3 مؤشرات على انتعاش خزينة العسكر وفقر المصريين من سبوبة الغاز

جاء إعلان حكومة الانقلاب على لسان وزير بترولها طارق الملا، أمس، عن أنها أوقفت استيراد الغاز المسال من الخارج، لفتح الباب أمام الأبواق الإعلامية للتهليل كعادتها للخبر باعتباره انتصارًا كبيرا للجنرال الفاشل، وأنه سيصب في مصلحة المواطنين، إلا أن الدلائل والمؤشرات التي ظهرت مؤخرا تؤكد أن الأمر برمته ليس إلا سبوبة جديدة ستُنعش جيوب العسكر وتزيد وطأة الأعباء الاقتصادية على المصريين.

قبل إعلان الخبر بيوم واحد، وقع كونسورسيوم “أمريكي-إسرائيلي” يقود عمليات تطوير احتياطي الغاز الإسرائيلي في البحر، اتفاقية تتيح تصدير الغاز الطبيعي إلى نظام الانقلاب، الأمر الذي يعني أن توقيت الإعلان عن وقف الاستيراد كان مرتبطا بالصفقة مع الاحتلال الإسرائيلي، والتي تم توقيعها في فبراير الماضي.

ووفقا للاتفاقية، فإن “نوبل إينرجي” وشريكها الإسرائيلي “ديليك”، إلى جانب شركة غاز شرق المتوسط المصرية، اشتروا 39 بالمئة من خط أنابيب متوقف عن العمل، يربط مدينة عسقلان الإسرائيلية بشمال سيناء، ودفع الكونسورسيوم 518 مليون دولار للاستثمار في خط الأنابيب المملوك لشركة غاز شرق المتوسط.

وسيستخدم الخط الذي يقع الجزء الأكبر منه تحت البحر لنقل الغاز الطبيعي من حقلي “تامار” و”ليفياتان” إلى مصر اعتبارا من مطلع 2019، ضمن اتفاقية لمدة عشر سنوات تم توقيعها في فبراير بقيمة 15 مليار دولار، ومن المتوقع وفقا لرؤية الخبراء أن تنتعش خزينة العسكر والشركات الأجنبية التابعة للاحتلال، ولن يعود ذلك بأي نفع على المصريين وفقا للخطوة التي اتخذها نظام الانقلاب في يوليو الماضي.

خطوة استباقية

في تحرك استباقي لضمان انتعاش خزينتها وعدم استفادة المصريين من سبوبة الغاز، قررت حكومة الانقلاب في 21 يوليو الماضي، رفع أسعار الغاز الطبيعي المستخدم في المنازل والنشاط التجاري، بنسب تتراوح بين 30 و75 بالمائة.

وتأتي الزيادة الجديدة، رغم زعم نظام السيسي تحقيق العديد من الاكتشافات في مجال الغاز الطبيعي خلال الفترة الأخيرة، وعلى رأسها حقل “ظهر” قبالة البحر المتوسط.

وحسب القرار الوزاري المنشور في الجريدة الرسمية بمصر حينها، تحدد الأسعار الجديدة وفقا لشرائح الاستهلاك الثلاث وهي كالتالي.

الشريحة الأولى: من صفر استهلاك حتى 30 مترا، فسيدفع المُستهلك 175 قرشا مقابل المتر المكعب الواحد، من 100 قرش، بمعدل زيادة 75 بالمائة، أما الشريحة الثانية، ما يزيد على 30 مترا مكعبا وحتى 60 مترا، فسيدفع المُستهلك 250 قرشا للمتر المكعب، من 175 قرشا بمعدل زيادة 42.8 بالمائة. وفيما يخص الشريحة الثالثة والأخيرة، ما يزيد على 60 مترا مكعبا، سيدفع المُستهلك 300 قرش مقابل المتر المكعب، من 225 قرشا، بنسبة زيادة قدرها 33.3 بالمائة.

كما رفعت حكومة الانقلاب، في منتصف يونيو الماضي، أسعار الوقود بنسب تصل إلى 66.6 بالمائة، للمرة الثالثة في غضون أقل من عامين.

ولعل أبرز المشاهد الدالة على زيادة الأعباء الاقتصادية والمعيشية على المصريين هو معدلات التضخم التي عاودت الارتفاع مرة أخرى في مصر، وذلك كنتيجة طبيعية للقرارات التقشفية التي اتخذها نظام الانقلاب بقيادة عبد الفتاح السيسي خلال الآونة الأخيرة، الأمر الذي يجعل الأسواق هي الضحية الأولى لمثل هذه القرارات.

أكذوبة الاكتفاء

وفي رده على سؤال هل مصر حققت فعلا اكتفاء ذاتيا من الغاز؟، قال إبراهيم نوار، مستشار وزير الصناعة في حكومة الدكتور هشام قنديل: إن الإجابة هي نعم ولا!؛ فمصر حققت اكتفاء ذاتيا مؤقتا كدولة منشَأ تشارك في ثرواتها الطبيعية الشركات الدولية، ولا، لأن مصر لم تحقق اكتفاء ذاتيا كاقتصاد قومي باستبعاد نصيب الشركات الأجنبية.

وتابع أن تفسير ذلك يتأتى بخصم نصيب الشركات الأجنبية من الإنتاج الكلي الذي يبلغ حاليا 6.6 مليار قدم مكعب يوميا، عن نصيب الحكومة ممثلة في الشركة القابضة للغاز، فنصيب الشركات الأجنبية من إنتاج الحقول يتضمن 40% (النسبة المتفق عليها لاسترداد تكاليف البحث والتنقيب) + ما يتراوح بين 27% إلى 30%) من الإنتاج، أما نصيب مصر بعد استقطاع حصة الشركات الأجنبية فهو يبلغ حوالي 30% – 33%، وبعد تغطية تكاليف الإنتاج تماما فإن نصيب مصر في معظم الاتفاقيات يرتفع الى حوالي 50%، وقد يزيد على تلك النسبة في الحقول البرية ذات الإنتاج الغزير والتكلفة المنخفضة.

وأشار إلى أنه لذلك فإن رقم الإنتاج الكلي للغاز ينقسم إلى قسمين، حق الشركات المنتجة (وهي هنا شركات أجنبية)، وحق الدولة التي منحت لتلك الشركات امتياز البحث والتنقيب، ثم الاستخراج والإنتاج. وسوف نفترض لغرض التبسيط الحسابي أن القِسمة هي بنسبة 50%- 50%، فذلك يعني أن كمية الإنتاج حاليا وهي 6.6 مليار قدم مكعب يوميا، تتوزع ملكيتها بين الشركات بمقدار 3.3 مليار قدم مكعب، والحكومة المصرية 3.3 مليار قدم مكعب، وهو ما يعني أن الإنتاج القومي من الغاز (وليس الإنتاج المحلي) يعادل نصف كمية الاستهلاك المطلوبة. أما النصف الآخر فتشتريه الحكومة من الشركات الأجنبية ولا تحصل عليه مجانا.

1.5 مليار دولار

وتابع نوار أن ما يخص مصر من الغاز المستخرج من حقولها البرية والبحرية يعادل 40% إلى 50% فقط من احتياجاتها، بينما تعود الحصة المتبقية للشركات، ويعادل نصيب الحكومة الحالي من إجمالي الإنتاج حوالي 3.3 مليار قدم مكعب يوميا على أقصى تقدير، ومن ثم ستشتري الحكومة من الشركات الأجنبية 3.3 مليار قدم مكعب.

وأضاف أن معدل نمو استهلاك مصر من الغاز يزيد على معدل نمو الاحتياطي المؤكد، ومن المتوقع أن تعود مصر لاستيراد الغاز بعد 3 سنوات، إلا اذا أكدت عمليات المسح الجيولوجي والتنقيب، واختبارات الآبار التجريبية في امتياز (حقل نور) البحري، وجود الكميات الضخمة من الاحتياطي التي تداولتها بعض الأوساط والمقدرة بـ90 تريليون قدم مكعب.

وأكد أن مصر توقفت فعلا عن استيراد الغاز المسال، وسيوفر هذا للخزانة المصرية مبلغا في حدود 1.5 مليار دولار أو يزيد. لكن مع استيراد الغاز الإسرائيلي، فإن هذا الوفر سيذهب عمليا لسداد مدفوعات الغاز إلى الشركات الإسرائيلية، لافتا إلى أن مصر ستستمر في شراء الغاز الطبيعي من الشركات الدولية العاملة في مصر، وستدفع مقابل ذلك بالدولار الأمريكي وليس بالجنيه المصري، ومن ثم فإن مستحقات الشركات الأجنبية ستظل كما هي أو ستزيد، مع افتراض عدم التعثر في السداد، وستشكل هذه المدفوعات قيدًا على الخزانة المصرية فيما يتعلق بمحفظة النقد الأجنبي.