كعك العيد بالتقسيط يا مصريين

 زمان كان المصريون يقسّمون رمضان إلى 10 أيام «مرق».. و10 «خرق».. و10 «حلق».

العشرة «المرق» لا يعلو فيها صوت فوق صوت الطبيخ والعزومات.. والعشرة «الخرق» تنطلق فيها الأسر إلى شراء «هدوم العيد» للصغار دائماً وللكبار أحياناً.. أما العشرة «الحلق» فهى العشرة التى يعلو فيها صوت «صاجات الكعك والبسكويت».

«المرق» موجود.. و«الخرق» ما زال قائماً.. أما «الحلق» فأصبح ذكرى.

غالبية المصريين اليوم يلجأون إلى شراء «الكعك الجاهز» الذى أعدته الأفران ومحلات الحلويات.. وكلنا يعلم أن أسعار المخبوزات تزيد يوماً بعد يوم بسبب الارتفاعات فى أسعار الدقيق والسمن وغير ذلك من لوازم، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الوقود المستخدم فى «الخبيز».

أمام الغلاء تلجأ فئة لا بأس بها من المصريين إلى التقسيط.. بما فى ذلك تقسيط «كعك العيد»!.

محلات عديدة تعلن فى مثل هذا الوقت من كل عام عن فتح باب حجز وشراء الكميات المطلوبة من الكعك والبسكويت والذى منه بالتقسيط، بشرط أن يتم الشراء من خلال بطاقة ائتمان عبر بنكين محددين، أغلب العاملين فى الدولة وكذا فى القطاع الخاص يقبضون مرتباتهم منهما.

تقليد تقسيط الكعك ليس جديداً، بل يعود إلى أعوام قريبة مضت.. وهو يعكس من ناحية حالة «الفلس» التى تعانى منها بعض الأسر فى مصر، ويعكس من ناحية أخرى حالة «الكسل» والتخلى عن العادات الاجتماعية الرمضانية التى تربينا عليها.

مسألة الفلس مفهومة.. أريد فقط أن أتوقف أمام موضوع «الكسل».

زمان كانت صناعة الكعك جزءاً من عادات الأسرة المصرية خلال الأيام العشرة الأواخر من رمضان.

من منا لا يذكر مشاهد الأمهات وهن يجلسن لجدولة مواعيد إعداد كعك العيد لكل أسرة فى يوم موعود، حيث تتجمع الجارات فى الليلة الموعودة لصناعة الكعك لأسرة معينة، وتمتد الأيدى الطيبة متعاونة فى صناعة صنوفه المختلفة ورصها فى الصاجات، فى حين يتجمع أطفال البيت أو المنزل كله، ليحملوا الصاجات على رؤوسهم فرحين، ويذهبوا بها إلى فرن «الخبيز»، لتخرج الصاجات بعدها متألقة بأطايب العيد.

وما أكثر ما كان يميل البيت الذى صنع الكعك على غيره من بيوت الأهل والأصدقاء والجيران بالأطباق التى تحوى صنوفه المتنوعة، فى عادة إنسانية كانت تدخل البهجة على النفوس.

هذه العادة الرمضانية اختفت تقريباً، والأمر ليس مرده كورونا وما فرضته على الأسر المصرية من تباعد، فالمسألة أبعد من ذلك بكثير.

فمنذ سنين طويلة أصبح سلو الأسرة المصرية شراء الكعك الجاهز أو المصنوع فى المخابز، وذلك ضمن ما تخلت عنه من عادات إنتاجية إيجابية.

الجاهز أغلى من اليدوى بكثير.. هذه القاعدة لا تنطبق على سوق الكعك وفقط، بل تمتد إلى سلع أخرى عديدة، لكن الكسل له أحكام، ومحاولة بعض الأسر الأصيلة تقليد غيرها أوردتها موارد الاستهلاك ودفعتها إلى التخلى عن الفكر الإنتاجى الموروث عن الآباء والأجداد.

أشياء كثيرة يمكن صناعتها فى المنزل بتكلفة أقل بكثير من تكلفة شرائها جاهزة، لكن الثقافة الاستهلاكية التى أصبحت تحكم العقل المصرى تعرقل الأيدى عن العمل.

لذا من الطبيعى أن يكون الكعك جاهزاً.. والوجبات جاهزة.. وحتى «الطرشى» جاهزاً.. أما الفكر فمعلب!.

منقول بتصرف