوقت للتبرؤ مما حدث في السنوات الماضية”.
ونوه إلى تراجع الجيش المصري في التصنيف الأخير لموقع غلوبال فاير باور المتخصص في تصنيف الجيوش؛ حيث تراجع من المركز العاشر إلى المركز الثاني عشر رغم الإنفاق الضخم على صفقات السلاح التي أبرمها السيسي، خلال السنوات الخمس الماضية.
وأصبحت مصر أكبر مشتر للسلاح في العالم، وفق تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) والمعني بمراقبة حركة بيع وشراء السلاح في العالم.
سيناريوهات نهاية السيسي
في الرسالة الخامسة، يتوقع منير ألا يكون للسيسي أي دور في المستقبل، وليست جماعة الإخوان، لأن صلاحياته قاربت على الانتهاء؛ حيث إنه مجرد أداة في أيدي أسياده في الخارج الذين يحركونه ويأمرونه، ثم قريبا سيلقون به في مزبلة التاريخ، ولن يصبروا عليه كثيرا بعدما أصبح عبئا عليهم وعلى غيرهم”.
وأكمل:” هذه التصريحات تؤكد أن السيسي مهزوم وفي أزمة حقيقية، حيث إنه هُزم نفسيا الآن أمام صمود الثوار والأحرار لأكثر من خمس سنوات متواصلة. والتحركات التي يجريها في الخارج هي تحركات شو إعلامي، لأنه يخشى كثيرا من غده، ومن أي ساعة قادمه قد تحمل في طياتها سيناريو نهايته. وهو يدرك في قرارة نفسه أنه انتهى بالفعل”.
وحول سيناريوهات نهاية الطاغية السيسي يقول منير: “الشعب قد يكتب سيناريو نهاية السيسي بثورة شعبية لا تبقي ولا تذر، وقد يكتبها جنرالات سابقون أو حاليون بالجيش.. بل إنه قد يكتب تلك النهاية المُنتظرة، والتي نراها قريبة، أقرب المقربين لقائد الانقلاب، ومن حيث لا يحتسب ولا يتوقع”.
ويدلل على ذلك بقوله: ” هذا الرجل يشك في نفسه وفي جميع من حوله، وهو لا يأمن على نفسه مطلقا، ويعيش حياة اضطراب وضنك غير مسبوقة، ويبدو أن هذه الأجواء قد تشجع الكثيرين على سرعة التحرك ضده للإطاحة به والنيل منه بشكل أو بآخر، وقد تلوح في الأفق القريب ملامح لمشهد النهاية الذي لا يراه الكثيرون في الوقت الراهن”.
ويدلل على تصوراته تلك بأن ثمة تذمر داخل المؤسسة العسكرية رفضا لسياسات وتوجهات قائد الانقلاب يقول منير حول ما يتردد عن وجود إقالات واعتقالات متواصلة في صفوف الجيش: “ليست لدينا معلومات يقينية في هذا الصدد.. إلا أن الرسائل والإشارات التي تصل إلينا تقول إن هناك تذمرا وتململا متصاعدا لدى الكثير من ضباط الجيش الرافضين لممارسات السيسي وسياساته أو الممتعضين منها وأنه لا يقبل مطلقا أي معارض له داخل أو خارج المؤسسة العسكرية”.
وأشار إلى أن “السيسي يعتبر أي تذمر أو صوت معارض له أو مجرد مختلف معه خاصة داخل الجيش بمثابة خيانة أو محاولة انقلاب عليه، لذلك يقوم سريعا بالتنكيل بكل هؤلاء سواء عن طريق الاعتقال والمحاكمات أو الإقالات أو حتى التصفية الجسدية حتى ينهي على أي كفاءة عسكرية حقيقية أو شريفة في الجيش؛ ولم يسلم الكثيرون ممن وقفوا معه في انقلابه وحتى ممن أيدوه في مجزرة رابعة من غدره”.
مخرج من الأزمة
أما الرسالة السادسة، فهي للأسرة الدولية إذا أرادت مخرجا للأزمة في مصر؛ حيث يقترح منير للخروج من الأزمة العودة إلى الشعب من جديد، وللتأكيد على ثقة منير في قوة الجماعة وشعبيتها ردا على تهديدات ومهاترات السيسي اقترح منير إجراء استفتاء شعبي أو انتخابات حقيقية ونزيهة تحت إشراف دولي وقضاء حر، حتى يعرف جنرال العسكر حجمه الحقيقي وأنه بات بلا شعبية تذكر مقارنة بشعبية الجماعة التي اتسعت وامتدت بفعل صبرها وصمودها ضد ظلم العسكر وطغيانهم، متابعًا: “لكننا متأكدون تماما أنه لن يجرؤ على فعل ذلك، ورغم ذلك نقول إنه لا مانع لدينا من أن يعود الأمر كله مرة أخرى للشعب المصري في انتخابات حقيقية بإشراف دولي لنرى رغبة الشارع المصري ونبضه الحقيقي”.
ويؤكد منير أن المجتمع الدولي لا يرغب ولا يرضي بقيام السيسي بتعديل الدستور لمد فترة حكمه؛ موضحا أن هناك اتجاها دوليا حقيقيا رافضا لتعديل الدستور، مستدركا بالقول: “أما إذا تم تعديل الدستور فستكون مصر مفتوحة على سيناريوهات كثيرة ومختلفة وبعضها مرعب وعواقبه وخيمة على الجميع”.
وحول استشرافه لمستقبل السيسي في الحكم، قال: “ما أعلمه بحسب ما لدينا من معلومات وما أشعر به أن جهات دولية كثيرة أنذرته بأن هذه هي آخر فترة حكم له، وأنه لابد أن يرحل بعد انتهاء هذه المدة الثانية والأخيرة، وسيكون استمراره في الحكم خلال الفترة المتبقية له – إن أكملها – بمنزلة جائزة له على ما فعله، لكن من يدري قد تكون نهايته اليوم وليس غدا”.
وتابع: “نحن ندرك جيدا أن الشعب انتقل إزاء هذه العصابة الحاكمة من مرحلة عدم وضوح الرؤية إلى مرحلة الإدراك الكامل، وبقيت لحظة التحرك والتنفيذ، والشعوب دائما هي التي تحدد الوقت الذي تراه مناسبا للخلاص من هذا التسلط.. ولا نتصور أن هذا اليوم بات بعيدا، بل هو قريب وأقرب مما يتصور الكثيرون، وأتصور أننا اقتربنا من المرحلة التي سيتهاوى هؤلاء فيها جميعا ولا يبكي عليهم أي أحد، فهذا الوعي الذي تشكل سيؤدي إن شاء الله عن قريب إلى انفجار”.
إدانة قتل خاشقجي
في الرسالة السابع، للنظام السعودي بالتأكيد على إدانة جريمة اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي، مؤكدا أنه في تصريحات أمس تحفظه على إدانة النظام السعودي عندما صرح بأن “أدب وشرف الخصومة مع النظام السعودي الحالي يمنعنا من أن نتكلم حاليا عن هذه القضية، ولم ننتهزها فرصة للوقوف إعلاميا ضد الخصم الذي قتل، بالمليارات التي أرسلها للسيسي، أبناء جماعة الإخوان وأسال دماء الشعب المصري، وساهم في الانقلاب على المسار الديمقراطي”.
وأدان بشدة نائب مرشد الإخوان واقعة اغتيال “خاشقجي”، مؤكدا أن “هذا تصرف مُجرم وجبان ومُدان، إلا أن العدالة والعرف الإنساني والدستوري كانت تفرض علينا أن ننتظر حتى تنتهي جهات التحقيق التركية من كشف أبعاد ما جرى، أما بعد بيان النائب العام السعودي فمن حق الجميع إعلان مواقفه وإبداء آرائه في ضوء الحقائق التي تتكشف يوما بعد الآخر”.
واعتبر منير الرواية السعودية بأن خاشقي مات نتيجة شجار داخل القنصليةغير مقنعة للكثيرين؛ وهو الأمر الذي يتطلب ضرورة وسرعة كشف كل الملابسات ودون تقديم البعض ككبش فداء للمسؤولين الحقيقيين عن تلك الجريمة الشنعاء”.
واستطرد نائب مرشد الإخوان، قائلا: “للأسف الشديد يعيد بيان النائب العام السعودي إدخال القضية في مسارات غموض جديدة في الوقت الذي يتابع فيه العالم الآن كل دقائق القضية ويكاد يكشف أسرارها”.
وأردف: “نحن في انتظار اكتمال التحقيق وإعلان نتائجه؛ فلم يعد الآن أمامنا كشهادة حق وأمانة للتاريخ غير الإعلان عن الإدانة الكاملة لهذه العملية الإجرامية، والمطالبة باستكمال كل تفاصليها، وإعلان جميع المتورطين فيها مهما كانت مواقعهم بعد أن تخطت القضية حدود الدول”.