من يحمي الفساد .. في صحة دمياط


“الوفد” تكشف بالمستندات.. صحة دمياط.. فى قبضة الفساد

إصلاح المنظومة الصحية، حلم يراود المواطنين الطامحين فى علاج ورعاية أفضل، هدف عام تسعى الدولة لتحقيقه ولهذا خصصت 5.7 مليار جنيه لبرنامج العلاج على نفقة الدولة، إلى جانب 1.5 مليار جنيه لسداد اشتراكات غير القادرين فى التأمين الصحى، ورغم هذه الجهود التى تبذل لتطوير القطاع الصحى، ولكن لا تزال العديد من التحديات تعكر صفو هذه الإنجازات أهمها ملف الفساد داخل القطاع الصحى.

الخميس, 06 ديسمبر 2018 20:23تحقيق – رحمة محمود / إشراف:نادية صبحي

ومع أن الرئيس عبدالفتاح السيسى تحدث فى أكثر من مناسبة بحزم شديد: «إنه لن يسمح بأى تجاوز ودعا المجتمع والمؤسسات الرقابية للتصدى لهذه الآفة»، إلا أن وقائع الفساد فى القطاع الصحى لا تنتهى، حيث وصل إجمالى عدد قضايا الفساد فى هذا القطاع نحو 15 ألفاً و88 قضية، من بينها وقائع فساد تسببت فى وفاة مواطنين بلغ عددهم نحو 493 شخصاً، وذلك طبقًا لوحدة التحليل الإحصائى بالنيابة الإدارية.

وتعد مديرية الصحة بدمياط مثالاً صارخًا لهذا الفساد الذى ضرب قلب المنظومة الصحية، حيث ارتكب مدير مديرية الصحة بدمياط العديد من التجاوزات ووقائع الإهمال تنوعت بين إهدار المال العام كبدت الدولة خسائر فادحة، إضافة عدم التزام الفريق الذى شكله لحملة 100 مليون صحة لمكافحة فيروس سى الارشادات والتعليمات اللازمة بخصوص التعامل مع المرضى ومكافحة العدوى.

فضلاً عن عدم اتباعها الإرشادات الصحية الخاصة بضرورة الفصل بين النفايات الصحية بشكل صحيح، علاوةً على أن هذه الفريق غير مدرب بشكل جيد للتعامل مع المرضى، وذلك حسب تقرير قطاع الطب الوقائى بوزارة الصحة.

ومن أبرز هذه التجاوزات وقائع الإهدار بالمال العام، إضافة حصيلة فحوص الأغذية ومياه الشرب التى تجرى بالمعامل المشتركة التابعة للمديريات الصحية إلى حسابات صناديق وتحسين الخدمة بالمعامل أو المديريات بالمخالفة للقانون لأحكام القانون رقم 53 لسنة 1973 والذى ينص على ضرورة توجيه هذه الحسابات إلى الخزانة العامة للدولة، ولكن مدير مديرية الصحة تجاوز هذا الأمر، فلم يعد الأموال المتبقية من حصيلة فحوص الأغذية للخزانة للعامة للدولة، ولكنه أضاف هذه الأموال لصناديق تحسين الخدمة بالمديرية وصرف مكافآت منها للعاملين بالمديرية.

ووصل حد إهمال مدير مديرية الصحة إلى أقصاه، حيث عرّض حياة الآلاف المرضى للخطر وكبد الدولة خسائر فادحة جراء إهماله مستشفى طوارئ كفر سعد بدمياط، حيث لا يتوافر بالمستشفى المعدات والأجهزة اللازمة لرعاية المرضى والكشف عليهم، فضلاً عن عدم الاهتمام بنظافة المكان، وعدم المتابعة الدورية للصرف الصحى مما تسبب فى تسرب المياه على جدران المستشفى ما تسبب فى تهالكها، بالإضافة إلى عدم توافر الأدوات الصحية بدورات المياه وتعطل جانب كبير منها، والتسبب فى تلف بعض الأجهزة الطبية بالمستشفى منها جهاز الأشعة المقطعية.

وعلاوةً على هذه التجاوزات، غابت بعض المعدات الطبية فى غرف عمليات الطوارئ فى مستشفيات عديدة على رأسها مستشفى الطوارئ بكفر سعد، وترك غرف العمليات والرعاية المركزة مفتوحة أمام الجميع، ما يعرض حياة المرضى للخطر، فضلاً عن عدم تسجيل بيانات المرضى وحالتهم الصحية بعد الكشف عليهم فى الكشوف المخصصة بالمستشفى، وعدم الاهتمام بتقديم بلاغات بشأن وجود نواقص طبية بالمستشفى، والاحتفاظ بأدوية منتهية الصلاحية بالمخازن.

وطبقًا للمستندات، فإن مدير مديرية الصحة امتد إهماله إلى عدم الرد على أكثر من خطاب من مسئول الصيانة بمستشفى الزرقاء المركزى يخبره بضرورة إرسال لجنة لفحص وتركيب مولد كهربائى للمستشفى، بدلاً من مثليه المتروك فى الخارج معطل بدون غرفة تحفظه من خطر الإتلاف وذلك لخدمة المستشفى وحماية حياة الآلاف المرضى، ولكن المدير لم يلتفت إلى حياة المرضى أو ما يتطلبه المستشفى.

وتستمر وقائع الإهمال وعدم اختيار الكفاءات لشغل المناصب التى تخدم الآلاف المرضى، حيث انتداب مدير الصحة طبيباً غير متخصص ويدعى محمد السعيد، طبيب أمراض باطنة من مستشفى ميت أبوغاب للعمل فى مركز الكلى بكفر الغاب، كما أبقى عليه فى منصبه رغم الشكاوى المتكررة ضده من مدير وحدة الكلى بالغاب بعدم الاحتياج إليه نظرًا لأنه لعدم تخصصه فى أمراض الكلى، فضلاً عن عدم التزامه بمواعيد العمل المحددة.

ونفس الأمر تكرر، حيث عرض مدير مديرية الصحة حياة مئات المرضى للخطر بسبب إبقائه على طبيب أسنان يشغل منصب مدير مستشفى طوارئ كفر سعد، رغم الشكاوى المتكررة ضده بعد إجرائه أكثر من 34 عملية جراحية فى مجال الوجه والفكين بمفرده ودون فريق عمل مؤهل لمثل هذه العمليات، حيث يتطلب التعامل مع هذه الحالات استشارياً حاصلاً على دكتوراه أو زمالة جراحة الوجه والفكين.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوز الأمر السماح بإجراء عمليات لبعض الحالات الفندقية (التى تدفع مبالغ باهظة لإجراء عمليات بعينها) بمستشفى كفر سعد خلال أوقات العمل الرسمية بالمخالفة للقانون، واللوائح المنظمة للعمل والتى تنص على إجراء مثل هذه العمليات بعد فترة العمل الرسمى، وانتهاء فترة الكشف على المرضى بالمجان، وذلك بناءً على تقرير رصدته لجنة وزارة الصحة بعد إشرافها على المستشفى.

وامتد الأمر إلى اختيار أشخاص لتولى وظائف قيادية معروف عنهم عدم الالتزام والكفاءة المهنية، حيث انتداب مدير مديرية الصحة طبيباً لتيسير أعمال مدير إدارة الأشعة بمديرية الصحة بدمياط، رغم أن هذا الطبيب تاريخه المهنى لا يخلو من الجزاءات، حيث وقع عليه نحو 19 جزاءً عام 2017، و8 جزاءات عام 2018 ومثلهما كان عام 2016.

وتكرر الأمر السابق، باختياره فريق الإدارة العامة للجودة بمديرية الصحة بدمياط، حيث اختار مجموعة من الإخصائيين والأطباء للعمل بدون خبرة فى هذا المجال، وذلك طبقًا لتقييم لجنة مُشكلة من مدير عام إدارة الجودة بوزارة الصحة والسكان ومجموعة من المتخصصين.

وتجاوز الأمر حدود الإهمال، بعدم الامتثال لأحكام القضاء الإدارى بخصوص عودة المدعو محمد مسعدة عبدة، مدير إدارة السوق المالية بمديرية السوق الصحية بدمياط بعد إعفائه من منصبه بدون سبب مشروع.

فضلاً عن هذا، صرف العلاج للمرضى الذين يعالجون على نفقة الدولة بتكلفته الفعلية، رغم أنه طبقًا لقرار العلاج الصادر لصلاحهم يصرف إليهم العلاج بالمجان.

وكشف تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات الإدارة العامة للتعليم والصحة الموجود داخل مديرية الصحة عن العديد من الملاحظات التى أسفر عنها مراجعة مستندات الصرف بمديرية الصحة بدمياط عن الشهور نوفمبر، فبراير ٢٠١٨.

أبرزها التلاعب وعدم أعمال أوجه الإجراءات القانونية والمالية الصحيحة لدى صرف مستحقات بدل الانتقال الخاص بمرضى الفشل الكلوى بغرض الاستيلاء عليها والتى بلغ ما أمكن حصره منها نحو 511 ألفاً و650 جنيهاً فضلاً عن المخالفات التى شابت صرف بعض تلك المبالغ وذلك على التوضيح التالى: تكرار إصدار أمر دفع بمبلغ ٤٠٣٥٠ جنيهاً باسم «م. خ. م»، وتم قيده ديون ومطلوبات وتم تحصيل مبلغ ١٣٢٥٠ جنيهاً والباقى جارى تحصيله، وإصدار أوامر دفع بأسماء وهمية غير مستحقة لتلك المبالغ بلغت قيمتها نحو ١٦٦٢٥٠ جنيهاً ولا تمت بصلة لأصحاب الحق تم توريدها لخزينة المديرية بالقسائم أرقام ٩٧٥٩٨٧ فى ٨/٣/٢٠١٨، ٣٤٦٤٢٦ فى ١١/٤/٢٠١٨.

وذكر التقرير استخراج أوامر دفع بأسماء أشخاص على اعتبار أنهم ورثة المرضى المستحقين بعضها دون وجود إعلام الوراثة الذى يؤكد ذلك، ودون إرفاق خطابات من هيئة البريد، بأرقام حسابات المستفيدين، وبلغ ما أمكن حصره 130 ألفاً و600 جنيه.

وكشف التقرير صرف قيمة جلسات بدل انتقال لإحدى الحالات التابعة للتأمين الصحى والبالغ قيمتها نحو ٢٧٨٠٠ جنيه دون وجه حق، حيث يتعين صرفها من الجهة المختصة بذلك.

وجاء بالتقرير صرف مبالغ بدلات انتقال وتحميلها الموازنة المديرية دون مبرر بلغ ما أمكن حصره نحو ١٤٦٦٥٠ جنيهاً.

وأضاف التقرير قيام المديرية بتكرار إصدار أمر دفع بمبلغ ٤٠٣٥٠ جنيهاً باسم «م. خ. م»، قيمه المبلغ المستحق له والصادر به حكم قضائى فى الدعوى رقم ٢٧٨٠ لسنة ٥ قضائية سدادًا لبدل انتقال جلسات الغسيل الكلوى، وتم تعلية المبلغ كديون ومطلوبات طرف المذكور تم سداد مبلغ ١٣٢٥٠ جنيهاً منه، والباقى جار تحصيله.

وأشار التقرير إلى أنه تبين لدى مراجعة مستندات الصرف بالمديرية تكرار استخراج أمر دفع بمبلغ ٤٠٣٥٠ جنيهاً بالمستند رقم ١٧٩٤ بتاريخ ٩/١١/٢٠١٧ باسم «م. خ. م»، قيمة المبلغ المستحق له والصادر به حكم قضائى فى الدعوى رقم ٢٧٨٠ لسنة ٥ قضائية سداداً لبدل انتقال جلسات الغسيل الكلوى، بأمر الدفع رقم ١٢٩٨١٨٣١٠٠٤٦٧٠ بمبلغ ٤٠٣٥٠ جنيهاً تاريخ استحقاق ٨/١١/٢٠١٧ وأمر الدفع ١٣٩٨١٨٣١٠٠٤٦٨٠ بمبلغ ٤٠٣٥٠ جنيهاً تاريخ استحقاق ٨/١١/٢٠١٧، وبالتالى أصبح فى حساب «م. خ. م»، مبلغ ٨٠٧٠٠ جنيهاً على حين أن المبلغ المستحق له ٤٠٣٥٠ جنيهاً وفق الحكم الصادر له، وقد أفادت مديرة حسابات المديرية أن هذا حدث بالخطأ بسبب انقطاع شبكة الإنترنت أثناء توقيع أمر الدفع مما ترتب عليه تكرار التوقيع، وقد قامت إدارة الحسابات عند اكتشاف الأمر بتاريخ ٢٠/١٢/٢٠١٧ بعرض الأمر على السيد وكيل الوزارة لتعلية المبلغ ديون ومطلوبات طرف السيد المذكور، وتم تعلية مبلغ ٤٠٣٥٠ جنيهاً طرف « م. خ. م»، بالتسوية رقم ٩٦ ف ٢٠١٧/١٢/٢٠، وتم سداد منها مبلغ ١٣٢٥٠ جنيهاً حتى تاريخ المراجعة بيانها كالتالى، مبلغ ٣٢٥٠ جنيهاً بالتسوية رقم ٨٤٩ ف ٢٠١٨/٢/٢٨، ومبلغ ١٠٠٠٠جنيه بالتسوية رقم ٩٤١ فى ٢٠١٨/٣/٢٦، وبالتالى أصبح المبلغ الباقى المستحق طرفه ٢٧١٠٠ جنيه وجار تحصيله.

وكشف التقرير التلاعب عند صرف بعض المبالغ قيمة مستحقات مرضى الغسيل الكلوى المنصرفة بناءً على الأحكام الصادرة لهم وإصدار أوامر الدفع بأسماء أشخاص وهمية غير مستحقه لتلك المبالغ ولا يمتون بصلة لأصحاب الحق، الأمر الذى يوحى بأن ذلك كان بغرض الاستيلاء عليها، فضلاً عن عدم إحكام الرقابة وقد بلغ ما أمكن حصره مبلغ ١٦٦٢٥٠ جنيهاً.

وأوضح التقرير أنه تقضى أحكام المادة (٨) من اللائحة المالية للموازنة والحسابات أنه يجب على المراجع أن يثبت مما يأتى:

أولاً: أن المبلغ المطلوب صرفه مدرج له اعتماد فى الموازنة أو صدر عنه ترخيص مالى أو قرار من السلطة المختصة بعد اعتماد الموازنة.

ثانياً: أن الطلب مقدم من صاحب الحق أو وكيله وأنه تم استيفاء الأوراق التى تثبت استحقاق الطالب للمبلغ وأنه لم يسبق الصرف.

ثالثاً: أن الفواتير أصلية.

وفى الأحوال التى تدعو إلى التأشير بأى ملاحظات أو قرارات أو تصحيح أى خطأ وقع فى كتابة بعض الكلمات أو الأرقام يجب التأكد أن العامل المسئول قد وقع عليها وأثبت التاريخ تحت التوقيع، وإذا أدى التصحيح إلى تعديل المجموع العام للأرقام فيجب إعادة كتابة تفقيط المجموع الصحيح والتوقيع أمامه من العامل المسئول..إلخ

إلا أنه تبين لدى مراجعة مستندات الصرف بالمديرية التلاعب عند صرف بعض المبالغ قيمة مستحقات مرضى الغسيل الكلوى بناءً على الأحكام الصادرة لهم وإصدار أوامر الدفع بأسماء أشخاص وهمية غير مستحقة لتلك المبالغ ولا يمتون بصلة لأصحاب الحق وقد بلغ ما أمكن حصره مبلغ 8 ملايين و896 ألفاً و963 جنيهاً.

وأوضح التقرير قيام وكيل الحسابات بتسلم تلك المبالغ من الأشخاص المنصرف لهم تلك المبالغ وتوريدها مرة أخرى إلى خزينة المديرية، بعد مطالبة أصحاب الحق لها، الذى يوحى بأن ذلك كان بغرض الاستيلاء على تلك المبالغ، فضلاً عن عدم إحكام الرقابة المالية عليها.

وقد قام أعضاء الجهاز مدير عام الجهاز المركزى للمحاسبات، وآخرون من الأعضاء فى جهاز المحاسبات بتحرير محضر إثبات حالة بتاريخ ٢٠١٨/٤/١٠ لحضور المسئولين من إدارة الحسابات بالمديرية.

ومع كثرة وقائع الفساد والإهمال ضد الشخص المذكور، لا يعرف أحد سر الإبقاء عليه فى منصبه حتى الآن، رغم هذه الشبهات الكثيرة التى دارت حوله، بالإضافة إلى عدم كفاءته المهنية لشغل المنصب حسب العديد من الأطباء الذين تعاملوا معه، فضلاً عن وجود سابقة سوداء فى تاريخه المهنى تؤكد عدم أهليته لمنصب قيادى، وهى فصله من منصبه كوكيل لمستشفى فارسكور المركزى أوائل عام 2014 وتكليف أطباء آخرين بإدارة المستشفى بعد تردى الأوضاع الصحية بها وعدم الاهتمام بالمرضى وسوء التنظيم والإدارة بالمكان، بالإضافة إلى تدهور مستوى تعقيم الأجهزة الطبية، وذلك حسب ما جاء فى تقرير لوزير الصحة بعد زيارته الميدانية للمستشفى مع عدد من الأطباء العاملين بها.