5 حقائق مؤلمة في تقرير “ميدل إيست آي” حول الجيش المصري

التقرير الذي نشره موقع “The Middle East Eye البريطاني” مؤخرا حول الجيش المصري والأوضاع في سيناء على لسان عدد من الضباط والجنود الذين خدموا خلال السنوات الماضية هناك؛ يمثل اختراقا لحاجز الصمت والتستر من جانب المؤسسة العسكرية على حجم الضحايا والأهوال التي تواجه الضباط والمجندين، كما يكشف عن صدمات ودلالات مرعبة يصر النظام والجيش على إخفائها عن الشعب وعناصر الجيش والشرطة حتى لا تتفشى روح اليأس والإحباط أكثر مما هي قائمة بالفعل في أوساط الضباط والمجندين.

التقرير احتوى على شهادات حية لـ7 ضباط ومجندين رووا فيه حجم الأهوال وجوانب مرعبة يتستر عليها النظام والجيش بدعوى المحافظة على الروح المعنوية ومواجهة حروب الجيل الخامس التي توظف هذه الحقائق لتوعية الجماهير بمخاطر استمرار حكم العسكر والحجم الهائل للضحايا للحرب غير المقدسة هناك، والتي تستهدف في المقام الأول ضمان حماية أمن الكيان الصهيوني عبر السماح لقوات “إسرائيل” باستباحة أجواء سيناء من أجل ملاحقة شبكات تهريب السلاح للمقاومة كما ذكر موقع “وللا” العبري مؤخرا.

الإذلال المتعمد

الحقيقة الأولى من التقرير والدلالة المرعبة هي سياسات الإذلال المتعمد التي تمارسها قيادات الجيش وضباطه بحق المجندين، أو بالأحرى تمارسها كل رتبة أعلى لمن هم دونها، وهو منهج ثابت في نظام التجنيد الإلزامي الذي بدأ مع تأسيس الجيش في عهد محمد علي باشا مع بدايات القرن التاسع عشر الميلادي.

وكل من قضى فترة التجنيد في إحدى وحدات الجيش يدرك ذلك جيدا، ويعلم أنهم يمارسون أبشع صورة التنمر والإذلال المتعمد لكسر شخصية المواطن المصري وجعله دائما على إدراك أنه يتعين عليه دائما أن يكون أقل من الضابط وفي خدمتهم باستمرار وهي فلسفة تستهدف تكريس السلطوية العسكرية في أعماق الشخصية المصرية التي تشوهت بفعل سياسات الإذلال الإجباري المفروضة وفق قوانين “الميري”.

فهذا مجند خريج فنون جميلة قسم نحت نُقل إلى الجيش الثالث في سيناء، ليخدم في مطعم ضباط صفّ الكتيبة نهارا، والمهجع ليلا. يقول “مراد”: “درست فن النحت والتصميم لمدة أربع سنوات، وها أنا ذا أنظف حمامات الضباط الأصغر مني سناً، وأتعرّض للصراخ والشتائم. يهينك الضباط عن قصد لكسر شخصيتك، نحن نُعامَل كالعبيد أو الكلاب”.

ويضيف مراد: مع تزايد النزعة القومية والعالم التنافسي الشرس للجيش، قال مراد إنه شعر أنه لا يستطيع الشكوى أو الغضب، وإنما كان عليه أن يتكيف!

أما أحمد فأمضى 48 يومًا من أيام حياته في معسكر الجلاء بالإسماعيلية مرتديا ملابس غير ملائمة، وبلا مياه نظيفة ولا طعام منتظمين، مجبرا على الوقوف في الشمس لساعات، وهي خبرة يصفها بأنها “جحيمية”. يقول: “كان هذا أسوأ ما رأيت، كنت أبكي كل ليلة، لكنني لم أكن أظهر ذلك لئلا أتعرض للتنمر”.

فسوء المعاملة والانتهاك من أعلى خط القيادة إلى أسفله هو عرَض من أعراض ثقافة تاريخية داخل الجيش، ترى في ذلك ضرورة وأن على الضباط أن يكون قساة متنمرين على الجنود، مدعيا أن ذلك موجود في كل الجيوش لضمان طاعة الجنود لضباطهم بلا تساؤل وبلا ندم!

انعدام الكفاءة وضعف التدريب

الصدمة الثانية هي انعدام الكفاءة بين المجندين نتيجة لضعف التدريب؛ حيث ينقل التقرير عن ضابط قوات خاصة لدى الشرطة المصرية كان مقره سيناء عام 2013، حيث يقلل من قيمة المعسكر التدريبي لمدة 45 يوما للمجندين، فقال إنه يكون مصحوبًا بقلة التجهيز الملائم، ما جعل الكثير من الشباب الذين يخدمون في سيناء عبئا أكثر منهم قوة قتالية فعالة.

وقال عمر: “على عكس القوات في جميع أنحاء العالم؛ حيث ينبغي أن يكون المجند لائقًا ومدرَّبًا بشكل جيد على العمليات القتالية، فإنَّ المجندين غالبًا ما يمثلون مشكلة في الحرب ضد الإرهاب، إذ يكونون إما غير متحمسين، أو يكونون متحمسين أكثر من اللازم، وكلا النوعين يرتكبان الأخطاء”ويرتبط بهذه الجزئية أيضا ضعف مستوى التسليح، وهو ما أشارت إليه تقارير دولية انتقدت البذخ من جانب جنرال الانقلاب على صفقات سلاح قدرت بمليارات الدولارات رغم عدم الحاجة إليها بينما تستمر المواجهات العبثية في سيناء بنوعيات رديئة من السلاح لا تتناسب مع طبيعة مثل هذه الحروب.

الهزيمة النفسية

الحقيقة الثالثة هي تفشي نزعات الهزيمة النفسية بين الضباط والمجندين، حيث ينقل التقرير عن من وصفهم بباحثين مستقلين أن عدد ضحايا الجيش والشرطة وصلت إلى “1500” فردا وهو رقم مهول بخلاف آلاف الضحايا من المدنيين بدعوى الحرب على الإرهاب وهو ما ترك الضباط والجنود مهزومين نفسيا.

ويعترف ضابط احتياط طبيب يدعى معتز أنه أحصى 19 جثة مع بعثرة الكثير من البقايا في المكان بعد انفجار قنبلة على جانب الطريق. وقال معتز (25 عاما) لموقع ميدل إيست آي: “كانت الأشلاء في كل مكان، هذا مشهد لن أنساه أبدا”، وأضاف معتز: “كانت بقية الجثث لأشخاص أصيبوا في البداية، ثم أُعدِموا بالرصاص، كان في بعض الجثث أكثر من 20 طلقة في الرأس”.

هذه المواجهات المرعبة أفضت إلى تفشي روح الهزيمة النفسية بين الضباط والمجندين؛ يقول المجندان أحمد ومحمد: رأينا أسوأ ما يمكن أن يفعله الناس لبعضهم البعض، وكيف أن المجندين أرواحهم رخيصة. يقول أحدهما: “لا أريد أن أحصل على مدرسة أو مسجد يحمل اسمى.. أريد أن أعيش حياتي”.

الإنكار المتواصل

الحقيقية الرابعة الصادمة هي حالة الإنكار الدائمة بين قيادات الجيش والشرطة والنظام كله لهذه التأثيرات السلبية على الروح المعنوية للضباط والجنود؛ فلا يسمح مطلقا لهؤلاء بالتعبير عن آلامهم وإلا تم التنكيل بهم والانتقام منهم؛ حيث تأسست الثقافة العسكرية في الجيش المصري، على أنه لا مجال للصدمة أو الضعف؛ حيث يقول العديد منهم إنهم أجبروا على طلب مساعدة نفسية خاصة أن الجيش لا يوفرها.

وأشار الموقع البريطاني إلى أن ضباطا في الاستخبارات العامة قالوا “عندما تكون الروح المعنوية منخفضة، فإن الضباط هم الذين يتصرفون أطباء نفسيين. وفي القواعد الأكثر مركزية بالقرب من القاهرة أو المدن الكبرى، غالبا ما يأتي رجال الدين ويتحدثوا مع الجنود”.

التنمر واكتساب مهارات النفاق

الصدمة الخامسة هي اكتساب نزعات التنمر والعنف ومهارات الكذب والنفاق والتستر على الظلم والنهب، ينقل التقري عن المجند مراد: “تعلَّمت أن أسرق، وأكذب، وأغش، وأن أكون منافقا، وأن أغضَّ الطرف عن الظلم، بل إنني حتى بدأت في التنمر على الجنود الأصغر وترهيبهم، لكن هذا ما يحدث عندما يحدث الاضطهاد عبر سلسلة القيادة: في نهاية المطاف يقهر الجميع الأقل منهم، أيًّا كان”.

ويعترف محمد، الذي تخرَّج في أحد معاهد التكنولوجيا في الإسكندرية، أنه أصبح هو الآخر شخصًا مؤذيًا في الجيش. مقرا أنه اضطر إلى الغش، أثناء إدارته للمقصف داخل وحدته، لكي يبقى بعيدا عن المشكلات، وأنه كان يتستر على سرقة الضابط للكانتين لكي تمضي أيامه بسلام معترفا: “أعلم أنَّ هذا حرام، لكن داخل الجيش ثمة أناس لا يعرفون الله”.