قرار التحفظ على أموال 1589 من قيادات الإخوان.. المغزى والدلالات

القرار الذي أصدرته ما تسمى بلجنة التحفظ والحصر والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية، اليوم الثلاثاء 11 سبتمبر 2018م، برئاسة محمد ياسر أبو الفتوح، بالتحفظ على أموال وممتلكات 1589 من قيادات وعناصر جماعة الإخوان المسلمين، كبرى الحركات الإسلامية والشعبية في مصر، والتي فازت بثقة الشعب في أنزه انتخابات ديمقراطية في تاريخ البلاد، إضافة إلى 118 شركة و1133 مؤسسة أهلية وجمعية خيرية، و104 مدارس و69 مستشفى و33 موقعا إلكترونيا وقناة فضائية؛ يحمل الكثير من الرسائل من جانب نظام 30 يونيو العسكري، سواء في مغزاه أو دلالته أو أبعاده أو حتى توقيته.

هذا النهب من جانب النظام العسكري لأموال قيادات وعناصر الجماعة ليس بجديد؛ فقد نهب النظام هذه الأموال والشركات قبل ذلك بسنوات، لكن طعون المحامين الموالين للجماعة كانت دائما تحصل على بطلان لهذه القرارات؛ لأنها صدرت من جهة إدارية لا قضائية، ليس من صلاحياتها مصادرة أموال المواطنين دون أحكام قضائية باتة ونهائية.

تفصيل قانون

وأمام أحكام البطلان المتتابعة من جانب القضاء الإداري والنقض لقرارات النظام المتعلقة بمصادرة ونهب هذه الأموال، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، قرر نظام العسكر تفصيل قانون لتقنين عمليات النهب المنظم لأموال المعارضين عموما، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية.

وفي 21 أبريل الماضي 2018، صدَّق السيسي على قانون «تنظيم إجراءات التحفظ والحصر واﻹدارة والتصرف في أموال الجماعات اﻹرهابية واﻹرهابيين»، والذي نشرته الجريدة الرسمية في ذات اليوم. وجاء التصديق بعد موافقة مجلس النواب، على القانون المقدم من الحكومة والذي صدر برقم 22 لسنة 2018.

وينظم القانون الذي صدر في 18 مادة الإجراءات القانونية للتحفظ على أموال ما يصنفها النظام بـ«الجماعات اﻹرهابية»، وإنشاء لجنة ذات طبيعة قضائية تختص دون غيرها باتخاذ كافة اﻹجراءات المتعلقة «بتنفيذ الأحكام الصادرة باعتبار جماعة أو كيان أو شخص ينتمي إلى جماعة إرهابية».

وتتشكل اللجنة من سبعة أعضاء من قضاة محكمة الاستئناف يصدر بندبهم قرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس الأعلى للقضاء، بحسب المادة الثالثة من القانون.

وتتولى اللجنة «أعمال حصر الأموال الخاصة بجميع تلك الأحكام أيًا كانت صورتها، ولها اتخاذ كافة الإجراءات التي تكشف عنها والاستعانة بكافة الجهات التي ترى الاستعانة بها في هذا الشأن»، طبقًا لنص المادة الرابعة.

كما استبدل القانون الجديد جهة التظلم ضد القرارات لتصبح أمام محكمة اﻷمور المستعجلة بديلًا عن «القضاء اﻹداري»، و«محكمة النقض. وفي حال رفض محكمة اﻷمور المستعجلة الطعن على قرار التحفظ، يُصبح «حكم» التحفظ «نهائيًا». وبهذا يفتح القانون الجديد الباب ﻷول مرة أمام مصادرة هذه اﻷموال ونقلها إلى الخزينة العامة للدولة، وليس التحفظ عليها وإدارتها فقط، ودون انتظار ﻷحكام نهائية تدين هؤلاء اﻷشخاص في أي تهم تتعلق باﻹرهاب.

بلا شك، فإن منح هذا الاختصاص للأمور المستعجلة يخالف الدستور الذي منح هذه الصلاحيات لمجلس الدولة ومحكمة النقض، كما أن من يعين اللجنة هو وزير العدل وهو موظف له صفة إدارية لا قضائية، لكن الطعن على عدم دستورية هذا القانون له طريق آخر غالبا ما يستغرق سنوات يكون النظام قد حقق أهدافه من القانون المشبوه وغير الدستوري في تقنين عمليات نهب أموال المعارضين بدعوى محاربة الإرهاب.

رسائل القرار ودلالاته

القرار ربما يعكس حالة الإفلاس التي يعاني منها النظام، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والمالية، وتزايد حجم العجز المزمن في الموازنة والذي وصل إلى 438 مليارا في موازنة العام المالي الحالي 2018/2019م، إضافة إلى اعتماد النظام على الديون التي وصلت إلى 92,6 مليار دولار خارجيا، بحسب آخر بيان رسمي من الحكومة، ومحليا 3,45 تريليون جنيه، وكذلك اعتماده على فرض مزيد من الضرائب والرسوم. وبذلك فالنظام يمارس عملية نهب منظم من أجل مواجهة حالة الإفلاس المالي التي يعاني منها جراء فشله المتواصل.

الرسالة الأولى للقرار، تتعلق بالتوقيت، فقد جاء القرار بعد ثلاثة أيام فقط من حكم دائرة الإرهاب بما تسمى بمحكمة جنايات القاهرة برئاسة حسن فريد بإعدام 75 من قيادات الجماعة والحكم بالمؤبد على أكثر من 230 على رأسهم فضيلة المرشد العام، في ما تسمى بقضية فض اعتصام رابعة العدوية. وفي ذلك إشارة لا تخفى دلالتها تتعلق بإصرار النظام على تصعيد الصدام مع الجماعة بعد انقلاب 03 يوليو 2013م العسكري، والذي أطاح بالحكومة المنتخبة ديمقراطيا والتي كانت تنتمي إلى حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للجماعة.

الرسالة الثانية تتعلق أيضا بالتوقيت، حيث صدر القرار في ذكرى أحداث 11 سبتمبر 2001، والتي هزت الولايات المتحدة الأمريكية بهجمات إرهابية مسلحة على مبنيي التجارة العالمي ووزارة الدفاع والبنتاجون، والتي كانت مبررا لشن واشنطن في عهد جورج بوش الابن حملات عسكرية موسعة على بلدان إسلامية على رأسها العراق وأفغانستان. والنظام بذلك يريد أن يبعث برسالة للإدارة الأمريكية التي تدعمه بكل قوة أنه يهديها هذا القرار، في محاولة للربط بين جماعة الإخوان التي تؤمن بالمسار الديمقراطي وحق الشعوب في التداول السلمي للسلطة من جهة، وبين الحركات المسلحة كالقاعدة وداعش، والتي ترى في الديمقراطية والانتخابات كفرا من جهة أخرى، في محاولة لإقناع واشنطن بوضع الجماعة على قوائم الإرهاب الأمريكية. خصوصا وأن الإدارة الأمريكية التي تنتمي لليمين المتطرف تحمل قدرا كبيرا من الضغائن والكراهية لجميع الحركات الإسلامية المعتدلة والمتشددة على السواء؛ لذلك فإن قرار اللجنة اليوم حاول جاهدا الربط بين الجماعة والعنف بالزعم أن التحريات توصلت إلى أن الجماعة تسعى لتوفير الدعم المالي للإنفاق على الأنشطة والعمليات الإرهابية التي ينفذها عناصر ما يسمى بالحراك المسلح.

الرسالة الثالثة، هي تأكيد الصدام والتصعيد، ومحاولة حصار الجماعة من جميع الجهات  باعتبارها القوة الشعبية الأكبر والأكثر انتشارا وتأثيرا، بأحكام انتقامية لقيادتها وعناصرها، وملاحقة واعتقال شبابها، ومصادرة أموال قادتها والمتعاطفين معها، ما يعني أن النظام ماض في طريق القمع والاستبداد إلى مداه دون اكتراث لأي عواقب شديدة الخطورة جراء استمرار هذه السياسات الدموية؛ وما تفضي إليه من مزيد من التمزق المجتمعي والشتات والغربة التي يشعر بها كثير من المصريين في ظل التدهور الحاد في الأوضاع الاقتصادية، وتضخم الديون إلى مستويات مخيفة وكارثية، وتضاعف المعاناة جراء موجات الغلاء الفاحش التي تلهب ظهور جميع فئات الشعب.

وربما يفسر البعض هذه الأحكام الانتقامية بأن النظام حريص على كسر روح الصمود الأسطوري من جانب قيادات وعناصر الجماعة وإجبارها على الانكسار والتسليم، والاعتراف بشرعية النظام العسكري. ومن جهة أخرى ربما يسعى النظام للحصول على مجموعة من الأحكام والإجراءات الانتقامية من أجل استغلالها في مساومة الجماعة للاعتراف بشرعيته أو اعتبارها أوراق ضغط للنظام على الجماعة، حال أجبر على التهدئة والتفاوض بضغوط إقليمية ودولية من أجل الحفاظ على استمراره في سياق الخوف من تزايد منسوب الغضب الشعبي أمام فشل النظام في جميع الملفات والقطاعات.