ماذا فعل السيسي في ابن بهاء الدين؟

على الرغم من أنها دعوة سطحية، لا تزيد عن أنها محاولة لصناعة “أفيش” لفيلم ينتمي إلى السينما السياسية الركيكة، إلا أن ردود الأفعال عليها جاءت غارقةً في المفارقات الصادمة، وكاشفةً عن حالة هلع مستحكمة، تجتاح سياسيين وأشباه سياسيين، يفضّلون العيش في الحديقة الخلفية لطغيان عبد الفتاح السيسي على الحياة بكرامة.

على أن هناك من وجد فيها فرصةً لتجديد الولاء للمستنقع، في لحظةٍ تبرز فيها أنياب السلطة المنتشية بالنجاح في دسترة طغيانها فترات مفتوحة على المجهول، فقرّر ارتداء ثياب الوطنية الملوثة بكل آفات الفاشية من تخوين وإقصاء واستئصال، على نحوٍ يثير الشفقة إلى المرتشعين رفضًا، بأكثر مما يثير الاشمئزاز.

لكن المفارقة الصارخة في أصوات الرفض المشوب بالفزع تتجسّد في السيد زياد بهاء الدين،  الرئيس السابق للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، ووزير التعاون الدولي ونائب لرئيس الوزراء للتنمية الاقتصادية، في أول حكومة للانقلاب العسكري، ورئيس هيئة الرقابة المالية.. وقبل ذلك وبعده هو ابن الكاتب الكبير الراحل أحمد بهاء الدين.

في استقباله تلك الدعوة، المعيبة، يكتب زياد بهاء الدين في صحيفة الشروق ملخصًا أسباب انزعاجه ورفضه لها في أن “البيان الداعي للحوار يبدو وطنيا وجامعا ومتسعا لكل الأطياف السياسية، فإنه فى جوهره يستهدف وضع تنظيم الإخوان المسلمين بذات قياداته السابقة فى قلب تيار معارضة جديد”.

ثم يضيف “في تقديري أن معظم من عبروا عن رفضهم للمشاركة فى الحوار، من خارج مصر وداخلها، قد توجسوا من هذا الجانب تحديدا من المبادرة تحسّبا من المشاركة فيما يبدو فى ظاهره عملا وطنيا جماعيا، بينما حقيقته وجوهره تمكين الجماعة من العودة للمشهد السياسي وتصدره على نحو ما جرى من قبل”.

مبعث الدهشة أن زياد أحمد بهاء الدين كان أول من أطلق مبادرة للحوار والمصالحة الوطنية، عقب انقلاب 2013 بأسابيع معدودة، إذ نشر موقع فرانس 24 يوم 29 أكتوبر/ تشرين أول 2013 ما يلي “دعا نائب رئيس الوزراء وزير التعاون الدولي المصري، زياد بهاء الدين، إلى المصالحة بين الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين، مؤكّدا أن “العملية السياسية الشاملة، وليس الحملات الأمنية، هي التي يمكن لها أن تحقق الاستقرار في البلاد”. وقال إن الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين يجب أن تسعيا إلى المصالحة، لأن العملية السياسية الشاملة، وليس الحملات الأمنية، هي التي يمكن أن تحقق الاستقرار في البلاد. “في النهاية، هذه الدولة تحتاج إلى أن تتحرّك نحو إطار لاتفاق سياسي من نوع ما. إنها تحتاج إلى إطار سياسي يكون أكثر شمولا للجميع”.

ما الذي جعل زياد بهاء الدين، التصالحي التحاوري التوافقي، في خريف 2013 إقصائيًا واستئصاليًا إلى هذا الحد في صيف 2019؟. ماذا فعل نظام السيسي به، أو ماذا فعل بنفسه، كي يُمسك ببندقية، ويطلق الرصاص على أية دعوة تتضمن حوارًا بين مختلف مكونات المجتمع، حتى لو كانت الدعوة تافهة، وفاقدة أبسط قواعد المنطق والجدية؟. لماذا أصبح ابن أحمد بهاء الدين أكثر شراسة من السلطة في ضرورة إقصاء ومحو تيار عريض، وله جذوره العميقة في التربة المصرية؟.

حسنًا، أنت تريد استئصال ما يسميه “التيار الإخواني” من المشهد، فهل لديك من الغاز ما يكفي لتشغيل أفران لحرقهم؟. الصادم أن بهاء الدين في إعلان رفضه شبح المصالحة الوطنية، يبدو أقرب إلى منطق “الترانسفير” الذي مارسه الاحتلال الصهيوني مبكرًا في إطار مشروع تغيير الخرائط السكانية والاجتماعية على أرض فلسطين، وهو ابن أحمد بهاء الدين الذي مات كمدًا، وهو يخوض أكثر معاركه الصحافية بسالةً ضد ما وصفها “جريمة العصر”، وهي تهجير اليهود السوفييت إلى فلسطين المحتلة في ثمانينات القرن الماضي.

يعلم زياد بهاء الدين أن مشكلتنا مع هذا النظام ليست في طغيانه وقمعه واستبداده فقط، بل قبل ذلك نتخذ موقفًا جذريًا ضده، كونه وليد مسافحةٍ مع الحلم الصهيوني. نعم هو صنيعتهم وفي رعايتهم، ولعلك اطلعت بنفسك، حين كنت وزيرًا في هذا النظام، كيف احتفلت إسرائيل بتنصيبه، وكدّت في تمكينه، وتفانت في تثبيته واحتضانه.

أنت تعلم، وغيرك يعلم، أن النظام الذي تخشى عليه من هواء دعوات المصالحة الوطنية، يحيا ويتمدّد في كنف معادلة اليمين الصهيوني المتطرّف: استئصال مشروع الإسلام السياسي، مقابل دمج المشروع الصهيوني، ذلك المشروع الذي قضى والدك عمره مناضلا ضد الضياع في دهاليزه، ولذلك منع من الكتابة وصودر، حتى مات كمدا.