السيسي ينقلب على “القضاء الأعلى”.. والمخابرات تقرر مصير 77 “معاونًا”

في محاولة جديدة من نظام الانقلاب العسكري لاستكمال أجندة السيطرة على القضاء بشكل كامل ونهائي، رفضت سلطات الانقلاب- ممثلة في رئيسها عبد الفتاح السيسي- تعيين دفعة 2015 في منصب معاون النائب العام، وأعادت التحريات للمخابرات العامة والرقابة الإدارية، في ظل مخاوف من تسلل عناصر لا تحظى بالارتياح للسلك القضائي.

فبعد أن دارت دائرة الانقلاب على أوائل الخريجين من كليات الحقوق، ومنعهم من التعيين بالنيابة، بدأ السيسي في الانقلاب على أبناء القضاة، بعد أن رفض تعيين دفعة 2015، نظرًا للتقارير التي أشارت إلى أن أكاديمية القضاء هي التي ستختص بالنظر بعد ذلك في هذه التعيينات، ليبدأ نظام الانقلاب في تفعيلها بعد أقل من ثلاثة أيام من الحديث عنها.

وكشفت مصادر قضائية لـ”الحرية والعدالة”، في تصريحات خاصة، عن أن تعطيل الحركة التي تضم 700 مرشح للتعيين في منصب معاون النيابة، أكثر من نصفهم من أبناء القضاء، يأتي في سياق محاولات السلطة الإمعان في إذلال القضاة، وتوصيل رسالة لمجلس القضاء الأعلى بأنه لم يعد صاحب الحق الأصيل في تعيين معاوني النيابة، بل دخلت أطراف أخرى على خط الأزمة، ومنهم مؤسسة الرئاسة التي كانت تكتفي طوال الستين عاما الماضية بتوقيع الحركة لتصبح سارية، فضلا عن المخابرات العامة والرقابة الإدارية.

ورغم وجود حالة من التململ داخل مجلس القضاء الأعلى من سابقة تدخل مؤسسة الرئاسة ومؤسسات أمنية إلا أن المستشار مجدي أبو العلا، رئيس المجلس، حرص على ترضية القضاة، وتأكيد أن المسألة مسألة وقت فقط، وأن اعتماد الحركة سيجري في النهاية بشكل يرضي عموم القضاة.

إحراج ومناورات

إلا أن الإشارات التي صدرت من اجتماع لرئاسة مجلس وزراء الانقلاب برئاسة السيسي، لم تسر في المسار الذي يرغبه عموم القضاة، حيث أوقف السيسي- خلال الاجتماع الأخير للمجلس- حديثا لوزير مالية الانقلاب الدكتور محمد معيط لدى قوله: “إن تكلفة تعيين ما يقرب من 700 من أعضاء النيابة العامة يكلف الموازنة عشرات الملايين من الجنيهات سنويا، معددًا أوجه إنفاق هذه الملايين، مما شكل إحراجًا شديدًا لوزير عدل الانقلاب وكرامة القضاء.

فما كان من وزير مالية الانقلاب إلا أن طالب السيسي بتوجيه الحديث لوزير عدل الانقلاب المستشار حسام عبد الرحيم المشارك في الاجتماع- ليعلم حجم تكلفة الحركة الفضائية التي يطلق عليها القضاة “الحركة التائهة”- وهو الأمر الذي لم يعلق عليه المستشار عبد الرحيم من قريب أو بعيد، رغم أن هذا الموقف يعد سابقة تاريخية فيما يتعلق بسلك القضاء ويشكل إهانة شديدة لهم.

بل إن المصادر أكدت في هذا السياق، أن “عبد الرحيم” نقل نوعا من اللوم للمستشار محمد عبد المحسن، رئيس نادي القضاة، على خلفية تدوينة سابقة اعتبرت غير ملائمة، حيث انتقد عبد المحسن تأخر إقرار الحركة القضائية، مستغربا حرمان شباب متفوقين من التعيين في السلك القضائي، كونهم فقط أبناء قضاة دعموا الدولة في مواجهة أقوى التحديات.

وأبلغ “عبد الرحيم” رئيس نادي القضاة، بحسب مصادر قضائية، بضرورة الحد من نشر تدوينات على شبكة التواصل الاجتماعي، باعتبار ذلك مناهضا لسياسة دولة الانقلاب، التي اتخذت مواقف متشددة من قضاة لاستخدامهم شبكات التواصل الاجتماعي، ومن ثم- والكلام لعبد الرحيم- فليس من المناسب أن يخالف رئيس النادي هذه التوجهات، وهو الموقف الذي دفع رئيس نادي القضاة للتريث وعدم استخدام شبكة التواصل لإطلاق تغريدات منذ فترة.

الإحالة للمخابرات

وكان مجلس القضاء الأعلى قد أقر تعيين دفعة 2015 منذ 6 أشهر، وإرسالها إلى مؤسسة رئاسة الانقلاب لاعتمادها وإصدار قرار جمهوري بها، إلا أن رئاسة الانقلاب فاجأت الجميع بإحالة الحركة للمخابرات العامة والرقابة الإدارية، مطالبة الجهتين بإجراء اختبارات نفسية للمرشحين للتعيين في منصب معاون النيابة.

ولم تكتف الرئاسة بذلك، بل أمعنت في إذلال القضاة عبر إرسال مطالبة للجهاز المركزي للتنظيم والإدارة لتحديد مدى حاجة مرفق القضاء لتعيين مثل هذا العدد في منصب معاون نيابة، وهو ما رد عليه الجهاز بالقول بعدم الحاجة إلى تعيين أكثر من معاون للنيابة، وهو ما اعتبر إمعانًا في إهانة القضاة وإذلالهم.

من جهته حاول مجلس القضاء الأعلى تجاهل ذلك التوجيه، بتكليف الأجهزة السيادية بإجراء هذه الاختبارات النفسية، وانخرط مجلس القضاء في إجراء اختبارات نفسية صورية للمرشحين، وإعادة الحركة للسيسي الذي لم يعتمدها حتى الآن، وبقيت الحركة التي تضم حوالي 700 معاون نيابة تائهة بين قائد الانقلاب وجهات سيادية حتى الآن.

من جانبه اعتبر المستشار أحمد سليمان، وزير العدل الأسبق، أن عرقلة تعيين دفعة 2015 قضائية تأتي في إطار هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء، وفي إطار انتزاع السيسي اختصاصات مجلس القضاء الأعلى، وتأكيده أن الأكاديمية الوطنية هي من ستتولى تعيين أعضاء النيابة العامة، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ القضاء.

ووصف، في تصريحات خاصة، هذا المسلك من جانب السلطة بالمخالف لنص المادة 77 مكرر 2 من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972، والتي جعلت الاختصاص بكافة شئون القضاة وأعضاء النيابة العامة لمجلس القضاء الأعلى سواء ما تعلق بالتعيين أو الترقية أو النقل أو الندب أو الإعارة أو غيرها من سائر شئونهم.

ومضى سليمان قائلا: “لقد سبق للسيسي ونظامه أن امتهن القانون والدستور عشرات المرات، وفى شتى المجالات، ولم يجد من يتصدى له بعدما أسكن الرعب فى قلوب القضاة، فلم نعد نسمع لهم صوتا يحق حقا أو يبطل باطلا”.

ورجح استمرار السيسي في انتزاع باقي اختصاصات المجلس فى الترقية والنقل والندب والإعارة وغيرها؛ حتى تصبح السلطة القضائية مجرد إدارة تابعة للسلطة التنفيذية، وتبقى كسائر مؤسسات الدولة مجرد منفذ لأوامر السيسي.

وخلص إلى القول: “بعدما فرَط القضاة فى الكثير من اختصاصهم وسلطتهم، ولم ينتفضوا دفاعا عن القانون والدستور والحقوق والحريات كما انتفض أسلافهم، فإن استمرار السلطة التنفيذية في التغول عليهم وامتهان كرامتهم هو الخيار المفضل لها، ولا عزاء لاستقلال القضاء.