قواعد العلاقة الطيبة بين الآباء والأبناء من خلال أسرة إبراهيم

(الأسرة) وحدة بناء الأمة الإسلامية تمثل معيار نجاح الأمة أو فشلها على المستوى العام وأساس نجاح الأسرة العلاقة الطيبة بين الآباء والأبناء، ونحن نعيش هذه الأيام نفحات الأسرة الطيبة المباركة، أسرة سيدنا إبراهيم عليه السلام في رحاب الحج وعيد الأضحى المبارك، هيا نتلمس قواعد العلاقة الطيبة بين الآباء والأبناء من خلال الأسرة الإبراهيمية:

(1) أن تكون العلاقة ذات هدف ورسالة في الحياة يتعاون الآباء والأبناء من أجلها:

فلقد كانت المهمة الأساسية لأسرة سيدنا إبراهيم والواجب الأول لها هو حمل رسالة الله والانطلاق في الأرض بدعوة الله، فتارة تجده في مصر وتارة تجده بالشام وتارة تجده بالعراق وتارة تجده بالحجاز وشعاره الدائم ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ هذا الهدف هو الذي يجعل الأسرة متماسكة ومترابطة وصابرة ومتعاونة مهما كانت الصعاب.

(2) أن تكون العلاقة قائمة على الحب والود المتبادل بين الأب وأبنائه:

فالحب والود والعاطفة الطيبة تفجر طاقات الإبداع والنجاح في كل مناحي الحياة، وكان سيدنا إبراهيم طوال حياته محبًا عطوفًا ودودًا لولده، ولقد كان شديد الشوق إلى الذرية حتى قبل أن تأتي، وكان يحب الأبناء ويتضرع إلى الله تعالى بطلبهم: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾، وانظر إلى علاقة الحب والود المتبادل بين الوالد وولده، تقول الرواية: وعاد إليهم بعد غياب: “فصنع كما يصنع الوالد بولده والولد بوالده ثم قال: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك الله به، قال وتعينني، قال: وأعينك، قال: “فإن الله أمرني أن أبني بيتاً هاهنا”.

(3) أن تكون العلاقة قائمة على الحوار والإقناع والمشاورة والتفاهم وليس الفرض أو العنف:

انظر إلى الأب سيدنا إبراهيم عليه السلام يناقش ابنه في كل شيء حتى في أمر الله تعالى ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ…﴾ هذا هو الأمر المطلوب… وكيفية التنفيذ: ﴿فَانظُرْ مَاذَا تَرَى﴾، حوار رائع وعرض جميل يدفع للتعاون والقبول من ابن بار بوالديه مطيع لربه ﴿قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾، فإذا حسُنت المقدمات حسنت النتائج، فالإحسان جزاؤه الإحسان، ومن يزرع الشوك لا يجني العنب، وهذا أمر مهم في التعامل مع الأبناء.

(4) أن تكون العلاقة قائمة على التعاون والتآزر والتوجه نحو البناء وصناعة الحياة وتحويل الأسرة إلى وحدة إنتاج:

فهذا البناء الرائع المعظم عبر التاريخ (الكعبة المشرفة) هو نتاج أب وابن طائعين لله أب يبني وابن يناوله:

﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ  الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (البقرة: 127).

(5) الدعاء والتضرع إلى الله بأن تنجح الأسرة في أداء رسالتها: فكان سيدنا إبراهيم عليه السلام يتضرع إلى الله تعالى ويتوجه إليه بالدعاء أن تنجح الأسرة في أداء مهمتها: فحينما ترك أسرته عند الحرم لم يتركها بروح الغلظة والجفاء بل ذهب بعد غيابه عن أعينهم، وحيث لا يرونه استقبل البيت ورفع يديه يتضرع إلى الله بهذه الدعوات:

﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾.

(6) تفقد الأب لأحوال لأبنائه وحرصه عليهم وتقديمه التوجيهات الصالحة لهم واستعداد الأبناء للاستجابة والطاعة:

يأتي سيدنا إبراهيم وهو الأب من مسافات بعيدة من فلسطين إلى الحجاز ليتفقد حال ابنه سيدنا إسماعيل ويتعرف على أخلاق زوجته، فإذا به يجدها تنكر فضلَ الله تعالى وتشتكي سوءَ الحال بأن ليس عندهم شئ وعندما تأكد من بخلها وامتناعها عن أداء واجب الضيافة، توجه إلى ابنه برسالةٍ يقول فيها: “غيِّر عتبةَ دارك”، أي غيِّر هذه الزوجة البخيلة؛ فمجتمعنا الإسلامي مجتمع الكرم والبذل والجود والعطاء، ولا ينفع أن يعيش في كنفه من لا يطيق هذه الأخلاق لأنها أساسية وضرورية ولازمة لنجاح العمل الإسلامي، وإذا بالابن البار الطائع يطلقها ويتزوج غيرها، على ضوء نصائح الأب الحريص على الأسرة الصالحة ذات المبادئ الكريمة.

(7) حنان الأم وحرصها على رعاية الطفولة:

– فالسعي بين الصفا والمروة رمز عظيم لرعاية الطفولة وتوضيح لمدي العاطفة القوية والجهد الكبير الذي تقوم به الأم لرعاية أبنائها، فأمنا هاجر عليها السلام بعد أن انتهى طعامها وانقطع لبنها ورأت ابنها الحبيب سيدنا إسماعيل يتشحط من شدة عطشه؛ فزعت لرعايته وظلت تسعى مئات الأمتار بين جبلي الصفا والمروة بحثًا عن ماء؛ طلبًا لرعاية فلذة كبدها؛ علمًا بأن طول المسافة بين الصفا والمروة (375 متراً) × 7 أشواط = 2625 مترًا أي ما يقرب من ثلاثة كيلو مترات.

– وكذلك حرص الأم على تربية ابنها مدة 15 عشر عامًا في غياب الأب يدل على مقدار الجهد المبذول من الأم لرعاية ابنها.

(8) طاعة الآباء لربهم تعود بالخير على الأبناء الناشئين في كنفهم: فالبركة تشمل الأبناء بسبب نشأتهم في كنف الأسرة المطيعة لله.

والتقوى تنفع الذرية، والدليل على ذلك ماء زمزم الذي تفجَّر من تحت قدمي سيدنا إسماعيل عليه السلام وهو رضيع   وبقي نفعًا للبشرية حتى تقوم الساعة، فهو يعلمنا جميعًا أن البركة في تنشئة الأبناء على طاعة الله تبارك وتعالى.

(9) توفير الرزق والحياة الكريمة للأسرة قدر المستطاع:

فحينما أمر الله تعالى سيدنا إبراهيم أن يذهب بزوجته وابنه إلى مكان الحرم اجتهد أن يوفر لهم قوتًا مناسبًا فأحضر لهم سقاء فيه كمية من الماء ووكاء فيه كمية من التمر، ثم بعد أن تركهم توجه إلى الله تعالى أن يوفر لهم الرزق:

﴿وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾.

(10) التضحية والفداء:

التضحية والبذل من أهم عوامل نجاح العلاقات والأضحية رمزية عظيمة لقيمة الأبناء وقدرهم في نفوس الأسرة التي توفر المال وتشتري الأضحية فداءً للأبناء  كل عام، والذين كانوا طبقًا لما أمر به سيدنا إبراهيم في أول الأمر سيذبح واحد منهم كل عام، ولكن جاء الفداء من السماء بعد الطاعة والتسليم ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾، ما أجمل أن نقول لأبنائنا إننا نحبكم ونحرص كل الحرص عليكم ونفديكم كل عام بهذه الأضحية التي نشتريها من أجلكم امتثالاً لأمر الله تعالى، فيزيد حبهم لنا ولشعائر الدين العظيمة، ويحسون بقيمتهم وقدرهم فيشاركوننا في حمل الرسالة وأداء الأمانة.