رأى خبراء اقتصاديون أن بيان وزارة المالية المصرية الذي نفى اختفاء 32.5 مليار جنيه (1.700 مليار دولار) من موازنة مصر لعام 2014-2015 غامض وباعث على التشكك.
وذكر بيان المالية أن “المبلغ المذكور يتعلق بمبادلة عملات أجنبية من رصيد المنح العربية والأجنبية الواردة لوزارة المالية المصرية مقابل الحصول على ما يعادلها بالجنيه المصري من البنك المركزي، وهو إجراء مقنن منذ عام 2013″.
وناقش البرلمان مؤخراً الحسابات الختامية للموازنة العامة للعام المالي 2014-2015 وتناولت المناقشات ما ذكره التقرير السنوي للجهاز المركزي للمحاسبات حول عدم تضمين الحساب الختامي 32.5 مليار جنيه من إيرادات الدولة.
وأبدت لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان تحفظاً على رد الوزارة؛ “لأنه لم يقدم إثباتاً لهذا المبلغ في الموازنة”.
وتساءل وكيل لجنة الخطة والموازنة مصطفى سالم خلال الجلسات عن 17 تقريراً للمركزي للمحاسبات لم يتم إرفاقها بتقرير الموازنة، كما طالب سالم رئيس البرلمان بإمداد اللجنة بتلك التقارير، إلا أن طلبه قوبل بالرفض.
حيل محاسبية
وقال الخبير الاقتصادي أشرف دوابة إن بيان المالية “ليس فيه توضيح سوى النفي، بل إنه زاد الأمر غموضاً”، موضحاً أن “مصر حصلت على خمسين مليار دولار منحا وقروضا، دخل الخزانة منها 10.6 مليارات دولار فقط”.
وتابع دوابة في حديث للجزيرة نت قائلا إنه من المعروف أن لوزارة المالية حسابات سرية لا يعلمها إلا العاملون بها، ومن المنطقي -إذا كان الأمر كما تقول وزارة المالية في بيانها- أن تحقق الميزانية فائضاً لاعجزاً، حيث تضاعف سعر الدولار في أقل من عامين من ثمانية جنيهات إلى أكثر من 19 جنيها.
وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة مصر الدولية مدحت نافع إن هذا الجدل المحاسبي سوف يحسمه الجهاز المركزي للمحاسبات، وأضاف “لكن بصفة عامة هناك حيل محاسبية يلجأ إليها معدّو الموازنة العامة وحسابها الختامي بهدف خفض العجز قدر المستطاع، وهو ما يؤدي في النهاية إلى خطأ في تشخيص أزمات الاقتصاد، ومن ثم تقديم دواء غير فعّال أو غير آمن، كما ألمح خبراء الصندوق مؤخراً”.
ويضيف نافع أن الخلاف هو حول تضمين مبلغ من المال في موازنة ٢٠١٣-٢٠١٤ وفقاً لاعتماد إضافي، ويريد الجهاز أن يراه في بند الإيرادات في الحساب الختامي للعام المالي التالي، بينما تفيد الوزارة إلى ضرورة تضمينه في خانتي الإيرادات والالتزامات معاً، مؤكداً أن التفاصيل غير واضحة في الرد المختصر للوزارة، معرباً عن تطلعه إلى رد مفصّل من الجهاز.
أشرف دوابة: بيان وزارة المالية حول اختفاء الأموال زاد الأمر غموضاً (الجزيرة نت) |
استشراء الفساد
وقالت منظمة الشفافية الدولية في تقريرها الأربعاء إن الفساد يظل مستشريا بمصر مع غياب أي إرادة سياسية جادة لمكافحته، في إشارة إلى أن السيسي أقال بمرسوم رئاسي رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة، وحوكم بعدما فضح حجم تكلفة الفساد بمصر في السنوات الأربع الأخيرة.
وكانت ملاحظات الجهاز برئاسة جنينة اضطرت الرئيس السيسي لرفض اعتماد الموازنة، وإعادتها مرة أخرى لوزارة المالية لتعديلها، ثم التوقيع عليها بعد إقالة جنينة وإرسالها للبرلمان للتصديق عليها متأخراً، مما يخالف الدستور، كما ألمح لذلك البرلماني محمد أنور السادات قبل عام، حينما طالب وزير المالية حينئذ بعرض الحساب الختامي لموازنة عام 2014-2015 على البرلمان سريعاً “تجنباً لمخالفة الدستور الذي ينص على ضرورة إقرار الموازنة خلال ستة أشهر”.
ويبدو أن الحكومة حاولت سد العجز من طرق أخرى، لكن الحظ عاندها؛ ففي منتصف مايو/أيار الماضي أعلنت وزارة التخطيط استقطاع 32 مليار جنيه من احتياجات النقل والطرق، وبعدها بشهر تقريباً أظهرت بيانات اقتصادية تراجع الصادرات بمبلغ قريب من المستقطع.
ثم أعلنت الحكومة أن زيادة ضريبة القيمة المضافة في أغسطس/آب الماضي “ستجلب 32 مليار جنيه لخزانة الدولة”، وفق بيان المالية وقتها، ثم أعلن اتحاد الإذاعة والتليفزيون عن 322 مليار جنيه خسائر، تحملتها ميزانية الدولة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي استردت الحكومة أرضا من شركة الديار بقيمة 32 مليار جنيه، لكن شهادات الاستثمار طويلة الأجل ذات العوائد المرتفعة (20 %) لمواجهة انخفاض الجنيه، حققت خسائر لميزانية الدولة بـ32 مليارا.
المصدر : الجزيرة