فى ذكرى ميلاده .. تعرف على صاحب “صحيح البخاري”

الإمام (محمد اسماعيل البخارى)

تمر اليوم ذكرى ميلاد الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى، أحد كبار الفقهاء ومن أهم علماء الحديث عند أهل السنة، إذ ولد فى مثل هذا اليوم 20 يوليو من عام 810م ــ 13 شوال 194 هـ”، وله العديد من المصنفات أبرزها كتاب الجامع الصحيح، المعروف بـ “صحيح البخارى”،ودفن فى قبر الأمام البخارى فى سمرقند .

اجتهد الكثير من عُلماء الأمّة في محاولةِ تدوينِ أحاديث النبي صلّى الله عليه وسلم الصحيحة لحمايتها من التّحريف والضياع، وحماية الأمة من الفتن والبدع التي قد يُدخِلها المنشقّون عن الدين، كما توجد بعض الفئات لا تخاف الله فتروي ما تُريد على لسان سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلّم. من أشهر كتب الحديث وأكثرها صحةً “صحيح البخاري” الذي استطاع كتابته البخاري، لتقديم هذه الهديّة للأمّة الإسلامية وهو غير العربيّ؛ فالكثير من الناس اليوم يعودون إلى صحيح البخاري للفصل بين ما يَسمعون أو يُشاهدون من الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلّم. دعونا نأخذ رحلةً قصيرةً في مُجريات حياة البخاري لنتعرّف عليه بشكلٍ أكبر.

البخاري اسمه ومولده ونشأته
‏ البخاري هو محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزبَه الجعفي البخاري، أبو عبد الله، ولِد في بخارى في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر شوال سنة 194 من الهجرة،

‏ولِد البخاري في بيتٍ يسوده العلم والورع وحب الدين؛ فقد كان أبوه من المُحدثين العلماء، وهذا ما زاد من علم البخاري وصلته بالدين وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلّم، وكان والد البخاري يتّصف بالورع والرّزانة والحكمة، وكان البخاري يتّصف بالذكاء الحاد والذاكرة القويّة وقدرته الكبيرة على الحفظ ، ولكن تُوفّي والده وهو صغير فتربّى يتيماً.
‏ كان البُخاري مُحبّاً للعلم؛ فقد ذهب للتعلّم من الكتّاب وهو صبيٌّ صغير، وحفظ القرآن الكريم، ثمّ أخذ يقرأ أمهات الكتب وأشهرها المعروفة في وقته، وعندما بلغ العاشرة من عمره انكبّ على حفظ الحديث الشريف، وقد كان يهتمّ جداً بصحة الأحاديث وأماكن العلل فيها وسببها من حيث الرواة وعدالتهم ومعرفة تراجمهم.

‏ وفي عام 210هـ انطلق البخاري مع والدته وأخيه لأداء مناسك الحج، وعندما انتهوا من المناسك عادت أمه وأخيه وبقي هو في مكة المكرمة للنهل من علوم الحديث بشكلٍ أكبر، وبعدها انتقل إلى المدينة المنورة، وكان عمره ثمانية عشر عاماً عندما صنّف كتاب التاريخ الكبير في المدينة. لم يكتفِ البخاري بما أخذه من علومٍ في مكّة المكرمة والمدينة المنورة وبخارى؛ بل انطلَقَ إلى الكثير من البلدان التي يتواجد فيها الشيوخ لأخذ العلوم المختلفة منهم؛ حيث قيل إنَّ شيوخه زاد عددهم عن الألف رجل، كما تتلمذَ على يديه الكثير من العلماء أيضاً وأخذوا من علومه.

ملامح شخصية الإمام البخاري
تميَّز الإمام البخاري بصفات عذبة وشمائل كريمة، لا تتوافر إلا في العلماء المخلصين، وهذه الصفات هي التي صنعت الإمام البخاري.

1- الإقبال على العلم. قام البخاري بأداء فريضة الحج وعمره ثماني عشرة سنة، فأقام بمكة يطلب بها الحديث، ثم رحل بعد ذلك إلى سائر مشايخ الحديث في البلدان التي أمكنته الرحلة إليها، وكتب عن أكثر من ألف شيخ.
2- الجِدُّ في تحصيل العلم. وقد كان البخاري يستيقظ في الليلة الواحدة من نومه، فيوقد السراج ويكتب الفائدة تمر بخاطره، ثم يُطفئ سراجه، ثم يقوم مرة أخرى وأخرى حتى كان يتعدد منه ذلك قريبًا من عشرين مرة.
3- قوة الحفظ. وقد ذكروا أنه كان ينظر في الكتاب مرة واحدة، فيحفظه من نظرة واحدة، والأخبار عنه في ذلك كثيرة.
4- أمير المؤمنين في الحديث. دخل مرة إلى سمرقند فاجتمع بأربعمائة من علماء الحديث بها، فركَّبوا أسانيد، وأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق، وخلطوا الرجال في الأسانيد، وجعلوا متون الأحاديث على غير أسانيدها، ثم قرءوها على البخاري، فردَّ كل حديث إلى إسناده، وقوَّم تلك الأحاديث والأسانيد كلها، وما تعنتوا عليه فيها، ولم يقدروا أن يجدوا عليه سقطة في إسناد ولا متن، وكذلك صنع في بغداد.

‏ كتبه ومؤلفاته
‏ استطاع البخاري أن يُؤلّف الكثير من الكتب والمصنّفات، ووصل بعضها إلينا وضاع بعضها، ومن أهمّها كما ذكرنا الجامع الصحيح المشهور بصحيح البخاري، وله كتاب الأدب المفرد، وكتاب الهبّة، وغيرها الكثير.

صحيح البخاري
هو أشهر كتب البخاري، بل هو أشهر كتب الحديث النبوي قاطبةً. بذل فيه صاحبه جهدًا خارقًا، وانتقل في تأليفه وجمعه وترتيبه وتبويبه ستة عشر عامًا، هي مدة رحلته الشاقة في طلب الحديث. ويذكر البخاري السبب الذي جعله ينهض إلى هذا العمل، فيقول: “كنت عند إسحاق بن راهويه، فقال: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع (الجامع الصحيح)”.

وعدد أحاديث الكتاب 7275 حديثًا، اختارها من بين ستمائة ألف حديث كانت تحت يديه؛ لأنه كان مدقِّقًا في قبول الرواية، واشترط شروطًا خاصة في رواية راوي الحديث، وهي أن يكون معاصرًا لمن يروي عنه، وأن يسمع الحديث منه، أي أنه اشترط الرؤية والسماع معًا، هذا إلى جانب الثقة والعدالة والضبط والإتقان والعلم والورع.

وكان البخاري لا يضع حديثًا في كتابه إلا اغتسل قبل ذلك وصلى ركعتين. وابتدأ البخاري تأليف كتابه في المسجد الحرام والمسجد النبوي، ولم يتعجل إخراجه للناس بعد أن فرغ منه، ولكن عاود النظر فيه مرة بعد أخرى، وتعهده بالمراجعة والتنقيح؛ ولذلك صنفه ثلاث مرات حتى خرج على الصورة التي عليها الآن.

وقد استحسن شيوخ البخاري وأقرانه من المحدِّثين كتابه، بعد أن عرضه عليهم، وكان منهم جهابذة الحديث، مثل: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين؛ فشهدوا له بصحة ما فيه من الحديث، ثم تلقته الأمة بعدهم بالقبول باعتباره أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى.

وقد أقبل العلماء على كتاب الجامع الصحيح بالشرح والتعليق والدراسة، بل امتدت العناية به إلى العلماء من غير المسلمين؛ حيث دُرس وتُرجم، وكُتبت حوله عشرات الكتب