ممدوح الولي … تراجع الفائض الخدمي المصري

ظل ميزان الخدمات المصري يحقق فائضا متواصلا خلال الثلاثين عاما الأخيرة، نتيجة تعدد الموارد الخدمية المصرية، وعلى رأسها السياحة، وقناة السويس والخدمات التعليمية والصحية المصرية لمواطنين عرب، وخدمات النقل المتنوعة.

إلا أن هذا الفائض الذي كان قد بلغ حوالي 15 مليار دولار قبل سبع سنوات، قد تراجع حتى بلغ 1ر2 مليار دولار بالعام المالي الأخير 2015/ 2016 والمنتهى في يونيو الماضي، وبما يمثل أقل معدل له خلال 28 عاما.

وانخفضت الموارد الخدمية بالعام المالي الأخير بنحو 5ر5 مليار دولار بنسبة تراجع 25%، وجاء ذلك بسبب انخفاض غالب المتحصلات الخدمية وأبرزها إيرادات السياحة بتراجع 49%، المتحصلات الحكومية من الخدمات التي تقدمها القنصليات المصرية للمصريين بالخارج بانخفاض 73%.

وإيرادات قناة السويس بتراجع 5ر4% رغم إنشاء التفريعة السابعة للقناة، وإيرادات خدمات النقل المتنوعة بنقص 2 %، والخدمات الأخرى بخلاف النقل والسياحة بتراجع 25%.

وتضافرت عدة عوامل بالعام الماضي أدت لتراجع حاد بعدد السياح الواصلين لمصر، أبرزها حادث محاولة الاعتداء على السياح بالأقصر، وتلاه قصف طائرات حربية لسياح مكسيكيين ومقتل عدد منهم، ثم حادث تحطم طائرة روسية ووفاة جميع ركابها البالغ عددهم 224 راكبا، مما أدى لتوقف عدة بلدان عن إرسال سياحها لمنطقة شرم الشيخ المصرية وغيرها.

وكانت النتيجة تراجع عدد السياح الواصلين خلال العام المالي الأخير بنسبة 33%، ونقص الليالي السياحية بتراجع 48%، وانخفاض متوسط فترة بقاء السائح إلى 1ر7 ليلة مقابل 3ر9 ليلة بالعام المالي الأسبق، كما انخفض متوسط إنفاق السائح إلى أقل من 73 دولارا في الليلة مما أسفر عن إغلاق العشرات من المنشآت السياحية بالعديد من المناطق السياحة.

وفي ما يخص الخدمات التعليمية التي تقدمها الجامعات المصرية، فقد أوقفت أكثر من دولة خليجية سفر طلابها لاستكمال دراستهم بمصر، كما تسببت المنافسة الأردنية في الخدمات الطبية في جذب كثير من المواطنين العرب الذين اعتادوا على العلاج بمصر، كذلك تسبب نقص الدولار في عدم استطاعة شركات مقاولات مصرية التوسع في نشاطها بالدول العربية.

وكان نقص الدولار هو نفس السبب الذي واجهته شركات تأمين بعدم استطاعتها تحويل أقساط التأمين لمعيدي التأمين خارج مصر، وتكرر ذلك مع البنوك المصرية لفتح اعتمادات مستندية لاستيراد السلع مع نقص الدولار، وشهد الإنتاج الفني المصري  منافسة سوريه وتركية بل وكورية مما قلل من ترويجها خليجيا.

كما تسبب ضعف العوائد على الودائع حاليا بالأسواق الدولية، في انخفاض عوائد الاستثمارات المصرية بالخارج، أيضا تسبب تراجع السياحة في انخفاض عدد الطائرات الواصلة للمطارات المصرية، وبالتالي انخفاض إيرادات الخدمات التي كان يتم تقديمها للطائرات الأجنبية، وعمق الأزمة تعطل عمليات تحويل أموال شركات الطيران بالعملات الأجنبية حتى أن إحداها قررت وقف السفر إلى مصر من يناير القادم.

كذلك تسبب التباطؤ الذي تشهده دول الاتحاد الأوربي والصين، وكذلك تراجع أسعار النفط في انخفاض معدلات مرور السفن بقناة السويس، وتفضيل بعض السفن الفارغة العائدة من أوربا إلى جنوب آسيا المرور عبر طريق رأس الرجاء الصالح الأطول زمنيا، تفاديا لدفع رسوم باهظة في حالة المرور بقناة السويس.

وإذا كانت تلك هي صورة المعوقات التي تواجه الموارد الخدمية المصرية، فإنه على الجانب الآخر قد زادت مدفوعات سياحة المصريين بالخارج، حتى بلغت أكثر من 4 مليارات دولار بالعام المالي الأخير، وهو ما يفوق إيرادات السياحة الداخلة لمصر، في مشهد لم يحدث من قبل بتحول الميزان السياحي المصري إلى العجز.

كذلك ما زالت مدفوعات دخل استثمار الأجانب والعرب بمصر، تمثل رقما كبيرا بلغ حوالي 5 مليارات دولار بالعام المالي الأخير، ورغم تراجع الفائض بالميزان الخدمي بالعام المالي الأخير إلى 1ر2 مليار دولار، فإن بعض الخبراء يشككون في الرقم، بسبب بيانات الدخل السياحي التي تشير إلى تحقيق 8ر3 مليار دولار.

ويرى هؤلاء أن هناك مبالغة في ذلك الرقم، حيث أنه يفترض إنفاق كل سائح حوالي 73 دولارا بالليلة، بينما تتضمن أعداد السياح 452 ألف شخص من دول أفريقية معظمها دول فقيرة، ويتخذ بعض هؤلاء مصر كمحطة للسفر إلى البلدان الأوربية وبعضهم لاجئين والبعض يقوم ببيع بعض السلع بالميادين.

إلى جانب كثير من السودانيين والفلسطينيين الذين يقيمون لدى أقارب لهم بمصر، والذين لا يستطيعون إنفاق مثل تلك التقديرات للإنفاق السياحي البالغ 73 دولارا في الليلة لكل منهم، مما يقلل الثقة في بيانات الدخل السياحي، وبالتالي في قيمة الفائض الخدمي.