هام عن مشروعية الجهر بالتكبير عند المحن والنوازل ..

مقال هام عن مشروعية الجهر بالتكبير أثناء المحن
بالأدلة الشرعية، وتفنيد ادلة من يدعون انها بدعة، وإذا تحدث الفقهاء فليصمت المدعون
المقال للشيخ عصام تليمة
……….
بعد أن مُنيت بلاد كثيرة بوباء كورونا، وسقوط الضحايا بين مرضى وموتى، وفتوى المشايخ بعدم الذهاب للمساجد لصلاة الجمعة والجماعة خشية العدوى، ولزوم كثير من الناس بيوتهم، انطلقت ألسنة الناس تلهج بالدعاء والذكر لله سبحانه وتعالى من البيوت، وابتكر الناس وسيلة الخروج من الشرفات (البلكونات) في وقت من الليل، لتلهج ألسنتهم بالدعاء والذكر بصوت مرتفع، وفي أداء جماعي، كل في بيته، وتتلاقى الأصوات والرغبات بذكر الله في وقت واحد.

إلى هنا والأمر طبيعي، فهناك بلاد فعلت هذا التقليد ولكن بثقافتها، فمنهم من خرج ليعزف على الآلات الموسيقية في وقت معين، ومنهم من غنى، ومنهم عبر عن رغبته بطريقته، وحسب ما يمليه عليه دينه وثقافته، والإنسان المتدين بطبيعته لجأ لما يحب ويعرف وهو الدعاء والذكر، ليس تحريما للموسيقى والغناء، ولكن لإحساسه بالتقصير في حق الله، وحاجته في هذه اللحظة إلى القرب منه، والعودة إليه، وخاصة بعد إغلاق المساجد، فحول الناس شرفات بيوتهم إلى أداة تصدر منها الأصوات بالذكر والدعاء.

إلى هنا كما ذكرت والأمر طبيعي، لكن لا، يخرج علينا بين الحين والآخر، من يوقف كل عمل يجتهد فيه الناس من خلال فهمهم للدين الفهم العام، إلا أن هناك من يريد إنهاء هذا الفعل، بحجة: أنه بدعة، وأنه إذا ذكر الإنسان الله جهرا جماعيا يكون قد تقرب إلى الله بما يغضب الله، فيكون استحق غضب الله، وحرمانه من رحمته. وهو كلام لا يخرج من أهل علم وفقه، لأن المسألة مختلف فيها بين من يجيز ومن يمنع، ومن يمنع من أهل العلم لا ينكر على من يأخذ بالرأي الآخر، وبما أن البعض بدأ يثير الأمر، ويشكك الناس، فسوف أذكر الأدلة التي تجيز الذكر الجماعي جهرا.

أدلة جواز الذكر جماعة:
أما أدلة جواز الذكر والدعاء جماعة، فهي:

1ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة، فضلا يتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم ، وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم، حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء”.

قال: “فيسألهم الله عز وجل ـ وهو أعلم بهم ـ: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد لك في الأرض، يسبحونك، ويكبرونك، ويهللونك، ويحمدونك، ويسألونك. قال: وماذا يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنتك. قال:وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا. أي رب. قال: “فكيف لو رأوا جنتي؟

قالوا: ويستجيرونك؟ قال: ومم يستجيرونني؟ قالوا: من نارك، يارب. قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا. قال: فكيف لو رأوا ناري؟

قالوا: ويستغفرونك. قال: “فيقول: قد غفرت لهم، فأعطيتهم ما يألوا، وأجرتهم مما استجاروا”. قال: “فيقولون: رب، فيهم فلان، عبد خَطَّاء، إنما مَرَّ فجلس معهم”. قال: “فيقول: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم”.[1]

وفي رواية: “إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم، قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم ـ وهو أعلم بهم ـ: ما يقولون عبادي؟ قالوا: يقولون: يسبحونك، ويكبرونك، ويحمدونك، ويمجدونك. ….. إلى آخر الحديث[2].

2ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني. فإن ذكرني في نفسه: ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإٍ: ذكرته في ملإ خير منه”.[3]

قال الإمام ابن رجب بعد ذكر بعض هذه الأحاديث: واستدل الأكثرون على استحباب الاجتماع لمدارسة القرآن في الجملة بالأحاديث الدالة على استحباب الاجتماع للذكر، والقرآن أفضل أنواع الذكر. ثم ساق الأحاديث التي ذكرناها.[4]

وأفتت لجنة (الموسوعة الفقهية) بالكويت بجواز هذا اللون من الذكر، فقالت: “اللجنة ترى: أن اشتراك مجموعة في الأذكار المأثورة، أو الأدعية الواردة، أو قراءة القرآن بصوت واحد جائز بشرط: عدم التشويش على المصلين أو غيرهم، مما هم فيه من عمل مشروع، ولا سيما إذا كانت هذه الطريقة تساعد على النشاط، وتعليم غير المتعلم، وبشرط: ألا تعتقد هذه الكيفية أنها واجبة أو مسنونة بصورتها، وإنما هي وسيلة لتعليم غير المتعلم، وللتعاون على البر والتقوى، واللجنة تشير إلى أنه لبعض علماء المالكية فتوى بهذا الشأن تنظر في ج1 ص281 من كتاب (المعيار المعرب) لأحمد بن يحيى الونشريسي المالكي.[5]

الجهر بالذكر والدعاء:
أما عن جهر الناس بالذكر والدعاء في شرفاتهم، أو في مجالس الذكر، بصوت مرتفع، فهو أمر أيضا دلت على صحته نصوص كثيرة، وسوف أذكر أولا أدلة من يحرمون التي يستدلون بها لمنع الناس من الذكر بصوت مرتفع.

أدلة المانعين للجهر بالذكر:
استدل المانعون للجهر بالذكر بقوله تعالى: (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين) الأعراف:205، ففي الآية هنا: أمر للذكر في النفس، دون الجهر من القول، وهذا صريح في أن الذكر يكون سرا لا جهرا. واستدلوا بقوله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا) الإسراء: 110، فهنا منع الجهر بالصلاة، فكيف بالجهر بالذكر؟!

والجواب عن هاتين الآيتين بعدة أمور:

أولا: أن آية الأعراف مكية، كآية الإسراء (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) وقد نزلت حين كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بالقرآن فيسمعه المشركون فيسبون القرآن ومن أنزله فأمر بترك الجهر سدا للذريعة كما نهي عن سب الأصنام لذلك في قوله تعالى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) الأنعام: 108. فالمنع هنا لعلة الخوف على حال المسلم المستضعف.

ثانيا: أن هذا الأمر ليس للافتراض أو الوجوب حتى يحرم ضده أو يكره، بل هو أمر إرشادي يرشدك إليه قوله تعالى: (تضرعا وخيفة).[6] وعلى هذا تدل الآية على جواز السر والجهر كليهما، وأفضلية السر للتضرع والخيفة.[7]

كما استدل المانعون للجهر بالذكر بأدلة من السنة النبوية وهي: أن أبا موسى قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فلما دنونا من المدينة: كبَّر الناس ورفعوا أصواتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا أيها الناس: إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا”.[8] والجواب عن هذا الحديث ـ كما يقول العلامة الشيخ محمود خطاب السبكي ـ: لعلهم بالغوا في الجهر بالذكر فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم نهي تيسير وإرشاد، وإلا فأصل الجهر مشروع.[9]

ومن أدلة المانعين للجهر بالذكر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “خير الذكر الخفي” فالحديث هنا بيَّن خيرية الذكر خفية على الذكر جهرا. والحديث ضعيف فسقط الاستدلال به.

أدلة جواز الجهر بالذكر:
أما عن أدلة جواز الذكر جهرا وجماعة، فنذكر منها:

1ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه: ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ: ذكرته في ملإ خير منه”.[10](وكلمة: ملأ) أي: جماعة جهرا.[11] قال خير الدين الرملي، والسيوطي، واللكنوي: الذكر في ملإ لا يكون إلا عن جهر.[12]

2ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: إن رَفْعَ الصَّوْتِ بالذِّكْرِ حين ينصرف الناسُ من المَكْتُوبَةِ كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.[13]وفي رواية: كنتُ أعرِفُ انقضَاءَ صَلاةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير.[14]

قال ابن حجر: أراد بالتكبير: مطلق الذكر.[15]ويقول الإمام العيني: استدل به بعض السلف على استحباب رفع الصوت بالتكبير والذكر عقيب المكتوبة، وممن استحبه من المتأخرين: ابن حزم.

وقال الطبري: فيه البيان على صحة فعل من كان يفعل ذلك من الأمراء والولاة يكبر بعد صلاته ويكبر من خلفه. وقال غيره: لم أجد أحدا من الفقهاء قال بهذا إلا ابن حبيب في الواضحة: كانوا يستحبون التكبير في العساكر والبعوث إثر صلاة الصبح والعشاء.[16]

3ـ عن عبد الرحمن بن أبزى رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد، فإذا سلم قال: سبحان الملك القدوس ثلاث مرات ويرفع صوته في الثالثة”.[17] وفي رواية: يمد صوته في الثالثة ثم يرفع.[18]

قال الشيخ الدَّهْلَوِي: في هذا الحديث دليل على شرعية الجهر بالذكر، وهو ثابت في الشرع بلا شبهة، ولكن الخفيَّ منه أفضل. وقال علي القاري ناقلا عن المُظْهِر[19]: هذا يدل على جواز الذكر برفع الصوت، بل على الاستحباب، إذا اجتنب الرياء إظهارا للدين، وتعليما للسامعين، وإيقاظا لهم من الغفلة، وإيصالا لبركة الذكر إلى مقدار ما يبلغ الصوت إليه من الحيوان والشجر والمَدَر، وطلبا لاقتداء الغير بالخير، وليشهد كل رطب ويابس. وبعض المشايخ يختارون إخفاء الذكر، لأنه أبعد من الرياء، وهذا متعلق بالنية.[20]

وهناك أدلة أخرى في الموضوع تبين صحة هذا الفعل، وهو الجهر بالذكر الجماعي، سواء في المساجد، أو في مجالس الذكر، أو في الطرقات، أو في الشرفات، وفي حالة الوباء، بما أن الناس ممنوعة من المساجد للحفاظ على صحتها، فيمكنهم فعل ذلك بطريقة لا لقاء فيها، ولا تقارب، ولكن تؤدي الغرض.

وعلى من يمنع ذلك أن يثبت أنه أمر مجمع عليه، لا خلاف فيه، فمن المعلوم فقها: أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد، أي أن المسائل التي يختلف فيها الفقهاء ليس لمن يقتنع برأي أن ينكر على من تبنى الرأي المخالف، ولا أن يشنع به، ولا يشدد عليه، يكفيه فقط بيان الرأي، أو يسعه الصمت، لعلمه بأن الأمر فيه سعة واجتهاد. ولكن للأسف أصبح الأمر كلأ مباحا لكل من هب ودب، يحرج الناس، ويشدد على الناس، ذاكرا رأيه الذي يقتنع به، لاغيا الآراء الأخرى، وكأن الفقه والأمة لم تعرف إلا رأيه فقط، وهذا مما ابتلي به الناس في هذا الزمان، وللجوء الكثير منهم للحصول على المعلومة على مواقع على الإنترنت، أو على مشايخ، لا تذكر إلا رأيا واحدا فقط للأسف.

[1] رواه مسلم عن أبي هريرة (2689) .

[2] رواه البخاري عن أبي هريرة (6408) والترمذي عن أبي هريرة أو أبي سعيد الخدري (3600) .

[3] رواه البخاري (7405) ومسلم (2675) والترمذي (3603) وابن ماجة (3822) وأحمد(7115)، (8983)، (8963) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[4] انظر: جامع العلوم الحكم (2/303،302).

[5] الموسوعة الفقهية (21/253)

[6] انظر: سباحة الفكر في الجهر بالذكر للإمام اللكنوي ص32 بتحقيق العلامة الشيخ عبد الفتاح أبي غدة.

[7] المصدر السابق:32.

[8] رواه () وأبو داود ().

[9] المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود للعلامة المرحوم/ محمود خطاب السبكي (8/188) .

[10] رواه البخاري (7405) ومسلم (2675) والترمذي (3603) وابن ماجة (3822) وأحمد (7115)، (8983)، (8963) كلهم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[11] انظر: (الفتح الرباني ومعه مختصر الأماني شرح مسند الإمام أحمد) للشيخ أحمد عبد الرحمن البنا (الساعاتي)
(14/199،200).

[12] قال بهذا التفسير السيوطي في (الحاوي) في الفتاوي (1/389) واللكنوي ـ نقلا عن صاحب الفتاوى الخيرية ـ في (سباحة الفكر في الجهر بالذكر) ص28 .

[13] رواه البخاري (841) ومسلم (583) والنسائي (335) وأبو داود (1002) وأحمد (1832)، (3289) كلهم عن ابن عباس رضي الله عنه.

[14] رواه البخاري (842) ومسلم (583) والنسائي (1335) وأبو داود (1003) وأحمد (1832)، (3298) عن ابن عباس رض الله عنهما.

[15] انظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لعلي القاري (2/18).

[16] انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري للإمام بدر الدين العيني (6/126).

[17]رواه النسائي (1732) و(1750) و(1751) و(1752) وأحمد (14813) و(14816) و(14819) عن عبد الرحمن بن أبزي رضي الله عنه.

[18] رواه النسائي (1753) وأحمد (14814) عن عبدالرحمن بن أبزي رضي الله عنه.

[19] أحد شراح مشكاة المصابيح.

[20] انظر: سباحة الفكر في الجهر بالذكر للإمام اللكنوي ص66.