قهر الرجال

ممدوح الولي :

ورد في الحديث الشريف الدعاء الشهير “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال”، ويبدو أن غالبية المصريين أصبحوا يرددون هذا الدعاء بكثرة، أملا في أن يخلصهم الله تعالى مما هم فيه هموم وأحزان وعجز وديون وتسلط وتجبر وظلم، والتى زادت حدتها بالفترة الأخيرة.

غالبية المصريين أصبحوا يرددون دعاء “قهر الرجال” بكثرة، أملا في أن يخلصهم الله تعالى مما هم فيه هموم وأحزان وعجز وديون وتسلط وتجبر وظلم.

وتتنوع أشكال معاناة المصريين بداية من فقدان حرية التعبير عما يعانونه من متاعب، سواء من نقص فرص العمل أو ارتفاع الأسعار أو ارتفاع أشكال الجباية الحكومية، وسطوة بعض التابعين للأجهزة الأمنية، فكم من المصريين والمصريات يشعرون بالقهر وهم عاجزين عن تدبير طعام أولادهم أو دفع فاتورة الكهرباء والمياه والغاز الطبيعى، أو دفع الإتاوة المطلوبة لتوفير فرص عمل لأبنائهم.

وعندما يقوم ضابط شرطة بإجبار سائق ميكروباص على نقل أفراد الشرطة لجهة ما، في مهمة شرطية تستغرق وقتا، فتضيع عليه فرصة الكسب خلال تلك الساعات، ويتحمل ثمن الوقود، فهل يستطيع السائق أن يرفض مطلب الضابط، أو أن يطلب أجرا ولو محدود عن المهمة التي قام بها؟

وعندما ينزل ضابط أو أمين شرطة إلى بعض الجالسين في مقهى ويقوم بسبهم بألفاظ قبيحة دون ذنب اقترفوه، وقد يصل الأمر إلى التعدى عليهم بالضرب، وتكسير بعض محتويات المقهى، فهل يستطيع أحدهم أن يرد ما لحق به من سب وتجريح؟، سواء ابنا يرد عن والده، أو مسنا تم إهدار كرامته أمام رواد المقهى، وهل يقبل قسم الشرطة طلب أحدهم كتابة محضر عما لاقاه من سوء معاملة؟

وعندما يذهب رجال الأمن للقبض على شخص ما بمنزله، سواء وجدوه أو لم يجدوه، عندما يقوم بعض الجنود بالاستيلاء على ما يجدونه من مال أو أجهزة محمول ونحو ذلك، إلى جانب تكسير بعض الموجودات، هل يجد المقبوض عليه من يشكو إليه ما تعرض له؟

نماذج شعبية للقهر

– في شارع شامبليون قام صحفي كبير بركن سيارته لفترة قصيرة، وعندما أراد التحرك بها جاءه أحد الشباب فأعطاه مبلغا معقولا، ولكن الشاب أصر على مبلغ أعلى كثيرا، فرفض الصحفى المبلغ الكبير، فإذا بشابين يقفان أمام السيارة ومع كل منهما خشبة طويلة، وفي الخلف كان هناك شاب آخر يحمل خشبة، وقالوا له أنه يمكنه بعد دفع المبلغ المطلوب الذي لم يتنازلوا عن جزء منه، أن يشكوهم بنقطة شرطة قصر النيل المجاورة للشارع!

– في مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية رفضت النزيلة التي نالت حظا وافرا من التعليم سوء معاملة الممرضة لها، فما كان من الممرضة سوى احتجازها في حجرة صغيرة بمفردها لمدة أكثر من يومين بلا طعام أو شراب أو ذهاب إلى دورة المياه، لتنهار النزيلة حتى كادت تقبل قدم الممرضة!

– في ميناء نويبع عاد أحد المصريين العاملين بالخليج بصحبة زوجته وبناته الكبار، ولمجرد تخطيه المكان الذي حدده الشرطى للوقوف به بحوالى متر، أهانه الشرطى إهانة لفظية بالغة أمام باقى الركاب بما فيهم زوجته وبناته حتى بكوا!

القهر لا يفرق بين الأغنياء والفقراء !

– والأمر ليس قاصرا على البسطاء الذين لا يملكون الواسطة لإنجاز مصالحهم بالجهات الحكومية، فيمكن أن تكون برلمانيا تحمل الحصانة، وترى في نفسك المؤهلات للترشح لمنصب رئيس البرلمان بعد ما قدمته للنظام من خدمات عديدة، لكنه عندما يغضب عليك النظام فلا مكان لك بالبرلمان ولا بالإعلام وممارسة عملك، ولا حق لك حتى في السفر خارج البلاد ويمكن تحريك بعض القضايا الخاصة بك.

– قد تكون لاعب كرة لك شهرة وجماهيرية لكنك تصرفت بما أغضب النظام منك، وهنا يستغنى عنك ناديك، وترفض باقى الأندية أن تلعب بها ولن يستمع أحد لشكواك، وقد تكون إعلاميا شهيرا ساهمت بقوة في تمهيد الساحة للنظام، لكنه عندما يغضب النظام منك لن تجد من يقبل تشغيلك لتظل بعيدا عن الأضواء، حامدا الله على أنك أفضل من غيرك ممن لقوا حتفهم أو مازالوا قابعين بالسجون.

– وقد تكون قاضيا لم ترضى عنك السلطة، فيتم عزلك من عملك، وتأخير صرف المعاش المستحق لك، وتتلكأ نقابة المحامين في منحك ترخيصا بمزاولة المحاماه كى تتعيش منها، فتضطر إلى ممارسة أى عمل للإنفاق على أسرتك حتى ولو كان سائق تاكسى، وعليك أن تحمد الله فهناك من القضاة من هو أكبر منك سنا ومركزا ما زال مسجونا، متهما بضرب محامى رغم أنه لا يكاد يرى أمامه لضعف بصره!

– وقد تكون رجل أعمال بارزا تملك العديد من التوكيلات لشركات أمريكية شهيرة، بل تملك جريدة يومية شهيرة ساندت النظام بقوة، لكنهم عندما غضبوا منه وضعوا القيود الحديدية في يديه وفي يدى ابنه، وقاموا بتصويره والقيود بيديه ونشر الصور بالصحف والزج به إلى أماكن الاحتجاز، ورغم ذلك فإنه أفضل حالا من غيره، ممن وصل غضب النظام عليهم إلى حد التحفظ على شركاتهم وأموالهم والزج بهم في السجون.

– وقد تكون مسؤولا بدرجة وزير لكنهم عندما يغضبون منك يلقون القبض عليك في ميدان عام، مع وجود من يقوم بتصوير عملية القبض، والزج بك للسجن والتشهير بك في وسائل الإعلام باتهامات عديدة مخزية، بحيث لا تجد من يسمع لك أو لدفاعك.

قد تكون مسؤولا بدرجة رئيس وزراء ومؤيدا للنظام، لكن النظام لم تعجبه تصرفاتك فيتم إقصاءك من موقعك بل وإقصاء ابنتك من وظيفتها، وتأخير صرف معاش لك!

– وقد تكون مسؤولا بدرجة رئيس وزراء ومؤيدا للنظام، لكن النظام لم تعجبه تصرفاتك فيتم إقصاءك من موقعك بل وإقصاء ابنتك من وظيفتها، وتأخير صرف معاش لك، وترفض نقابة المحامين إعطاء ترخيصا لك لمزاولة المهنة، لتصبح بلا دخل لشهور طويلة بل والزج بك متهما والحكم عليك لتصبح مهموما بتوقف الدخل وإمكانية تنفيذ الحكم.

ترى كيف يكون حال هؤلاء الذين يشعرون بالظلم والمهانة والقهر؟ وماذا يمكن توقع حال المجتمع الذي تنتشر به تلك المظاهر؟ سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية ومدى انتشار الإحباط وعدم الانتماء، خاصة وهناك وأن تجربة مشابهة للبلاد بالعهد الناصرى والتى كان من نتائجها هزيمة يونيو المنكرة واحتلال سيناء.