قال رسول الله ﷺ: (إن حقًّا على الله: أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه)

خالد أبوشادي:

أخرج البخاري في صحيحه:
كانت ناقة لرسول الله ﷺ تسمى العضباء، وكانت لا تُسبَق، فجاء أعرابي على قعود له، فسبقها، فاشتد ذلك على المسلمين، وقالوا: سُبِقت العضباء! فقال رسول الله ﷺ: (إن حقًّا على الله: أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه) .
فكل ما علا من الدنيا سيقع، وهذا السقوط بعد العلو حتمي وسُنَّة من سنن الله في هذه الحياة، يستوي في ذلك المؤمن والكافر، والصالح والطالح، كما توحي به كلمة (شيئا) وهي نكرة، أيْ أيّ شيء..
ولهذا رؤي عمر بن الخطاب في يوم من أيام فتح بلاد فارس متغير الوجه، فقال: إذا تم الأمر نقص..
وصدق أبو البقاء الرندي حين قال:
لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ, فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ
لكن قد يتأخر سقوط الظلم لحكمة، فقد يسقط خلال سنة أو سنوات، وتأخير هذا لحكمة ربانية، لكنه واقع لا محالة، هذا الظلم سيسقط، وهذا الطغيان منحسر..
يبقى التأمل في بعض حكمة إطالة هذه المحنة التي تجري بأمر الله (ولو شاء ربك ما فعلوه).
1. اختبار كل الناس: الناس تميل للخضوع للقوي ولو كان على باطل..فلو كان يملك مالا كان الميل إليه أشد والخضوع له أقوى، وقد تبيع دينها في سبيل ذلك (يبيع دينه بعرض من الدنيا)
ولذا كانت فتنة الدجال شديدة، فهو يملك القوة والمال والسلطان، ومع ذلك معه قوة الإعلام (70 ألف من يهود أصفهان)، فالنجاح هنا أن لا تدفعك قوة الباطل وكثرة أمواله واستعداداته لأن تميل إليه وتؤيده.
2. الثبات على الحق:
وهذا يحتاج منا إلى عمل، فالمواعظ التي تملأ الكتاب والتي تملؤ صفحته وينشرها بين أصحبه ما لم تتحول غلى أعمال، فإن ثباتنا سيكون موضع تساؤل، وانهيارنا –لا قدَّر الله- سيكون وشيكا (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا).
3. الإصلاح: وهذه تحتاج منا إلى بطولة .. لأن الألم طاغي، والشدائد منهمرة، فإذا نفض أحد عن قلبه غبار الألم والحزن استحق عظيم الأجر ونيل البشارة: (فطوبى للغرباء. قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس).
4. تفاوت المصلحين في الأجر:
فهناك من يصلح رجلا واحدا، وهناك من يصلح ثلاثة..
منا من يصلح أهل بيته، وهناك من يصلح أهل بيته وجيرانه، وهناك من يصلح أكثر وأكثر..
هناك من يبذل من وقته القليل .. وهناك من يبذل الكثير.
هناك من يبذل من فضول وقته، وهناك من يبذل من أصل وقته.
هناك من يتألم لأحول الأمة فيقعد، وهناك من يتألم فيبحث وينشط ويتحرك.
هناك من يعمل وحده، وهناك من يعمل ويفتح أبواب العمل والأمل لغيره.
وتتفاوت درجات الجنة المائة بحسب ما نبذل من هذه الأعمال.
5. التفاؤل:
وهو المفتاح الذي يفتح به الإنسان أبواب العمل والابتكار، والبحث عن أسباب الفشل وتجاوزها.
والتفاؤل معدي كما أن التشاؤم معدي.
السعادة معدية والكآبة معدية.
ولذا كان من جميل ما قيل:
وَتَجَلَّدِي لِلشَّامِتِينَ أُرِيهُمُ … أَنِّي لِرِيَبِ الدَّهْرِ لَا أَتَضَعْضَعُ
فلا تُظهِر اليوم مشاعر الكآبة والإحباط، فتنشرها في من حولك، فتقعدهم بذلك عن العمل وإصلاح الخلل.
6. تأمل حكمة الله في تحقيق نصره:
هناك عامل بشري (إن الله لا يغير ما بقوم)، وهناك وعامل قدري
قد يأخذ الإنسان بالأسباب الممكنة، ولا يُقدِّر الله إزالة الكربة لعجز فينا لم نستكمله، أو لحكمة ربانية في تأخير الفرج، وعدم إزالة الكربة، ليتم الاختبار وكشف المنافقين.
أقدار ربانية لا تحقق لي ما أتمنى، فأصاب بالإحباط..
والمطلوب: الأخذ بالاسباب المادية والإيمانية وتفويض الأمر لله ..
(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ)
وحاشا النبي ﷺ أن يكون قصَّر في الأخذ بالأسباب الإيمانية وهو خير الخلق، ولا في الأسباب المادية..
لكن الله يعلِّمه ويعلِّمنا في هذه الآية البعد القدري للأحداث.
فإذا أخذ العبد بالأسباب، ووجد أنه أدى ما عليه، وبذل قدر استطاعته، فليستبشر بنجاحه وبطولته، وليفوِّض الأمر لله (قل إن الأمر كله لله).