«63» حالة انتحار بمصر في 8 شهور.. الأسباب السياسية والاقتصادية لتفشي الظاهرة

التقرير المتلفز الذي أصدرته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، هذا الأسبوع، ورصدت فيه- عبر حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”- 63 حالة انتحار في مصر منذ يناير الماضي 2018 وحتى أغسطس الماضي، صادم بكل المقاييس، ويؤكد تفشي الانتحار حتى بات ظاهرة في المجتمع المصري خلال السنوات الأخيرة؛ خصوصا وأن ثمة مئات الحالات الأخرى التي لم توثقها المؤسسة المدنية أو لا تصل إلى الإعلام والمؤسسات المعنية حتى يتم رصدها.

الشبكة العربية رصدت 15 حالة انتحار في يوليو الماضي، وهو الشهر الذي شهد وقوع أكبر عدد من حالات الانتحار. وجغرافيًا رصدت الشبكة وقوع 13 حالة انتحار في محافظة الجيزة وحدها، وبذلك أصبحت هي الأعلى في تسجيل حالات الانتحار بين المحافظات.

أحدث الإحصاءات المتاحة على الموقع الإلكتروني لمنظمة الصحة العالمية حتى عام 2014، تكشف أن هناك 88 حالة انتحار من بين كل 100 ألف مصري، علما أن عدد سكان مصر يبلغ 100 مليون نسمة، وهناك قرابة 88 ألف شخص ينتحرون كل عام. وتشير الأرقام الصادرة عن الجهات الرسمية- الدولية والمحلية– إلى أن أعداد من أقدموا على الانتحار في مصر قفزت من 1160 حالة في 2005، إلى 3700 حالة في 2007، وصولاً إلى 4200 حالة في 2008، فضلاً عن تجاوز أعداد من حاولوا الانتحار 500 ألف في 2015.

وبحسب ما نشرته صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” الأمريكية، في تقرير لها نشر في 2010، اعتبرت فيه أن الانتحار في مصر “ظاهرة”، بعد أن شهدت 104 آلاف محاولة انتحار في 2009 نجحت منها 5000 حالة (بزيادة 800 حالة عن العام السابق عليه)، في حين بلغت حالات الانتحار خمسة من بين كل 1000 مواطن في عام 2010، وذلك طبقًا لإحصائية صدرت عقب الثورة مباشرة، ثم تجاوز الرقم حدود الـ400 ألف محاولة انتحار 2011/ 2012، أي أربعة أضعاف مَن حاولوا الانتحار في العام الذي سبق. كما تشهد مصر سنويا نحو 3 آلاف محاولة انتحار لمن هم أقل من 40 عاما. وتقول تقارير أخرى إن خمسة أشخاص من بين كل ألف شخص يحاولون الانتحار بهدف التخلص من مشكلاتهم.

وحين ينظر إلى العلاقة بين زيادة جرائم الانتحار وقضية حقوق الإنسان، نجد أن الدول الأكثر انتهاكًا لحريات الإنسان هي الأكثر في معدلات الانتحار، وهو ما كشفته المذكرة الأساسية لبرنامج الحد من الانتحار، الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية في 2014، والتي أشارت إلى أن 75% من حالات الانتحار تقع في الدولة الفقيرة والمتوسطة الدخل، وذلك على عكس ما كان يعتقد الكثيرون.

المذكرة أشارت- وفقًا لتقارير المنظمات الحقوقية- إلى أن الدول التي يتراجع ترتيبها على قائمة مؤشرات الحريات واحترام حقوق الإنسان، هي نفسها الدول التي تحتل موقعًا متقدمًا في قائمة أعلى معدلات الانتحار.

“50%” من الشباب

شباب مصر بعد انقلاب 30 يونيو 2013م، إما خلف أسوار السجون والمعتقلات، أو غرقى على شواطئ الهجرة غير الشرعية، أو على أعواد مشانق اليأس والإحباط، وهذا ما كشفت عنه تقارير مركز السموم التابع لجامعة القاهرة.

فالأرقام الموجودة بسجلات المركزــــ بحسب موقع نون بوست ــ تفيد بوقوع 2335 حالة انتحار باستخدام العقاقير السامة سنويًا، كان النصيب الأعلى بينهم من الفئة العمرية التي تتراوح بين 22 و25 عامًا، بنسبة تجاوزت فاصل الـ50%، وهو ما جسدته بعض الجرائم التي وقعت مؤخرًا بشأن إقدام عشرات الشباب على الانتحار هروبًا من الواقع المؤلم، في ظل الفشل في تلبية الحد الأدنى من متطلبات الحياة، وبحسب دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية فقد جاءت مصر في المرتبة الـ96 عالميًا من حيث معدل حالات الانتحار بين الشباب.

أسباب الانتحار

ويعزو محللون أسباب انتشار ظاهرة الانتحار، أو على الأقل الإقدام على محاولة الانتحار، كما تبين الأرقام عدة أسباب، أهمها اليأس والإحباط المتفشي بين الشباب على خلفية القمع والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ووأد أحلام الشباب بعد إجهاض مكتسبات ثورة 25 يناير على يد حفنة من جنرالات العسكر.

حيث يرى عمرو عادل، عضو الهيئة العليا لحزب الوسط، أن مصر تعاني من تمتع طبقة اجتماعية بحجم هائل من الثروة والسلطة، بينما يعاني أغلبية المصريين من الفقر والقهر لفترات طويلة، متهمًا من أطاحوا بمكتسبات ثورة 25 يناير بالمسئولية عن تزايد حالات الانتحار، قائلاً: “عندما قامت ثورة يناير دخل الأمل في نفوس الشعب، وحتى بعد انقلاب 3 يوليو، شعر البؤساء بوجود من يمكن أن ينقذهم، ونسوا أن هذا الانقلاب من الطبقة التي أذلتهم وقتلتهم على مدى عقود طويلة، ومع ظهور الحقائق، فقد كثيرون الأمل في حياة كريمة ماليًا واجتماعيًا، فزادت حالات الانتحار”.

تفسير عمرو عادل يتفق مع نظرية عالم الاجتماع الفرنسي الشهير “إميل دور كايم”، الذي أوضح في كتابه “الانتحار” أن ما يدفع الأفراد للانتحار هو ضعف التنظيم الفردي والجمعي، أي أن المجتمع فقد القدرة على حفظ أفراده وتنظيم شئونهم بشكل يجعلهم راغبين في مواصلة الحياة.

ويعتبر ارتفاع معدلات الانتحار مؤشرا على وجود “خطأ ما” في النظام الاجتماعي، رافضًا أن يكون الانتحار ناتجًا عن مرض عقلي يسبب نقصًا في الوعي بالنتائج، كما يقول علماء الاجتماع، مؤكدًا أن الانتحار عمل واعٍ يدرك من يقدم عليه نتائجه.

وتخلص نظرية مؤسس علم الاجتماع إلى أن الانتحار تتسبب فيه قوة متجاوزة لقدرة الفرد، وأن الانتحار في صيغته المجردة هو “إعلان موقف يتخذه الفرد ضد وضع اجتماعي بعينه”، حيث أثبت أن القوى الاجتماعية هي الفاعل الرئيس لإقدام الفرد على الانتحار، وأن المجتمعات القامعة هي التي تدفع أفرادها للانتحار بشكل متزايد، وأن ارتفاع معدلات الانتحار هي “إشارة دالة على التفسخ الاجتماعي”.

السبب الثاني هو التدهور الحاد في الأوضاع الاقتصادية، وانتشار البطالة بنسبة عالية بين الشباب، ما أفضى إلى عدم قدرة ملايين المصريين على تلبية احتياجاتهم الأساسية أو حتى العيش مستورين كما كان الحال قبل قرارات تعويم الجنيه في 03 نوفمبر 2016م، والتي ترتب عليها تآكل قيمة العملة المحلية بأكثر من الضعف، وتراجع قيمة المدخرات ثم موجات الغلاء التي لا تتوقف حتى بلغت نسبة الزيادة في الوقود 500% وتذكرة المترو 700%، والمياه والكهرباء 400%، حتى تعرت كثير من الأسر التي كانت قبل ذلك مستورة وباتوا في هم وغم  بلا حدود.

السبب الثالث، بحسب الدكتور أحمد فوزي، استشاري علم النفس بجامعة عين شمس، هو الاضطراب النفسي، الذي يأخذ صورًا متعددة أبرزها اضطراب الشخصية، الذي يصبح فيها المريض أكثر اندفاعية، وغير قادر على المعيشة، فحين يفقد قدرته على جذب أنظار المحيطين به، يلجأ إلى الانتحار فورًا. موضحا أن ما يقرب من 34% من المصريين يعانون من الاضطراب النفسي، 15% منهم يخططون للانتحار، موضحا أن الاكتئاب أحد أسباب تلك الظاهرة، معددًا مسببات الانتحار الأخرى في بعض المسائل منها، سقوط الرمز الديني، بالإضافة إلى ما تعرض له المصريون من انتكاسة عقب فشل تحقيق الثورة أهدافها، إضافة إلى انتشار تعاطي المواد المخدرة، وزيادة معدلات البطالة، وغياب العدالة الاجتماعية وما إلى غير ذلك.

السبب الرابع- وفقا للدكتور أمجد سامي، استشاري الطب النفسي- هو الغربة والجفاء والتمزق المجتمعي، معتبرا أن الأسباب الاجتماعية للانتحار في مصر تأتي في المرتبة الأولى، متنوعة ما بين خلافات ونزاعات أسرية، وشجارات ونزاعات زوجية، ويرتبط الكثير منها بالشعور بالضيق لأسباب مالية، مضيفًا أن الأسباب المالية المباشرة تعد السبب الثاني والأهم في زيادة حالات الانتحار بمصر، في ظل تدني الرواتب، وتراجع فرص العمل، والارتفاع اليومي في أسعار السلع والخدمات، مما أصاب المواطن بالاكتئاب والاضطراب النفسي.