زواج

عزوف الشباب عن الزواج.. أسوأ ما جناه المصريون من حكم الانقلاب

‎بواسطة أحمد يونس

في ظل غياب الأمن المجتمعي بمعناه الشامل تحت حكم النظام العسكري القائم، وما يحمله من مرارات اقتصادية وكوارث اجتماعية، بات الهروب من الزواج ديدن أغلب الشباب المصري، اليوم، بل أصبحت معدلات الزواج في تراجع تدريجي، حتى أصبح الأمر ظاهرة تُثير العديد من التساؤلات، حول ما إذا كانت العزوبية والعزوف عن الزواج مجرد قلة حيلة وخيار مؤقت لدى الشباب، أم أنه اتجاه حقيقي تقف وراءه أسباب قوية.

أرقام كارثية

تمثّلت أبرز مؤشرات ظاهرة العزوف عن الزواج فيما أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامـة والإحصاء، عن تراجع معدل الزواج خلال يونيو 2019 بنسبة 25.4% مقارنة بالشهر ذاته من عام 2018، إذ بلغ عدد عقود الزواج خلال هذا الشهر 63.2 ألف عقد، مقابل 84.7 ألف عقد في يونيو 2018.

ولم يكن هذا العام استثناءً، بل نفس الحال خلال السنوات الماضية، إذ شهد عام 2018 تراجعًا بمعدلات الزواج بنسبة 2.8% مقارنة بعام 2017، فيما شهد العام ذاته (2017) تراجعًا في معدلات الزواج بنسبة 3.7% مقارنة بعام 2016.

ترافق مع هذا التراجع اتجاه المصريين نحو العزوف عن الإنجاب أو الرغبة في تأجيله، ما ترتب عليه انخفاض معدل المواليد بنسبة بلغت نحو 62% خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ولكن بالنظر إلى الدوافع الرئيسية وراء هذه المعدلات، يبدو أن الأمر تقف خلفه جملة من الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كذلك.

الفقر أهم الأسباب

من بين هذه الأسباب يأتي العامل الاقتصادي في المقدمة، فاليوم.. رغم وصول معدلات النمو الاقتصادي لما يفوق الـ5%، إلا أنه نمو يصب في صالح الأغنياء ويزيد الفقراء فقرًا، فقد ارتفعت نسبة الفقر بين المصريين لتصل إلى 32.5% عام ( 2017 – 2018) بعد أن كانت نحو 27.8% عام 2015، تراجعت القدرة الشرائية لتحتل مصر المركز الـ124 من بين 163 دولة على مستوى العالم.

كذلك انخفضت القيمة الحقيقية للأجور بنسبة 52% مقارنة بعام 2014، إذ بلغ متوسط الأجر الأسبوعي للعاملين في القطاع العام، وقطاع الأعمال عام 2014 نحو 1026 جنيهًا،  وذلك عند متوسط سعر صرف للدولار 7 جنيهات، في مقابل 1278 جنيهًا (نحو 71 دولارًا) عام 2018 عند متوسط سعر صرف للدولار نحو 18 جنيهًا، ما يعني انخفاض القيمة الشرائية لأجر العاملين بالقطاع العام بنسبة 52% عام 2018، مقارنة بعام 2014. الأمر ذاته بالنسبة للعاملين بالقطاع الخاص، إذ انخفضت القيمة الشرائية لأجورهم بنسبة 33% عام 2018، مقارنة بعام 2014.

وهكذا في ظل ارتفاع الأسعار وتراجع القيمة الحقيقية للأجور وزيادة تكاليف الزواج، عجزت قدرات كثير من الشباب عن مواكبتها، فما كان منهم إلا العزوف عن الزواج كحل اضطراري.

القمع الأمني والخوف من المسئولية

وبجانب العامل الاقتصادي، تسبب القمع الأمني في هروب كثير من الشباب المصري، بل ومن بداخل مصر بَات غير مستقر في ظل القبضة الأمنية التي قد تتسبب في الاعتقالات العشوائية، ومن ثم غاب عنصر الاستقرار الشخصي، وتحول الزواج الى “فوبيا” يخشاها الشباب.

فوفقًا لدراسة أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بشأن أسباب رفض فكرة الزواج، جاء الخوف من تحمل المسئولية على رأس هذه الأسباب، وهو أمر لا يقتصر على الشباب الذين قد يخشون تحمل المسئولية عن بيت وأسرة في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع الأسعار ونسبة البطالة التي بلغت نحو 8.1% في الربع الأول من العام الجاري، بل يشمل العديد من الفتيات اللاتي يخشين المسئولية الكاملة عن الأطفال والزوج.

تغير الأولويات والبطالة

لم يعد الزواج أهم أولويات الشباب؛ وحدث تراجع في إقبال الكثير من الذكور عليه في مقابل رغبتهم في تحقيق المزيد من النجاح في العمل؛ أما الإناث فانخراط البعض منهن في استكمال الدراسات العليا جعلهن يفضلن النجاح ويؤجلن فكرة الزواج الذي تعتبره الفتاة معوقًا لنجاحها وقيدًا لحريتها واستقلالها.

وبصفة عامة، فالأمر لا يقتصر على الإناث، بل هو أمر شائع بين أصحاب الشهادات العليا، فهم أقل إقبالًا على الزواج من أصحاب الشهادات المتوسطة، ما أظهرته إحصائيات التعبئة العامة والإحصاء لعام 2018، إذ أكدت أن الذكور الحاصلين على شهادات متوسطة سجلوا أعلى نسبة زواج بنسبة 38.4%، بينما كانت أقل نسبة زواج بين الحاصلين على درجة جامعية عليا بنسبة 0.1%، كذلك بلغت أعلى نسبة زواج بالنسبة للفتيات (لمن تقرأ وتكتب) 32.2%، في مقابل أقل نسبة زواج بين الحاصلات على درجة جامعية عليا إذ شكلت نسبة 0.1% من جملة العقود.

ويرجع هذا في أحد أسبابه لنظرة أصحاب الشهادات العليا للزواج كجزء من الحياة وليس الغاية من الحياة كلها، فكثير منهم منشغل بسوق العمل وتطلعاته الشخصية وتحقيق ذاته، وبالتالي قد يؤجل خطوة الزواج حتى يأخذها بشكل صحيح.

وعلى الجانب الآخر، هناك نسبة كبيرة من الشباب عاطلة عن العمل، الأمر الذي أظهرته أيضًا إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة عام 2018، مؤكدة أن أعلى معدلات للبطالة تم تسجيلها بين حملة المؤهلات الجامعية وما فوقها بنسبة 17% من إجمالي العاطلين. وفي المقابل، استحوذ أصحاب الشهادات فوق المتوسطة (الأقل من الجامعية) على النسبة الأكبر من إجمالي المشتغلين بنسبة 60.3%.

فتش عن “السيسي”

وفي إطار السياسات المرتبكة للسيسي ونظامه، تعددت تحذيرات السيسي ونظامه من الزيادة السكانية، وشنت الحروب الإعلامية للترهيب من الزواج باعتباره مسئولية كبيرة والإنجاب بوصفه خطرا داهما على المجتمع. وكان أبرز هذه السياسات برنامج «كفاية 2» الذي أطلقته الحكومة للتشجيع على الحدِ من عدد أفراد الأسرة الواحدة، والذي أعلن على إثره رئيس الوزراء الانقلابي مصطفى مدبولي أن الحكومة ستقصر الدعم المالي (معاش تكافل وكرامة) على الأسر التي تنجب طفلين فقط.

تزامن مع هذا حملة مكثفة من الدول ومنابرها الإعلامية والدينية لتعزيز الاتجاه بين الشباب المقبل على الزواج والأسر المصرية على حد سواء. فترى هناك خطبة جمعة يلقيها وزير الأوقاف، يتحدث فيها عن ضرورة تنظيم النسل وأن مصر بها زيادة سكانية غير منضبطة، ولا يمكن أن تكتمل معها عملية التنمية، وفتوى تصدرها دار الإفتاء تؤكد أن تنظيم النسل جائز في الشريعة الإسلامية، وتصريحات لمسئولين تتهم جماعة «الإخوان» بالتسبب في الزيادة السكانية، وأخرى لرئيس البرلمان يطالب بإنجاز تشريع عاجل لمواجهة الزيادة السكانية، وصولاً إلى إعلانات دشنتها وزارة الصحة كما الحال في إعلان “أبو شنب”.