1058 “ريجيني” في سجون مصر قتلهم السيسي بالتعذيب والإهمال

طالب الادعاء الإيطالي الثلاثاء 25 مايو 2021م من أحد القضاة في الدائرة التي تحاكم قتلة الباحث الإيطالي جوليو ريجيني غيابيا، إحالة أربعة أعضاء كبار بأجهزة النظام العسكري الأمنية في مصر لاشتباه في تورطهم في اختفاء ومقتل ريجيني، والذي تم العثور على جثته بعد أسبوع تقريبا من اختفائه في 25 يناير 2016م، وأظهر فحص الطب الشرعي أنه تعرض للتعذيب قبل موته، وتنفي الشرطة والمسؤولون المصريون الضلوع في الأمر بأي شكل.

وفي السياق، أصدرت منظمة”كوميتي فور جاستس” (CFJ)، ومقرها جنيف، الثلاثاء، تقريراً بعنوان “كم ريجيني في مصر منذ 2013″، سلّط الضوء على عدد الوفيات التي رصدتها المنظمة الحقوقية داخل مراكز الاحتجاز في مصر منذ انقلاب 30 يونيو 2013م حتى أكتوبر2020؛ إذ بلغ العدد الإجمالي 1058 حالة وفاة، مشيرة إلى أنّ عدد الوفيات ارتفع بمقدار 100 حالة في عام 2020، مقارنة بتراجعها النسبي في عام 2019م.

وبحسب أحمد مفرح، المدير التنفيذي لمنظمة “كوميتي فورجستس”، فإنّ “ريجيني ليس الأجنبي الوحيد الذي وقع ضحية للسلطات المصرية، فمنذ يناير 2016 تعرض المواطن الفرنسي إريك لانغ والأميركي جيمس هنري لون للتعذيب والقتل في الحجز. وكما هو معترف به على نطاق واسع، فإنّ التعذيب تتم ممارسته بشكل منهجي في مصر، وقد تعرض العديد من المصريين لأشكال قاسية من التعذيب وحتى بعض عمليات القتل خارج نطاق القانون على يد جهاز الأمن المصري.

وتعزو “كوميتي فور جستس” أسباب تفشي القتل بالتعذيب داخل السجون المصرية إلى إفلات الجناة من المساءلة والعقاب؛ وقالت إنّ القاسم المشترك بين وفاة ريجيني والقضايا الأخرى “هو الافتقار التام للتحقيق الفعال، الأمر الذي أدى إلى استمرار الحلقة المفرغة للإفلات من العقاب التي لا يزال المسؤولون المصريون يتمتعون به”، مشددة على أنّ “هناك حاجة إلى دعوة عاجلة للمساءلة الدولية عن تعذيب وقتل الرعايا الأجانب والمصريين داخل مراكز الاحتجاز التي تديرها الدولة في مصر”.

أما المدير التنفيذي لـ”مؤسسة الكرامة Dignity”، راسموس جرو كريستينسين، فيعلق على محاكمة ريجيني حيث يقول: “على الرغم من أنها ستعقد غيابياً، نأمل أن ترسل هذه المحاكمة غير المسبوقة رسالة لا لبس فيها إلى الدولة المصرية مفادها بأنّ ارتكابها لجرائم خطيرة بموجب القانون الدولي موثق رسمياً. من المأمول أن يضيف هذا إلى العدد المتزايد من الحالات التي يُحاسب فيها مرتكبو جريمة التعذيب خارج بلادهم”.

ورغم أنّ المدعين الإيطاليين لا يعتمدون على ما يسمى بمبدأ الولاية القضائية العالمية، فإنّ محاكمة ريجيني تسلّط الضوء على أهمية تفعيل آليات المساءلة الدولية عندما لا يمكن تحقيق العدالة محلياً، كما هو الحال بالنسبة لضحايا التعذيب في السجون المصرية. وترى “كوميتي فور جستس” أنّ هذه المحاكمة “هي علامة فارقة في الكفاح ضد الإفلات من العقاب على خلفية ارتكاب جريمة التعذيب، وغيره من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مصر”.  وقال راسموس جرو كريستنسن: “نأمل أن تساعد المحاكمة على استمرار الجهود لضمان العدالة والمساءلة من أجل آلاف المصريين الذين وقعوا ضحايا لانتهاكات جسيمة على يد النظام المصري”.

ويتهم ممثلو الادعاء في روما، أربعة مسؤولين بأجهزة السيسي الأمنية باختطاف ريجيني، وإلحاق “أذى جسيم” به، بالإضافة إلى توجيه اتهام إلى أحدهم، وهو الرائد مجدي شريف، من المخابرات العامة، “بالتخطيط لارتكاب قتل عمد”. وكانت جهات التحقيق المصرية قد أغلقت ملف القضية في 30 نوفمبر 2020م بعدما رفضت النتائج التي توصل إليها المدعون الإيطاليون؛ في حين أنّ لائحة الاتهام الصادرة عن المدعي العام في روما في 10 ديسمبر 2020 تحدّد أربعة من كبار المسؤولين، ورفض السيسي تسليم المشتبه فيهم الأربعة.

وفي الثلاثاء 18 مايو 2021م، رفض نظام السيسي قرارا صادرا من الجمعية العامة للأمم المتحدة يتضمن إلزام الدول والحكومات بحماية مواطنيها من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فيما اعتبره حقوقيون إصرارا من النظام لاستكمال جرائمه بحق المصريين. وافق على القرار 115 دولة، وامتنعت عن التصويت ٢٨ بلدا، ورفضته 15، بينها: مصر، والسودان، وسوريا، والصين، وكوبا، وكوريا الشمالية، وروسيا، وروسيا البيضاء، وفنزويلا، وبوليفيا، ونيكاراجوا، وبروندي، وإندونيسيا.

وتضمن القرار مجموعة توصيات، منها أن تتعهد الدول والحكومات بحماية السكان من التعرض لأي جرائم وحشية أو جرائم ضد الإنسانية أو إبادة جماعية، وإدراج هذه الجرائم ضمن ولاية مجلس حقوق الإنسان، وضمن إطار الاستعراض الدوري الشامل.

ومنذ انقلابه على الرئيس الشهيد محمد مرسي، ارتكب نظام السسي الانقلابي جرائم ضد الإنسانية، كان أخطرها فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة 14 أغسطس 2013، وكذلك جرائم القتل والتهجير لأهالي سيناء، وتفجير المنازل في شمال سيناء، في جرائم وصفتها منظمات حقوقية بأنها ترقى لجرائم ضد الإنسانية. ويواجه نظام السيسي انتقادات واسعة لملفه الحقوقي من منظمات حقوقية محلية ودولية، إلى جانب الاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية الجديدة، حيث عبر كل منها في مناسبات مختلفة عن قلقه من انتهاكات حقوق الإنسان في مصر.

وبحسب مراقبين وحقوقيين فإن النظام العسكري في مصر لا يزال يصر على السير بسياسة رفض التصديق على ثمة معاهدات واتفاقيات دولية من شأنها محاسبته على جرائم يرتكبها، ومنها اتفاقية مناهضة الإخفاء القسري. ورفض القرار الأممي يؤكد أن النظام على يقين كامل بجرائمه التي تستوجب المحاكمة والعقاب بوصفها جرائم ضد الإنسانية. ويظن النظام أنه بذلك يحمي نفسه وجنرالاته، ويحاول منع ملاحقته ورموزه من العقاب، ويسعى لذلك بطرق شتى، سواء بقوانين محلية يصدرها أو بعدم التوقيع على مواثيق دولية؛ لأنه يعلم أن الجرائم معروفة وموثقة، وعليها دلائل قوية، ولا يمنع من العقاب أو يحول دونه سوى عدم التوقيع على تلك المعاهدات”.

نظام السيسي برفضه للوثيقة الأممية في حماية حق المصريين من الإبادة الجماعية هو بحد ذاته اعتراف بارتكابه لهذه الجريمة وبرهان على أن النظام هو من يمارس الإبادة الجماعية بحق المصريين وينتهك حتى حقهم في الحياة. ورغم ذلك فإن القرار الأممي مر بالإجماع وسينفذ، ويطبق على كل دول العالم بحسب الحقوقي محمد زارع، مؤكدا أن الخبراء المعنيين بالملف بالأمم المتحدة سيتابعون الجرائم المنصوص عليها، والتي ترتكبها الأنظمة بحق الشعوب”.