في يقيني أن المرحلة الرابعة من حياة مبارك، وهي محطته الأخيرة، تدخل في دنيا العجائب، فقد حدثت فيها مفاجأة لا تخطر على بال أحد.
وأشرح ما أعنيه أولا بالحديث عن محطات حياته العملية، والمرحلة الأولى بدأت في منتصف القرن العشرين تمامًا أو في عام 1950، بعدما تخرج من الكلية الجوية، واستمر في عمله كضابط طيار لمدة ربع قرن، عندما قام السادات بتعيينه نائبًا لرئيس الجمهورية، وهذه الفترة كانت أفضل ما في حياته، وتدرج في المناصب المختلفة حتى وصل إلى قيادة القوات الجوية، وكان له دور محترم جدَّا في حرب أكتوبر!.
والفترة الثانية تمتد لمدة 29 عامًا وثمانية أشهر وهو في منصبه رئيسا للجمهورية، منذ أن تولى الحكم في 14 أكتوبر عام 1981، وحتى أطاحت به الثورة الشعبية في يناير عام 2011.
وهذه الفترة مليئة بالسلبيات والقليل من الإيجابيات من وجهة نظري! وسلبياته يمكن حصرها في ستة أمور.. وهي الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، والاستبداد السياسي، والفساد والإفساد، ووجود خلل خطير في العدالة الاجتماعية، والتوريث الذي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، ثم علاقته الوثيقة مع العدو الصهيوني الذي رأى فيه كنزا استراتيجيا، بحد تعبيره، وقول رئيس الوزراء الإسرائيلي “فقدنا صديقا عزيزا”!.
أما الإيجابيات فيمكن تلخيصها في هامش الحرية الذي كان موجودًا، وكانت المعارضة ترفضه وتطالب بالمزيد، وصدق الشاعر الذي قال: “رب يوم بكيت منه فلما ولى بكيت عليه”!, بالإضافة إلى عدد من المشروعات الكبرى التي كانت بدايتها في عهد السادات، وأكملها مبارك وأقصد ضواحي القاهرة مثل 6 أكتوبر والتجمع الخامس والقاهرة الجديدة وغيرها، بالإضافة إلى الأنفاق التي أقامها وانتعاش السياحة في عهده، وإذا وضعت كل هذه الإيجابيات في كفة وسلبيات حكمه في كفة أخرى، فإن الأخيرة تكسب بجدارة، حيث تراكمت السلبيات خاصة في سنواته الأخيرة، ولم يعد قادرا على الحكم بطريقة صحيحة بعدما أجرى أكثر من عملية جراحية وتجاوزه الثمانين من عمره ووفاة حفيده، وكل هذه الأمور كان لها تأثيرها الضخم في حكم البلاد والعباد.. والفارق شاسع بين بداية حكمه ونهايته.
والمرحلة الثالثة تبدأ بعد سقوط نظامه عقب الثورة الشعبية التي أطاحت به، وتستمر ست سنوات حتى عام 2017، حيث دخل السجن وتم تقديمه كمتهم في العديد من القضايا، خرج منها جميعا “براءة”، مع أركان نظامه فيما عرف بمهرجان “البراءة للجميع”، ولم تتم إدانة أحد من الذين قتلوا المتظاهرين الذين سقطوا شهداء في هذه الثورة وعددهم 800 شهيد، وهذا بالطبع يدخل في دنيا العجائب.
والمرحلة الأخيرة بدأت بعد خروجه من السجن عام 2017 وحتى وفاته، وهذه الفترة ارتفعت أسهمه جدًا، مع أن الأغلبية الساحقة من المصريين كانت سعيدة بعزله عام 2011، وانتظرت مستقبلا أفضل، لكن سادت فوضى عارمة بعده وفشل الثوار في الاتفاق فيما بينهم وبناء وطن جديد!، لكن الأهم أنه جاء حكم عسكري جديد أشد بطشا من نظام مبارك، وقام بعسكرة المجتمع، وأي مقارنة بين الوضع الحالي وأيام مبارك، فإن الرئيس المخلوع يكسب، ولذلك تجد من يقول: “فين أيامك يا مبارك”!! ويترحم عليه مع هجوم عنيف طال ثورة يناير ذاتها!، وما لزوم هذه الثورة.. في عهد حسني مبارك على الأقل “كنا عايشين”! أما حاليا فالوضع لا يطاق من جميع النواحي.
وأرى أن هذه العقلية لن تدوم طويلا، وعندما يتم التخلص من هذا الكابوس الجاثم على أنفاسنا، ويأتي نظام مدني جديد محترم يلبي رغبات الناس لن يترحم أحد على الحاكم الحالي ولا على مبارك. فَشَلُ المصريين في النهوض ببلدهم هو السبب في الترحم عليه.. أليس كذلك؟