في الذكرى الأولى لمسيرات العودة.. هذه مكاسب المقاومة الفلسطينية من النضال السلمي


قبل عام وفي 30 مارس 2018م، انطلقت مسيرات العودة على الحدود بين قطاع غزة والأراضي المحتلة ضد عصابات الاحتلال الإسرائيلي وذلك لتحقيق عدة أهداف أولا تدشين حراك ونضال سلمي إلى جانب أعمال المقاومة المسلحة وفرض أزمة الحصار الممتد على قطاع غزة منذ أكثر من 10 سنوات على أجندات الرأي العام العالمي والذي يتناسي هذه المأساة، وكذلك التأكيد على حق العودة ضد مؤامرات الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب الذي ينتمي إلى اليمين المتطرف والتي تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية من خلال الإعلان عن القدس عاصمة للصهاينة وإسقاط حق العودة لأكثر من 6 ملايين لاجئ فلسطيني في الشتات، وإعادة القضية الفلسطينية إلى المشهد العام في ظل الانشغال بقضايا إقليمية أخرى باعتبارها القضية المحورية الأم لمأساة المنطقة كلها.

وعلى مدار عام كامل تكرست حالة من النضال السلمي في القطاع، الذي واجه ثلاث حروب إسرائيلية قاسية وعشرات الاعتداءات العسكرية، وحصارًا ممتدًا منذ أكثر من 12 عامًا، ما أربك الاحتلال الذي وجد نفسه عاجزًا عن التعاطي معه إلا من خلال القمع الدموي. وتخلل مسيرات العودة خلال العام المنصرم عشرات الاعتداءات الإسرائيلية المباشرة على المتظاهرين، والتي أدت لاستشهاد 266 فلسطينيًا وإصابة 29700 آخرين، نصفهم جرى علاجهم في المستشفيات، والآخرون تعالجوا ميدانيًا في النقاط الطبية التي تلازم مخيمات العودة الخمسة، وفق تأكيد المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة في تصريحات لصحيفة “العربي الجديد” اللندنية.

ورغم هذه التضحيات الجسيمة فإن الفلسطينيين يضربون أروع المثل في الدفاع عن الوطن حيث يستعدون اليوم السبت لتظاهرات حاشدة في الذكرى السنوية الأولى للمسيرات، بهدف إيصال عدة رسائل للاحتلال الإسرائيلي، بأن الفعل الشعبي مستمر حتى تحقيق أهدافه، وللوسطاء بالإسراع في إنقاذ القطاع وسكانه من الأوضاع الكارثية التي وصلوا إليها بعد أعوام الحصار الطويلة والقاسية.

وبحسب قادة فلسطينيين فإن أهداف مسيرات العودة تبدلت إلى هدفين: الأول استراتيجي يتعلق بالعودة إلى القرى والمدن التي هجر منها الفلسطينيون، والثاني تكتيكي يتعلق بإنهاء حصار غزة المضروب على مليوني مواطن يعانون ويلات أطول حصار وأصعب ظروف معيشية وحياتية واقتصادية. لكن يحسب لهذه المسيرات أنها وحدت الرأي العام الفلسطيني حول قضيتها العادلة.

مكاسب المقاومة

وبحسب النائب عن حركة “حماس” في المجلس التشريعي، القيادي يحيى موسى، في تصريحات صحفية، فإنّ “مسيرات العودة الكبرى مثلت نقطة فاصلة في النضال الفلسطيني، وأعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة عبر إحياء حق العودة والتأكيد على حقيقة الوجود الفلسطيني”.

وأكد موسى أنه “في ظلّ الحالة المعقدة محليا وإقليميا ودوليا التي لا تساعد على الاشتباك المسلح والعسكري، جاءت مسيرات العودة الكبرى كفكرة إبداعية، أسهمت باشتباك سياسي وشعبي مع الاحتلال الإسرائيلي”.

وأضاف أن “مسيرات العودة الكبرى على مدار عامها الأول أسهمت في تعرية إضافية لإجرام الاحتلال أمام المجتمع الدولي والعالم أجمع، من خلال ما ارتكبه بحق المتظاهرين والمشاركين بها، وجعلت المواجهة مع الاحتلال في نقطة ضعفه وجعلتنا في نقطة قوتنا المتمثلة في الجماهير”.

وتابع موسى قائلاً: إنه “يُحسب للمسيرات بعد مرور عام على انطلاقتها، أنها استطاعت جمع القوى الفلسطينية واستنهاض الحالة والعلاقة الداخلية، عبر ما نتج عنها من الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وغرفة العمليات المشتركة للأذرع العسكرية في غزة”.

ولفت إلى أنّ “المسيرات أسهمت في تصاعد حالة المقاومة بالضفة الغربية المحتلة من خلال الحاضنة وحالة التحشيد الحاصلة، في الوقت الذي ما يزال فيه الحديث عن الإنجازات المادية سابقًا لأوانه خلال الفترة الحالية”.

ووفقًا لخبراء فإن هذه المسيرات فرضت معادلة جديدة على الأرض؛ حيث أربكت الاحتلال الذي واجه هذه المسيرات السلمية بعنف وقمع وحشي واستنجد بحليفه الوثيق في القاهرة من أجل تخفيف هذه الفعاليات والحد منها ما دفع عدة جهات للتوسط من أجل حل الأزمة، وأفضى ذلك إلى تقارب بين حركة المقاومة الفلسطينية حماس والنظام العسكري في مصر الذي فتح معبر رفح البري المغلق مع القطاع لامتصاص “غضب الفلسطينيين” ولإنجاح وساطتها، التي بدأت تتفاعل مع انطلاق المسيرات وتصاعدها.

وتدخلت مصر ومعها قطر والأمم المتحدة للعمل على ضمان تدفق المساعدات الإنسانية والمالية للقطاع، ونجحت الجهود التي قادتها الدولتان كل على انفراد والأمم المتحدة في وقف جولات التصعيد ومنع انزلاق الأوضاع إلى اعتداءات أكبر.

المسيرات أسهمت كذلك في رفع كلفة الاحتلال الإسرائيلي وإرباك مؤسسته الأمنية واستنزافها هو وجنود جيشه، إلى جانب الضغط على مستوطني غلاف غزة وتأكيد حق العودة”.

ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة، مخيمر أبو سعدة، أن “المسيرات أعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية، في ضوء حالة الانشغال القائمة في الأوساط العربية”، موضحًا أنها “نجحت في إعادة القضية الفلسطينية لصدارة المشهد من جديد على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، من خلال فعالياتها المختلفة وأكدت على وجود شعب يعيش تحت احتلال ما زال قائمًا”.

وتابع أبو سعدة: “إلى جانب إعادة القضية للمشهد، أثبتت المسيرات نجاعة خيارات أخرى غير المقاومة المسلحة، المتمثلة في المقاومة الشعبية. وهو الأمر الذي حظي بتفاعل وتضامن دولي كبير كان آخره تقرير الأمم المتحدة الذي دان الاحتلال الإسرائيلي”.

ونجحت المسيرات في تعزيز الجبهة الداخلية وحالة التماسك بين الفصائل الفلسطينية، كحماس والجهاد والجبهات وبقية الفصائل إلى درجة ما، خصوصًا خلال فعاليات مسيرة العودة وما تبعها من تصعيد إسرائيلي”.