“فورين بوليسي”: وفاة مبارك بعد ثلاثة عقود من الاستبداد والفساد

‎بواسطة رامي ربيع – الأربعاء 26 فبراير 2020 – 9:00 م

نشرت صحيفة “فورين بوليسي” الأمريكية تقريرًا، سلطت خلاله الضوء على رحيل الرئيس المخلوع حسني مبارك، أمس، عن عمر يناهز 91 عاما.

وحسب التقرير الذي ترجمته “الحرية والعدالة”، لم تكن الأيام الأولى للمخلوع حسني مبارك أكثر صعوبة.

ففي أكتوبر من عام ١٩٨١، أصيب مبارك بجروح طفيفة في رش الرصاص وشظايا القنابل اليدوية التي قتلت الرئيس أنور السادات، بعد أن جلس إلى اليمين وهو ينظر إلى منصة الاستعراض العسكرية في القاهرة.

وقبل أن يتعافى، اضطر مبارك إلى استعادة النظام في مصر، وتقييم نطاق التمرد في الجيش، واتخاذ قرار سريع بشأن مستقبل علاقة البلاد بإسرائيل.

وقال التقرير إن مبارك، الذي توفي يوم الثلاثاء في مستشفى عسكرية مصرية عن عمر ٩١ عامًا، تصرَّف بشكل حاسم وأعلن حالة الطوارئ التي دامت عامًا كاملًا، واعدا بأنه سيجددها مرارا وتكرارا. فقد طهر جيش المعارضين وأرسل القوات لإخماد تمرد إسلامي في الجنوب. وسرعان ما طمأن إسرائيل والولايات المتحدة إلى أنه سيحترم كل كلمة في اتفاقية كامب ديفيد للسلام، وهي اتفاقية دامت ٣ سنوات، كلفت مصر دورها القيادي في العالم العربي وتركتها معزولة للغاية.

وأوضح التقرير أنه بالنسبة للغرب، بالتأكيد، كانت تلك هي أفضل أوقات لمبارك، ولكن بالنسبة للمصريين كان ذلك بمثابة بداية لثلاثة عقود من الاستبداد والفساد، وهو العصر الذي انتهى باحتجاجات الربيع العربي في عام ٢٠١١، وتم إقصاؤه بشكل درامي. فقد جرد مبارك من السلطة وأدين كشريك في قتل المحتجين خلال الأيام الـ18 التي غيَّرت مصر في ذلك العام، وحُكم عليه بالسجن المؤبد.

ويرى عدد من الكتاب أنه كان لمبارك أثر كبير على المصريين، ولكن نادرًا ما جعل حياتهم أفضل. فقد عمل على تعميق تحالفه مع الولايات المتحدة، الأمر الذي أدى إلى تعزيز الاتجاه في العالم العربي بعيدا عن الاعتماد على الاتحاد السوفييتي ونحو اقتصاد السوق، ولو أنه مختل.

وأشار التقرير إلى أن مبارك تعامل بحزم مع جماعة الإخوان المسلمين، وهي الاستراتيجية التي أعاقت نهوض الجماعة لعقود، وساعدت أيضا في زيادة قوتها بعد خلعه، وكانت واشنطن قد كافأت مبارك بأكثر من ٦٠ مليار دولار في معظمها مساعدات عسكرية على مدى عقود من الزمن بسبب سياساته، لكنها دفعت ثمنه لدعم الطغاة العرب في شكل استياء من الجماهير المسلمة.

ونقل التقرير تصريحات أمين مبارك، ابن عم الرئيس السابق الذي خدم لسنوات كعضو في البرلمان عن الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، عام ٢٠١٢، قال فيها: “كان نجاحه الرئيسي هو الاستقرار”. وبالنسبة للعديد من المصريين فإن هذا كان يعني تدابير مستقرة من المشقة والبطالة. وحتى الآن يعيش ما يقرب من ثلث السكان تحت خط الفقر أو بالقرب منه.

ولد مبارك عام ١٩٢٨، في نفس العام الذي أُسست فيه جماعة الإخوان المسلمين، ترعرع في بلدة صغيرة تقع على بعد ساعة تقريبا شمال القاهرة، إلا أنه غادر بعد ذلك ليتابع مهنته العسكرية، ولم يعد للزيارات إلا نادرا، وفقا لأقارب له. بعد تخرجه من الأكاديمية العسكرية في مصر، انتقل إلى القوات الجوية وتعلم الطيران وبدأ في تسلق الرتب.

ولو جاء مبارك قبل بضعة أعوام، لكان صعوده قد توقف على الأرجح مع هزيمة حرب ١٩٦٧ ضد إسرائيل، وهي هزيمة دنيئة إلى الحد الذي أدى إلى إنهاء حياة العديد من الجنرالات العرب.

لكن مبارك صعد إلى منصب رئيس القوات الجوية في الوقت المناسب تماما في حرب ١٩٧٣ التي يحتفل بها العرب كنصر. (فاجأت الجيوش العربية إسرائيل وألحقت خسائر فادحة ولكنها فشلت في نهاية المطاف في الاستيلاء على الأرض).

وعلى الرغم من أن سجل مبارك في الحرب كان موضع خلاف، إلا أن السادات وصفه بأنه بطل، ثم عينه في نهاية المطاف نائبا للرئيس، كانت الذكرى الثامنة لحرب الـ٧٣ التي كان الرجلان يحييان فيها الاستعراض العسكري عندما اغتيل السادات.

ونوه التقرير إلى أن مبارك كان في الثالثة والخمسين من عمره عندما أدى اليمين الدستورية، بعد أن أمسكت به زوجته نصف البريطانية سوزان بالإضافة إلى ولديه علاء وجمال، وهؤلاء الثلاثة لعبوا دورا بارزا في سقوطه بعد عقود من الزمان، وفي غضون تسع سنوات نجح في استعادة العلاقات مع أغلب الدول العربية، وهي العلاقات التي كانت قد قطعت بسبب معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. كما أعاد مصر إلى مكانتها كزعيم للعالم العربي؛ أصبحت القاهرة مرة أخرى مقر جامعة الدول العربية.

ولفت التقرير إلى أن استعادة هذه المكانة لم تترجم قط إلى شعبية واسعة في الداخل، ولكي يدعم مبارك حكمه فقد عمل على توسيع نطاق الشرطة السرية إلى حد كبير، التي كانت تعذب الإسلاميين وغيرهم من المعارضين للنظام على نحو منتظم. واستمر في تجديد حالة الطوارئ ما يعني أن قوات الأمن تستطيع اعتقال الناس دون سبب واحتجازهم إلى أجل غير مسمى.

وتابع التقرير: “أثار الطغيان سلسلة من النكات عن مبارك، البعض يسخر من دولته الشرطية، البعض الآخر من الفساد والمحسوبية التي أحاطت به، وعكست الفكاهة واقعا قاتما، على الرغم من أن اقتصاد مصر بدأ ينمو بشكل كبير منذ بداية الألفية تقريبا، إلا أن معظم المستفيدين كانوا من الأغنياء ذوي الصلة السياسية”.

ونقلت الصحيفة عن شادي حامد، الخبير في مصر وزميل كبير في معهد بروكنجز، قوله بعد الإطاحة بمبارك: “إن هذه الزيادة في نمو الناتج المحلي الإجمالي جلبت مستويات غير مسبوقة من التفاوت وعدم المساواة والفساد وعدد من العلل الاجتماعية”.

وقال إن عدم المساواة خلق وضعًا متناقضًا، وكلما شهدت مصر نموًّا اقتصاديًّا ازداد غضب المواطنين العاديين على نظام مبارك.

واستطرت الصحيفة: “أسهمت الدراما العائلية لمبارك في السقوط، فمنذ عام ٢٠٠٠، كانت هناك دلائل تشير إلى أن جمال مبارك كان يجري إعداده لكي يرث السلطة من والده، وقال مقربون من العائلة إن حسني مبارك رفض الفكرة في البداية، لكن سوزان واصلت دفع جمال إلى الأمام”.

“لقد تمتعت بكونها السيدة الأولى، ولم تحب فكرة العودة إلى الوضع السابق للرئاسة والعيش كسيدة عادية”، بحسب أحمد كمال أبو المجد، المحامي المقرب من مبارك، في عام ٢٠١٢.

وأثارت فكرة السلطة الموروثة غضب العديد من المصريين، كما بدا أنه أثار غضب الجيش، الذي خرج منه رؤساء مصر السابقين، وخرج الملايين من المصريين إلى الشوارع في عام ٢٠١١ للمطالبة بإقالة مبارك، رفض الجيش التدخل، مما أدى إلى تحديد مصير مبارك.

ومع رحيل الطاغية، جاءت أول انتخابات ديمقراطية في مصر بالإسلاميين إلى السلطة، وظل مبارك يعاني في مستشفى عسكري، حيث اعتقل وأحبط، لكن انقلاب ٢٠١٣ حول السلطة إلى الجيش ومهد الطريق أمام إعادة تأهيل مبارك.

وفي عام ٢٠١٥، خفض القاضي من درجة إدانته من القتل إلى الفساد، وبرأته محكمة استئناف بعد عامين، فقد أصبح عهد عبد الفتاح السيسي، دمويا إلى الحد الذي جعل بعض المصريين يشعرون بالحنين إلى مبارك.

رابط التقرير